هكذا ينشر "اليمين المتطرف" الإسباني الكراهية ضد المغرب والمغاربة
صورة: أرشيف

هشام أحناشالإثنين 24 ماي 2021 – 03:00

بعد سلسلة من التصريحات والمواقف المعادية للمغرب والمغاربة، ووصفهم بنعوت عنصرية في عدد من الصحف التابعة لليمين المتشدد الإسباني والأوروبي، يبدو أن من اختار حمل مشعل معاداة المغرب في أوروبا هذه المرة هو حزب “فوكس” الإسباني، الحائز على 52 مقعداً في مجلس النواب الإسباني و3 مقاعد في مجلس الشيوخ و4 مقاعد في البرلمان الأوروبي و6 مقاعد من أصل 25 مقعدا في سبتة. إذ يقود زعيمه سنتياغو أبسكال حملة عداء وكراهية صريحة ضد المغرب والمغاربة. فعقب عبور سبتة المشهود والمشاهَد عالمياً، خرج أتباع “فوكس” بلافتات مكتوب عليها “أوقفوا الغزو”، وطالبوا بعسكرة الحدود وبناء سور عازل لمنع دخول المهاجرين. حزب “فوكس” الناشئ استغل حادثة سبتة لتحقيق مكاسب سياسية، فهدد بسحب دعمه لحزب الشعب في حكومة الأندلس إذا قبل بمنح بعض الواصلين إلى سبتة حق اللجوء. ولم يفاجَأ جل مغاربة إسبانيا بمواقف هذا الحزب الشعبوي، فهو بنى قاعدته منذ تأسيسه سنة 2013، بعد انشقاقه عن حزب الشعب، على أجندة عنصرية تنصب العداء للمغاربة والمسلمين، وتناهض التعددية السياسية وحقوق المرأة. بل سبق له أن دعا إلى إلغاء نظام الجهوية والحكم الذاتي للأقاليم الإسبانية، وطالب بالرجوع إلى نظام مركزية القرار الاتحادي عبر شطب البرلمانات المحلية، وكأنه يحن إلى عهد فرانكو!

وقد تنافس أتباع حزب أبسكال وتفننوا في النيل من سمعة المغرب وشيطنته. فنائبته عن سبتة تيريزا لوبيز هاجمت المغرب خلال جلسة برلمانية، ووصفت حكومة سانشيز بعديمة الجدوى، وأنها جعلت بلدها إسبانيا “دميةً” في يد المغرب! بدورها، عزفت زعيمة “فوكس” بالعاصمة مدريد روسيو موناستيريو وتر معاداة المهاجرين، الذي ساعدها مؤخراً في تحقيق مآربها بإيجاد موطئ قدم في العاصمة. ولا يزال مغاربة مدريد يتذكرون استخدام فريق حملتها الانتخابية الأخيرة لوحات إعلانية كبرى تُصور فيها طفلاً قاصراً بملامح مغاربية بتعليق ساخر يستنكر استلامه 4700 أورو، بينما تأخذ عجوز إسبانية أصيلة 426 أورو شهرياً!

يبدو إذن أن عبور سبتة كان هدية للشعبويين الذين أفلست أجندتهم فالتقطوا هذا الحدث لتسديد ضربات لخصومهم السياسيين. ولم يفوت الحزب الأم المعارض (الحزب الشعبي) الفرصة لكيل التهم إلى رئيس الوزراء بيدرو سانشيز، فوصفه بالمسؤول الضعيف وغير اللائق برئاسة الوزراء. هكذا إذن تتنافس الأحزاب الإسبانية على الاستغلال السياسي الضيق لعبور سبتة، فهذا الحدث صار بالنسبة لها مادة دسمة، وأسال لعابها لبدء حملة انتخابية سابقة لأوانها تحضيراً لاقتراع 2023. فالتعصب السياسي أعمى حزب “فوكس” وجعله ينسى أو ربما يتناسى أن نجمه سطع في سماء السياسة، رغم حداثة نشأته، تحديداً في الأقاليم ذات الغالبية المهاجرة، وعلى رأسها إقليما مرسية والأندلس. فمرسية التي يقيم فيها نحو 80 ألف مغربي، كان حزب “فوكس” قد حقق فوزاً مفاجئاً بـ15 بالمائة من أصوات ناخبيها وتحول إلى ثالث قوة سياسية في برلمان مرسية، وما كان ذلك ليتحقق لولا نقمة الناخبين حينها على سوء إدارة منتخبي مرسية واندفاعهم إلى الإدلاء بتصويت عقابي صبَّ في مصلحة الحزب الناشئ. وفي الأندلس حيث يقيم نحو 93 ألف مغربي، وسع هذا الحزب قاعدته الناخبة وحصد 12 مقعداً. وإذا كان المهاجرون شكلوا رافعة هذا الحزب، فيمكنهم أن يتحولوا إلى قوة خافِضة عبر استثمار كتلتهم الناخبة الواسعة وإنزاله من برجه العاجي المتطرف بتصويت عقابي في الانتخابات المقبلة.

