قال محمد شقير، الأستاذ الباحث في العلاقات الدولية، إن “اعتراف إدارة الرئيس الأمريكي السابق ترامب بمغربية الصحراء وهو في نهاية ولايته أثار عدة تساؤلات حول المرامي الكامنة وراءه، بعد عقود من اقتصار الإدارة الأمريكية على الاعتراف للمغرب بالإدارة الترابية لأقاليمه المسترجعة”.

وتساءل شقير، في مقال له بعنوان “الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء بين الأهداف الجيوستراتيجية وتكريس الوحدة الوطنية”، عما إذا كان الأمر “يقتصر فقط على مقايضة تطبيع سياسي بين المغرب وإسرائيل، أم إنه يدخل ضمن إستراتيجية أمريكية يشكل فيها هذا الاعتراف آلية لتقوية التواجد الأمريكي في منطقة حساسة وحيوية من القارة الإفريقية، التي أصبحت محط تنافس شرس بين قوى إقليمية ودولية”.

وقارب الأستاذ الباحث موضوع الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء من خلال عدة محاور، أهمها “مواجهة الإرهاب الدولي في الصحراء الكبرى”، و”مزاحمة النفوذ الأوربي في المنطقة”، و”محاصرة التوسع الصيني”.

وهذا نص المقال:

أثار اعتراف إدارة الرئيس الأمريكي ترامب بمغربية الصحراء وهو في نهاية ولايته عدة تساؤلات حول المرامي الكامنة وراء هذا الاعتراف، بعد عقود من اقتصار الإدارة الأمريكية على الاعتراف للمغرب بالإدارة الترابية لأقاليمه المسترجعة، فهل الأمر يقتصر فقط على مقايضة تطبيع سياسي بين المغرب وإسرائيل، أم إنه يدخل ضمن إستراتيجية أمريكية يشكل فيها هذا الاعتراف آلية لتقوية التواجد الأمريكي في منطقة حساسة وحيوية من القارة الإفريقية، التي أصبحت محط تنافس شرس بين قوى إقليمية ودولية تتمثل، بالإضافة إلى قوى أوربية تقليدية كفرنسا، في الصين وروسيا؟.

غير أن اتخاذ الإدارة الأمريكية مجموعة من الإجراءات العملية، سواء من خلال تبني خريطة رسمية للمملكة بدون بتر أقاليمها الصحراوية المسترجعة، أو اتخاذ تدابير لفتح قنصلية بالداخلة، وإشراك القوات البحرية المغربية في مناورات أمريكية بالسواحل الجنوبية للمغرب، وعدم تراجع إدارة بايدن عن التدابير المتخذة من طرف ترامب رغم الضغوط السياسية التي مورست على الإدارة الأمريكية الجديدة من طرف قوى دولية أوربية كألمانيا، أو إفريقية كدولتي جنوب إفريقيا والجزائر، يؤكد أن هذا الاعتراف السياسي الأمريكي يدخل ضمن إستراتيجية أمريكية تقوم على مرتكزات أساسية تتمثل في محاصرة التوسع الصيني بإفريقيا، ومواجهة تحركات التنظيمات الإرهابية، ومزاحمة النفوذ الأوربي.

 مواجهة الإرهاب الدولي في الصحراء الكبرى

– تزايد الاهتمام الأمريكي بمنطقة شمال إفريقيا خاصة بعد تفجيرات نيويورك في شتنبر 2001 التي وجهت ضربة قاصمة إلى الهيبة السياسية والعسكرية لأكبر قوة عظمى، وكانت من وراء تبلور إستراتيجية أمريكية لمواجهة الإرهاب الدولي في مختلف أنحاء العالم. وقد زاد هذا الاهتمام بعدما تعرضت المصالح الأمريكية لتهديدات إرهابية، تمثلت في تفجير السفارة الأمريكية في كينيا ومقتل 4 جنود أمريكيين بالنيجر.

