أظهرت دراسة أنجزتها مؤسسة “راند” للأبحاث أن الحكومات، على مر التاريخ، تميل إلى اتباع مصالحها الخاصة استجابة للأوبئة بدلاً من اتباع نهج أكثر تنسيقاً مع دول العالم؛ وهو ما سيكلف الاقتصاد العالمي خسائر بالمليارات، لأن ذلك يحول دون وصول اللقاح إلى كل البلدان.
وأوردت ورقة بحثية حول الموضوع، نشرها مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، أن “قومية اللقاح” تظهر حينما تضغط الدول من أجل الوصول أولاً إلى إمدادات اللقاحات، أو تخزين المكونات الرئيسية لإنتاج اللقاح دون النظر لغيرها من الدول.
وبتطبيق ذلك على الأوقات الراهنة، تشير الورقة إلى أنه على الرغم من ظهور بعض اللقاحات المرتبطة بفيروس كورونا، فإنه لا تزال هناك صعوبة في عمليات الإنتاج والتوزيع؛ وهو ما يدفع الدول إلى حصر الكمية المنتجة من اللقاح عليها وعلى الدول ذات الدخل المرتفع.
ولا يزال التباعد الجسدي واستخدام الأقنعة والاختبارات وبرامج التتبع والتعقب هي التدابير الفعالة الوحيدة ضد انتشار المرض داخل كافة دول العالم حالياً. وإذا ما لم يتم توفير اللقاح على نطاق واسع، فستستمر إجراءات التباعد المادي في التأثير سلباً على القطاعات الرئيسية للاقتصاد العالمي، لا سيما تلك التي تعتمد على التقارب المادي الوثيق بين الناس.
خسائر بالمليارات
وحسب الأرقام الواردة ضمن الدراسة، ستصل التكلفة العالمية الاقتصادية الناجمة عن الجائحة في حال لم يتم توفير اللقاح إلى 3,4 تريليونات دولار سنوياً، حيث سيتكبد الاتحاد الأوروبي نحو 5,6% من الناتج المحلي الإجمالي السنوي، أي ما يعادل 983 مليار دولار.
بينما ستصل خسائر المملكة المتحدة إلى 4,3% من الناتج المحلي الإجمالي السنوي، أي ما يقدر بـ145 مليار دولار. فيما ستخسر الولايات المتحدة حوالي 2,2% من الناتج المحلي الإجمالي السنوي، أي حوالي 480 مليار دولار.
وفي حال جرى توفير اللقاحات على نطاق محدود للدول المنتجة له فقط، فسيتكبد الاقتصاد العالمي ما يصل إلى 1,2 تريليون دولار سنوياً من الناتج المحلي الإجمالي؛ لأن تحصين جزء من سكان العالم ضد الفيروس لا يضمن السيطرة على الوباء، الذي لا يزال منتشراً على نطاق واسع في مناطق مختلفة، ومن ثم ستستمر التبعات الاقتصادية له.
وفي حال تم توفير اللقاح للدول المنتجة له فقط، إضافة إلى الدول ذات الدخل المرتفع، فسيتكبد الاقتصاد العالمي خسائر تصل إلى 292 مليار دولار سنوياً.
أما في حال عجزت الدول الفقيرة عن الحصول على اللقاحات، فقد يخسر العالم حوالي 153 مليار دولار سنوياً من الناتج المحلي الإجمالي. وستتكبد البلدان ذات الدخل المرتفع، وكذلك دول مثل الهند والصين وروسيا معاً، خسائر تقدر بنحو 119 مليار دولار سنوياً، أي ما يعادل 10 مليارات دولار شهرياً، حيث سيخسر الاتحاد الأوروبي وحده نحو 40 مليار دولار سنوياً، وستخسر الولايات المتحدة الأمريكية نحو 16 مليار دولار؛ بينما ستخسر المملكة المتحدة بين ملياري دولار و10 مليارات دولار.
وبناء على تقديرات منظمة أوكسفام الدولية في عام 2020، تحتاج الدول ذات الدخل المرتفع مشتركة إلى دفع 25 مليار دولار لتوفير اللقاح للدول ذات الدخل المنخفض. وفي حال تحقق هذا السيناريو، فقد تكون هناك نسبة فائدة مقارنة بالتكلفة تبلغ 4,8 إلى 1، أي إنه مقابل كل دولار واحد يتم إنفاقه، ستستعيد البلدان مرتفعة الدخل حوالي 4,80 دولارا.
تعاون دولي مشترك
تشير الدراسة إلى أن المنافسة العالمية أو قومية اللقاح قد تمنع وصول اللقاح إلى من هم في أمسّ الحاجة إليه، وهذا يعني تعريض حياة أشخاص أكبر للخطر، وزيادة في معدلات الوفيات العالمية، ولذلك تؤكد أن الاستثمار في تطوير اللقاح وضمان الوصول العادل له سيكون مفيداً اقتصادياً على المدى الطويل.
ومع ذلك تشير الدراسة إلى أن الإنفاق الحالي من قبل الاقتصادات الرائدة على تطوير اللقاح وتوزيعه صغير نسبياً مقارنة بحجم الخسارة الاقتصادية المرتبطة بجائحة (كوفيد-19). وعلى الرغم من وجود جهود دولية كالتعاون بين منظمة الصحة العالمية والمؤسسات الدولية الأخرى فيما يُعرف بـCOVAX لتوفير الموارد اللازمة لخلق فرص متساوية للحصول على اللقاحات على الصعيد العالمي فإن الالتزامات إلى حد الساعة ضعيفة من قبل البلدان الأكثر ثراء.
ولتخطي هذه العقبة، تقترح الدراسة تعزيز الجهد التعاوني العالمي للاستثمار في تطوير اللقاح وتوزيعه على نطاق واسع، وتوفير أطر محددة وواضحة تتعلق بكيفية تطوير اللقاح وتوزيعه، وستزيد الحاجة إلى المنظمات الدولية التي ستعمل على تشجيع الدول على المشاركة مادياً ومعنوياً، حيث سيتم صياغة اتفاقيات ومعاهدات تُلزم الدول بعدم تقييد الإمدادات الخاصة باللقاح، وبتوزيعه بشكل أكبر على دول العالم.
وتقول الدراسة إن تعزيز الجهد التعاوني العالمي سيساهم في تطوير منطق التفكير لدى الدول، بحيث لا تركز على أهداف قصيرة المدى عند عملية صنع واتخاذ القرار؛ ولكنها ستركز على أهداف طويلة المدى تحقق الأمن الصحي والاقتصادي لكافة سكان العالم.