يضع الجزائريون أيديهم على قلوبهم مع اقتراب ذكرى الحراك الشّعبي وضبابية مآل مطلب “الدّولة المدنية”، الذي مازال يراود الشّباب “الثّائر”، في ظلّ تشديد القبضة الأمنية التي يقودها النظام العسكري المتحكم في دواليب الدّولة؛ بينما تطرح سيناريوهات كثيرة حول رد فعل السّلطة حيال تزايد رقعة الغضب في صفوف الشباب.
وتحاولُ الجزائر في تدبيرها للأزمة الداخلية المتواصلة تسخيرَ إعلامها في تسويق صورة “وردية” عن أحوال البلاد، مبيّنة تارةً “قوة ومتانة مؤسسات الدّولة والتّطور الذي شهدته بعد مرْحلة العشرية السوداء”، وفي توجيه الاهتمام إلى قضايا ثانوية بعيدة عن حقيقة الوضع في البلد الجار، وذلك من أجل امتصاص تركيز الشارع على جوهر الأزمة.
ولم تهدأ الاحتجاجات في الجزائر، حيث أصبح المتظاهرون يطالبون برحيل “كل النظام” وتشكيل “دولة مدنية”، بينما يقف الحاجز الصّحي أمام خروج جموع المتظاهرين إلى الشّارع؛ فيما تنتظر السّلطة إشارات من رموز المعارضة حول طريقة تدبير الذكرى السنوية للحراك.
ويشير الحقوقي الجزائري صلاح الدين سيدهم إلى أنّ “القمع في الجزائر عرف على مدى عقود تطوراً تدريجياً يتناسب مع درجة عدم الشعبية ورفض المواطنين للنظام”، مبرزا أن “الثورة الشعبية في 22 فبراير 2019، التي دعت إلى تغيير جذري في النظام السياسي وإرساء سيادة القانون، ستوقظ مجددًا شياطين القمع القديمة”، وزاد: “ستعود الاعتقالات التعسفية والمحاكمات الجائرة والتعذيب في مراكز الشرطة السياسية إلى الواجهة”.
وأردف سيدهم: “على عكس العقود السابقة لن تسمح الوسائل التكنولوجية الجديدة للنظام باستخدام العنف وإساءة استخدامه خلف الأبواب المغلقة. حالة الشاب وليد نكيش هي مثال واضح، من بين العديد من الأمثلة الأخرى التي لم تهز ضمائر الجزائريين فقط، ولكن ضمائر العالم”.
وشدّد الناشط الجزائري على أن ”عمليات الخطف والتعذيب والاختفاء والاختطاف بدون محاكمة والتصفية الجسدية ستكون أساليب السلطة الجديدة في الجزائر للحكم”، موردا أن “العنف السياسي في البلاد متجذر في المؤسسات الوطنية والدستورية”.
من جهته الأستاذ الجامعي المغربي عبد الحميد بنخطاب أن “القيادة العسكرية الجزائرية راهنت منذ البداية على إخماد صوت الحراك في الجزائر”، مبرزا أن “من بين نقاط ضعف الحركات الاجتماعية امتدادها في الزّمن، وكلّما امتدّت كلما انعكس ذلك على قوّتها”، لافتا الانتباه إلى أن “العسكر الجزائري يراهن على امتداد الحراك في الزمن وخفوت صوته تلقائيا”.
وأوضح المحلل السّياسي، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن “القيادة العسكرية في الجزائر تستعمل أساليب ترهيبية من قبيل الاعتقال وشراء الأصوات المعارضة والترهيب”، مبرزا أن “النظام الجزائري لم يتعامل بتشنج مع الحراك، بل ترك المجال مفتوحا لقادته، لكنه شيئا فشيئا يحاول أن يقيّد حركتهم”.
كما أبرز المتحدث ذاته أن “الحراك في الجزائر لم يعد بذلك الزخم الشعبي الكبير بسبب الجائحة”، مشددا على أن “امتداده في الزمن ساهم في إضعافه”، وعلى أن “الجيش الجزائري يوظف تقنيات ووسائل متطورة للقضاء عليه”، وتابع: “القيادة العسكرية تراهن على جعل الحراك مسألة روتينية”.