ويمكن إرجاع هذا الاهتمام إلى عاملين إستراتيجيين:

– أولهما انفتاح المنطقة المغاربية بما فيها المغرب على دول الساحل من خلال مناطقها الصحراوية، وهي دول تعاني أنظمتها من عدم الاستقرار السياسي وتفتقر حكوماتها إلى أدوات فرض الأمن والاستقرار، ما سمح بتواجد الحركات المتطرفة، خاصة بوكو حرام، التي أصبحت توسع نشاطها في عدة دول إفريقية، خاصة بنيجيريا التي تعتبر من أكبر الدول الإفريقية التي تتوفر على مخزون بترولي مهم. وفي هذا السياق تعتبر الجزائر من أهم الدول المغاربية التي لها حدود مع هذه الدول، كمالي، والنيجر وغيرها من دول الساحل، في حين ترتبط موريتانيا بدول كالسنغال.

– ثانيهما التركيز على ألا تسقط منطقة المغرب العربي في حرب أو إدارة الجهاديين، لأن موازين القوى في الشرق الأوسط والمتوسط لا يمكن أن تسقط في يد القاعدة من فوضى العراق إلى فوضى أخرى في المغرب العربي، أي إنه من غير الممكن تصدير” فوضى العراق” إلى شمال إفريقيا.

والهدف المعلن من القيادة الأمريكية في إفريقيا “أفريكوم” هو الصحراء الكبرى، التي تقول واشنطن إنها تضمّ مراكز تجمُّـع وتدريب لناشطي تنظيم القاعدة، وإن هذه الصحراء تحمِـل في واحاتها تهديدات تنظيم القاعدة للدول المُـحيطة بها، خاصة الجزائر ومالي والنيجر والمغرب وموريتانيا، إضافة إلى الدول الإفريقية الأخرى.

غير أن واشنطن، بالإضافة إلى العواصم الأوروبية المعنية بالحرب على الإرهاب، تدرك أن علاقات الدول المغاربية الثنائية لا تبشِّـر بإمكانية نجاح مقاربتها للحرب على الإرهاب، ولذلك فهي تشجِّـع هذه الدول على تطوير وتكثيف التعاون في ما بينها في الميدان الأمني ومكافحة الإرهاب، حتى لو بقيت علاقاتها في الميادين الأخرى تعرف توترا أو فتورا. وهكذا انصبت جل تصريحات المسؤولين الأمريكيين في اتجاه تأكيد الأهمية التي تحتلها المنطقة المغاربية في الإستراتيجية الأمريكية لمحاربة الإرهاب. وفي هذا الصدد قال وليام برنز: “لقد كانت دول المغرب العربي دائما نموذجا للاعتدال في وقت ظهرت الطفرات المنحرفة في الشرق الأوسط. وبالنظر إلى الشك والرهانات التي تحوم حول المنطقة فإننا نذكر مرة أخرى بأهمية دعم شمال إفريقيا، حيث كان كل من المغرب والجزائر وتونس إلى جانبنا في الحرب على الإرهاب، وحتى ليبيا نددت بهجمات الحادي عشر من شتنبر وأرسلت إشارات الدعم”.

كما أنه في إطار التعاون بين الولايات المتحدة وبعض دول هذه المنطقة في مكافحة الإرهاب، قدمت السلطات الجزائرية لواشنطن قائمتين بأكثر من ألف مشتبه فيه ذي علاقة بالتنظيمات الإرهابية، متواجدين على الأراضي الأمريكية والأوروبية، وعرضت تعاونها في المجال الأمني وتبادل المعلومات، وبالمقابل أملت الجزائر في أن تتعامل الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا بالمثل وتسلماها المتشددين الجزائريين المطلوبين، وتضمنت القائمة الأولى 350 اسما من المشتبه فيهم ذوي علاقة بتنظيم القاعدة الأم، ينشطون على الأراضي الأوروبية والأمريكية، وأخرى بنحو ألف اسم من المعروفين في بالنشاط في الجزائر. ولعل ما دفع بالولايات المتحدة الأمريكية إلى التعاون مع الجزائر طلبا للخبرة هو أن التهديد صار مشتركا بين البلدين، إذ إن الجماعة المسلحة التي كانت تنشط داخل الحدود الجزائرية أرادت أن تعطي لنفسها صدى عالميا من خلال إعلانها الانضمام إلى تنظيم “داعش” الأم، و”تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي”.