ولا يختلف هذا الحزب عن أحزاب اليمين المتطرف الأخرى في أوروبا. فهو ينهل من نفس معينهم العنصري. ولا عجب أن أولى الأدبيات السياسية التي روَّجها عند تأسيسه المطالبة بوقف أسلمة أوروبا عبر استبدال المهاجرين المسلمين بالمهاجرين اللاتين، والدعوة إلى إغلاق المساجد وترحيل الأئمة، وأطلق العِنان لتطرفه حين طالب، على لسان زعيمه، سنة 2019 بتطهير الأراضي الإسبانية من المسلمين وشن حرب استرجاع جديدة لاستعادة إسبانيا من غُزاتها الجدد (المسلمين) كما حدث خلال الحروب الصليبية! وما أن تمكن حزب “فوكس” من ضمان تمثيلية في البرلمان الأوروبي حتى ضم صوته إلى أقرانه لتشكيل جبهة أوروبية لمواجهة زحف المهاجرين العرب والمسلمين، الذين يعتبرهم دخلاء على أوروبا وعدوها المستقبلي، فنسق مع نظيره الفرنسي الجبهة الوطنية ونظيره النمساوي حزب الحرية والألماني البديل من أجل ألمانيا والحزب من أجل الحرية الهولندي ورابطة الشمال الإيطالي.

وإذا كان زعيم “فوكس” يستغل كل فرصة لبث سمومه العنصرية ونفثها ضد الإسبان من أصول مغاربية أو إفريقية أو مسلمة، فعليه فقط أن ينظر إلى مآل من سبقوه في الحض على كراهية الآخر. فالهولندي خيرت فيلدرز، زعيم الحزب من أجل الحرية، سبقه في عنصريته عبر دعوته إلى طرد المغاربة المقيمين بهولندا ووقف بناء المساجد ومنع القرآن في هولندا، غير أن سحره انقلب عليه ومساعيه ارتدت إلى نحره، فتوبع غير ما مرة من قبل القضاء بسبب حضه على الكراهية، فضلاً عن تكبيده دافعي الضرائب الهولنديين أعباء أكثر بسبب تكفل الدولة بحراسته من أي تطرف مضاد قد يستهدفه بعد أن تسببت له عنصريته في ظهور أعداء كثر. وربما على المغاربة الإسبان جرَّ زعيم “فوكس” أمام المحاكم الإسبانية والأوروبية من خلال رفع دعاوى ضده، باعتباره يؤجج مشاعر العنف والكراهية ضد المهاجرين المغاربة، وينتهك قيم التعايش والعيش المشترك التي تقوم عليها أوروبا.

أمام كل هذا التحشيد السياسي والإعلامي لليمين المتطرف الإسباني ووراءه الأوروبي ضد المغرب والمغاربة، دعا ناشطون مغاربة إلى مقاطعة المنتجات الإسبانية، وتكبيد الاقتصاد الإسباني أثمان معاداته للمغرب، خصوصاً أنه يعد شريكه التجاري الأكبر في أوروبا. وعلى الصعيد الرسمي، لا يخفى على أحد أن المغرب يملك أوراق ضغط متعددة. فعبر أراضيه يمر أنبوب الغاز الجزائري إلى إسبانيا، وفي مياهه يصطاد نحو 92 مركب صيد إسبانيا، إلى جانب مراكب 10 دول أوروبية أخرى مقابل مبلغ زهيد لا يتعدى 208 ملايين أورو يغطي أربع سنوات، ومع إسبانيا تربطه اتفاقية ربط كهربائي تعول عليها لتزويدها بالطاقة الشمسية مستقبلاً لتحقيق أهدافها في التحول الطاقي، ناهيك عن ورقة مواطنيه المقيمين بإسبانيا البالغ عددهم 800 ألف شخص، فهؤلاء يمكنهم بفضل تأثيرهم العددي أن يقلبوا الطاولة على كل متطاول عليهم وعلى أشقائهم في الضفة الأخرى.

إسبانيا اليمين المتطرف حزب “فوكس” سبتة

hespress.com