وبالإضافة إلى الجزائر، عملت الولايات المتحدة على إرساء تعاون مع السلطات المغربية، تجسد في تبادل المعلومات، وتدريب الكوادر، بما في ذلك استلهام التجربة الأمريكية لخلق المكتب المركزي للأبحاث القضائية الذي كلف بملف الإرهاب. لكن يبدو أن توقيع الولايات المتحدة الأمريكية اتفاقية لتعزيز التعاون العسكري لمدة 10 سنوات بتاريخ 2 أكتوبر 2020 يعكس إلى حد بعيد الرغبة الأمريكية في تقوية روابط التحالف مع المغرب في مواجهة الإرهاب، وإدماج المملكة في الإستراتيجية الأمريكية لمحاربة الإرهاب الدولي التي بدأت منذ 2001. ولعل هذا ما أشار إليه وزير الخارجية المغربي خلال مراسيم حفل توقيع هذه الاتفاقية، موردا أن “المملكة والولايات المتحدة يجمعهما تحالف طويل الأمد يشمل مجالات مختلفة، ولاسيما مجال محاربة التهديدات الإرهابية الدولية والتحديات الأمنية المشتركة، من خلال الرئاسة المشتركة للمنتدى العالمي لمكافحة الإرهاب”، ومؤكدا أن “المغرب يعد حليفا رئيسيا للولايات المتحدة الأمريكية من خارج حلف شمال الأطلسي (الناتو)، في إطار جهوده المبذولة لدعم مكافحة الإرهاب، ثم احتضان المناورات العسكرية المعروفة باسم الأسد الإفريقي، وهي أكبر مناورات عسكرية في القارة الإفريقية، وتقام بشكل مشترك بين القوات المسلحة الملكية والقوات الأمريكية”. في حين صرح وزير الدفاع الأمريكي مارك إسبر بأن هذه الاتفاقية “ستفتح أبواب التعاون الثلاثي بين المغرب وأمريكا والدول الإفريقية”، مؤكدا أن المغرب شريك أساسي في محاربة الإرهاب والتحديات الأمنية وتعزيز الاستقرار والازدهار بالمنطقة. وبالتالي فإن الإعلان عن القرار الرئاسي القاضي بالاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء في 10 دجنبر 2020، أي بعد شهرين من إبرام هذا الاتفاق، يدخل ضمن هذه الإستراتيجية الأمنية والعسكرية التي كسرت لأول مرة التزام واشنطن، طيلة 45 سنة من النزاع في الصحراء، بإمساك عصا الملف من الوسط؛ فهي لم تعترف بمغربية الصحراء حتى عندما كانت الحرب بين المغرب و”البوليساريو” والجزائر تدور كحرب بين المعسكرين الشرقي والغربي، لكنها بالمقابل ساعدت الرباط عسكرياً.

وقد ظلّت واشنطن تعتبر اعترافها بمغربية الصحراء أمراً لا يخدم أهدافها الإستراتيجية، وأن ليس من مصلحتها أن تصير طرفاً في صراعات المنطقة، إذ حرصت على عدم إفساد العلاقة مع المغرب، ولا مع الجزائر. وظهر ذلك الحرص أيضاً من خلال محاولة المبعوثين الأميركيين التوفيق بين موقف الطرفين بشأن حلّ هذا النزاع، بل ذهب بعضهم إلى اقتراح تقسيم المنطقة بين الأطراف المتنازعة، ومن خلال تجديد ولايات البعثة الأممية إلى الصحراء للحفاظ على الوضع القائم بين القوتين الإقليميتين في المنطقة. وبالتالي فإن هذا التحول في الموقف الأمريكي من خلال نشر المرسوم الرئاسي الذي يقضي بالاعتراف بمغربية الصحراء في السجل الفيدرالي الأمريكي بتاريخ 15 دجنبر 2020، إلى جانب تبني السفارة الأمريكية بالرباط خريطة جديدة للمملكة تشمل كل أقاليمها الصحراوية، هو تدعيم قوي ومدروس لسيادة حليف إستراتيجي على أراضيه الجنوبية وتحكمه في استقرارها الأمني المرتبط بأمن باقي دول المنطقة الإفريقية التي تستهدفها الإستراتيجية الأمريكية في محاربة الإرهاب، الذي أصبح يهدد استقرار العديد من دول غرب إفريقيا ودول الساحل.

مزاحمة النفوذ الأوربي في المنطقة

عكس الاهتمام الأمريكي المفاجئ نسبيا بالدول المغاربية أن واشنطن لم تعد تقبل التقسيم الكلاسيكي لمناطق النفوذ، الذي بمقتضاه تعتبر المنطقة المغاربية منطقة نفوذ فرنسية تقليدية بامتياز؛ فقد شرعت تخصها بمكان بارز في صدر أولوياتها، خصوصا بعد أحداث 11 سبتمبر 2001، إذ كثفت أشكال التعاون مع بعض دول هذه المنطقة، ما أزعج الدول الأوروبية، وخاصة فرنسا، بعدما بلغت حصة الشركات الأمريكية في مجال الاستثمار في حقول النفط الجزائرية نصيبا أكبر من الشركات الفرنسية؛ وهذا ما أثار حفيظة باريس، التي اعتبرت أن أي خطوة أمريكية تجاه هذه المنطقة (التي ظلت لفترة طويلة أشبه بالفضاء الحيوي لها) هي انتقاص من العلاقة المتميزة التي تربطها بالدول المغاربية.

وهكذا تحولت المنطقة المغاربية إلى بؤرة تجاذب أو استقطاب إستراتيجي بين السياسة الأمريكية والأوروبية، إذ شعر الأوربيون بأن مناطق نفوذهم التقليدية تسحب من تحت أقدامهم، خصوصا أن الشراكة الأمريكية المغاربية لم تقف عند حدود الجانب الاقتصادي، وإنما امتدت لتشمل أشكال التعاون الأمني والعسكري. وفطن الأوروبيون في الوقت ذاته إلى بعض التسهيلات التي يتضمنها مشروع “ستيوارت إيزنستات” الذي أتى بعد ثلاث سنوات من إبرام اتفاقية برشلونة للشراكة، وتضمن تهديدا حقيقيا للمصالح الفرنسية على الخصوص والأوربية على وجه العموم، لأنه مشروع براغماتي يفصل الاقتصادي عن السياسي، مع إسناد دور أساسي للقطاع الخاص؛ كما أنه لا يعتبر الإصلاح السياسي والديمقراطي شرطا من شروط الشراكة، عكس الشراكة مع أوروبا التي تتمسك بضرورة إحداث إصلاحات ديمقراطية.

وفي هذا السياق أبرمت الولايات المتحدة اتفاقا للتجارة والاستثمار مع الجزائر في يوليوز 2001، واتفاقا آخر مع تونس سنة 2002، لتقوم بإبرام اتفاقية للتبادل الحر مع المغرب. وأمام هذه المزاحمة الاقتصادية الأمريكية ارتفعت أصوات داخل الاتحاد الأوروبي تنادي بتقديم إغراءات للدول المغاربية والتخفيف من قيود الشراكة وإعطاء الأولوية للعوامل الاقتصادية والثقافية قبل أن تصبح منطقة المغرب العربي مستعمرة أمريكية. في حين رأت أوساط أوربية أخرى أن هذه المبادرات الأمريكية هي بمثابة تهديد مباشر لأوروبا في المنطقة، لما تحمله من علاقة خاصة ومميزة بها. وبدأت أوروبا تنظر بعدم الرضا إلى التقارب الأمريكي- المغاربي الذي أخذ صيغا براغماتية غير مسبوقة، وترى أن النفوذ الأمريكي يزحف ويتغلغل في المنطقة المغاربية تحت ستار التنسيق من أجل تجفيف مصادر التنظيمات الإرهابية.

وبالتالي، وفي ظل هذه المزاحمة الاقتصادية الأمريكية لأوروبا على المنطقة، لجأت أوروبا وتحديدا أول خمس دول فيها إلى إعادة إطلاق مبادرة 5+5 التي كانت قد انطلقت شرارتها الأولى سنة 1990، ثم خبا ضوؤها طوال أكثر من عقد من الزمان، وعادت مجددا بسبب الرغبة في منع النفوذ الأمريكي من الانفراد بالمنطقة، إذ انعقدت قمة 5+5 في ديسمبر 2003 لتدفع باتجاه تجديد التقارب الأورو- مغاربي الذي لا يلغي طبعا التعاون الأورومتوسطي وإنما يكرسه..

ولتعزيز حضورها الاقتصادي والسياسي والعسكري والإعلامي والثقافي في منطقة شمال إفريقيا، وسعت الولايات الأمريكية المتحدة مفهوم “الشرق الأوسط” ليشمل هذا الجزء الحيوي من العالم العربي، وأدمجته بشكل كامل حتى يستوعب خطتها الجديدة للهيمنة على هذا الجزء الحيوي من العالم. وبالتالي فإن الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء يدخل ضمن هذا التوسيع الإستراتيجي، إذ شمل هذا الاعتراف توقيع واشنطن مع الرباط على اتفاقين للتعاون موجهين لإنعاش الاستثمارات بالمغرب وإفريقيا، بما في ذلك تقديم دعم مالي وتقني لمشاريع الاستثمار الخاصة بمبلغ مالي يبلغ 3 ملايير دولار أمريكي، بالمغرب وبلدان إفريقيا جنوب الصحراء، والمبادرة الأمريكية “ازدهار افريقيا”، لتسهيل ولوج المستثمرين الأمريكيين للأسواق الإفريقية.

محاصرة التوسع الصيني

في إطار التحولات الجيو-اقتصادية التي عرفها المشهد الدولي منذ بداية ما سمي النظام العالمي الجديد، الذي بدأ في تسعينيات القرن الماضي مع سقوط جدار برلين، وحرب الخليج الأولى والثانية، تمحور الصراع بين الولايات المتحدة والصين وروسيا حول التموقع الإستراتيجي في القارة الإفريقية، التي تحولت إلى رقعة أساسية للصراع، خصوصًا بين واشنطن وبكين. وبالتالي فقد شكلت المنطقة المغاربية رقعة أساسية للصراع، نظرا للاعتبارات الإستراتيجية التالية :

– حاجة الاقتصاد الصيني الملحة إلى الوقود، في حين تضم المنطقة المغاربية موارد بترولية هامة تتمثل في المخزون الليبي وكذا المخزون الجزائري من البترول والغاز الطبيعي الذي يزود القارة الأوربية، إلى جانب اعتبار المنطقة بوابة على المخزون النفطي في العديد من الدول الإفريقية الأخرى، ما حرك التواجد الصيني في المنطقة، إذ أصبحت الصين في حاجة ملحة إلى تنويع مصادر واردات الطاقية، بعدما احتلت، منذ عام 2016، صدارة قائمة مستوردي النفط عالميًا، لأول مرة في تاريخها، بعد تخلي الولايات المتحدة عن ذلك الموقع.

– حاجة بكين إلى أسواق جديدة لمنتجاتها، تساهم من خلالها في تنويع شركائها التجاريين، بحيث تعتبر المنطقة المغاربية المحطة الاقتصادية (platforme economique) التي تنفتح على هذه القارة التي تضم أكبر تجمع للدول النامية في العالم، ذات الأسواق المتعطشة للاستثمارات، والنمو السكاني الأسرع عالميًا، وتحديث البنى التحتية وتوفير الخدمات الأساسية.

– القرب الجغرافي من أوربا دفع الصين إلى “العمل على أن تجعل من المنطقة المغاربية منصة للانطلاق نحو الأسواق الأوروبية، بالنظر إلى عدد من العوامل، ووجود اليد العاملة المدربة التي تكونت في الجامعات وتعاني من البطالة، كما أن كلفة الطاقة في المنطقة منخفضة بالمقارنة مع المناطق الأخرى، سواء بالنسبة للطاقات المتجددة أو الأحفورية”.

وهكذا أصبح للصين حضور اقتصادي وتجاري واستثماري لافت في البلدان المغاربية، إذ تعتبر أول شريك تجاري للجزائر، بعدما فاقت مبادلاتها التجارية تلك التي لها مع شريكها التقليدي فرنسا. كما أضحت الجزائر ثاني أكبر سوق لعقود الاستثمارات الصينية في مجال البنية التحتية في إفريقيا (بعد نيجيريا)، أي ضمن الأسواق الخمس عشرة الأبرز في هذا المجال عالمياً. وهكذا ركزت الدولة الجزائرية منذ بداية سنة 2000 على تطوير بناها التحتية، كمشروع الطريق السريع الذي يربط بين شرق البلاد وغربها، وبناء فنادق شراتون في وهران والجزائر العاصمة، ومبنى جديد في مطار هواري بومدين في العاصمة الجزائرية، والمشاريع السكنية منخفضة الكلفة، وتشييد ثالث أكبر مسجد في العالم في الجزائر العاصمة..ولها قاعدة صناعية في تونس، من خلال شركة هاي ـ مغرب Haï Maghrebموجهة نحو افريقيا. في حين عرفت العلاقات الاقتصادية الصينية مع المغرب زخما في غضون العشر السنوات الأخيرة، في شتى المجالات، من بنيات تحتية وتحويل الصناعات في المنطقة الصناعية لطنجة موجهة للتصدير نحو أوروبا، فضلا عن ارتفاع طلب الصين للفوسفاط، مع أدوات بنكية نافذة.

وبالتالي فلاحتواء هذا التغلغل الاقتصادي والمالي والثقافي الصيني توالت زيارات المسؤولين الأمريكيين لدول المنطقة، وكانت من أبرزها زيارة وزير الدفاع الأمريكي مارك إسبر إلى كل من تونس والجزائر والرباط، في 30 سبتمبر إلى غاية 2 أكتوبر 2020، والغاية منها بالأساس محاصرة هذا التغلغل الصيني من خلال إقفال هذه البوابة في وجه التوسع الصيني بإفريقيا. فعلى خلاف الاتحاد السوفييتي زمن الحرب الباردة، تتوفر الصين على قوة ناعمة مؤثرة واقتصاد قوي، ما جعل رهان الولايات المتحدة ليس مكافحة اجتياح الصين للأسواق المغاربية، فحجم المبادلات بين البلدان المغاربية مجتمعة يظل متواضعا، مقارنة مع دول الخليج، لكن المهم هو موقع الدول المغاربية واعتبارها حلقة بين إفريقيا وأوروبا، خاصة أن المغرب يشكل مفتاحا إستراتيجيا في هذه المنطقة، لأنه يتوفر، وبخلاف الجزائر المغلقة بصحرائها، على ساحل أطلسي ينفتح بشكل آمن على كل الدول الإفريقية المحاذية للمحيط الأطلسي، من خلال بنائه ميناء الداخلة.. ما يفسر مسارعة الولايات المتحدة إلى الاعتراف ليس فقط بمغربية الصحراء، بل وفتح قنصلية أمريكية بهذه المدينة إلى جانب التوقيع على مبادرة ازدهار أفريقيا التي تعكس المرامي الجيو-اقتصادية للإستراتيجية الأمريكية في اتخاذ قرار الاعتراف بسيادة المغرب على أقاليمه الصحراوية المسترجعة.

hespress.com