هل المرأة إنسان كامل؟؟
أرشيف


ابراهيم أقنسوس


الخميس 18 مارس 2021 – 01:40

هل المرأة إنسان كامل؟ بكل تأكيد هو سؤال مستفز، وفي الإجابة عنه يمكننا أن نتجاوز الكثير من الإشكالات والعوارض التي تلاحقنا باستمرار، ونحن نناقش ما نسميه عندنا موضوع المرأة. هل المرأة إنسان كامل؟ إذا استطعنا نحن الرجال، أو الذكور، أن نجيب عن هذا السؤال بالشكل الصحيح والعلمي والعاقل ستنحل تلقائيا مجمل العقد التي ترتبط بهذا الموضوع الشائك، الذي حولناه إلى يوم واحد، يوم الثامن من مارس، نتنافس فيه لإمطار النساء، أو بعض النساء على الأصح، بألوان من المجاملات، وتتسابق فيه جل الأطراف للتعبير البلاغي عن تقديرها للمرأة، واعترافها الشفهي بمكانتها، ثم يغلق القوس إلى العام المقبل، دون امتلاك الرغبة والإرادة في مواجهة الكثير من الأسئلة الحارقة التي تقف وراء ما يعانيه هذا الموضوع من عوائق معرفية وسلوكية.

يوم نعتبر المرأة إنسانا كاملا بحق لن نحتاج بعدها إلى اجترار الكلام في هوامش وفروق جزئية، نصنع لها مصطلحات مطاطة وغير مضبوطة، كالمناصفة، والمساواة، وحقوق المرأة، والمحاصصة، وغيرها من العبارات التي يداري بها الذكور، حتى لا أقول الرجال، عواطف النساء. وعلينا أن نقولها صراحة، فمعظم نقاشاتنا حول ما نسميه “موضوع المرأة”، أو “المسألة النسائية” وما إليها، ليست في غالبها الأعم إلا صورة مضللة لعدم إيماننا بكينونة المرأة، وعدم امتلاكنا رؤية واضحة تجاهها، وعدم اقتناع الكثيرين منا بقدرات النساء ونجاعتهن؛ ولذلك يسهل أن نلاحظ أننا نعيد طرح الأسئلة نفسها، بالنمطية نفسها، كل عام، وكل مارس، دون القدرة على إنتاج وعي جديد بعناصر هذا الموضوع.

إن أكثر أحاديثنا حول المرأة غير مجدية ولا معنى لها، نقول كلاما في العلن، ونعتقد غيره في السر، نتحدث عن قيمة المرأة وحقوقها، ثم لا نجد حرجا في تحقيرها، والحط من كرامتها، حين لا نحتاج إليها، أو نعتقد ذلك؛ وبالنسبة إلى البعض تنتهي مهمتها حين نقضي وطرنا منها، بالمعنى المادي والجنسي للكلمة، وهذا أحد عيوبنا الذكورية الحقيرة، التي تعكس علاقتنا المتوترة والمريضة بالمرأة، يستوي في ذلك الأميون والمثقفون، أو من يسمون كذلك.

علاقة الكثير من الرجال، أو الذكور على الأصح، بالمرأة ضاجة بالمتناقضات والمفارقات الغريبة، فعلى مستوى الخطابات المعلنة المرأة إنسان كامل، تمتلك قدرات هائلة، وتستحق العيش بكرامة، وعلى مستوى السلوك اليومي، والتمثلات الذهنية والنفسية، المرأة كيان ناقص، غايته إمتاع الرجل الذكر، وتأثيث فراشه، وإشباع رغباته ومده بالذرية، فالمرأة عند الكثيرين، متدينين وغير متدينين، وسيلة للإمتاع والمؤانسة، ولست أدري كيف يستقيم استمتاع طرف على حساب طرف آخر. والمؤسف أن يتم هذا باسم الدين تارة، وباسم التحرر منه تارة أخرى، ولذلك تفشل الكثير من علاقاتنا الزوجية، لأنها علاقات أحادية، تقوم على الرغبة المريضة، في سيطرة عنصر على آخر، والغلبة للأقوى؛ فإما أن يسيطر الرجل، وهذا ما نفضله ونحبذه، وإما أن تسيطر المرأة، وهذا ما نكرهه ونعتبره طعنا في الرجولة، أو الفحولة على الأصح.

وتعج وسائل التواصل المختلفة عندنا بقنوات متخصصة في الحديث عن المرأة، من منطلقات عدة، أغلبها يقوم على تشييء المرأة، واعتبارها سلعة يتم عرضها، ضمن الأشياء المعروضة، من عطور وملابس داخلية وغيرها. يتم ذلك باسم الجمال والأناقة وما إليها، ما يؤدي إلى حجب وتغييب القيمة الاعتبارية للمرأة الإنسان، ويكرس المعنى المبتذل لكيانها وشخصيتها؛ لذلك يسهل أن نلاحظ أنه كلما اتسع الحديث عن المرأة، وكلما ازداد الحديث عن قضاياها، أو ما تسمى كذلك، كلما ارتفعت حالات الإساءة إلى هذه المرأة.

حالات التحرش الجنسي، بمختلف ألوانه وتأويلاته، حالات الاغتصاب والحمل خارج مؤسسة الزواج، بعلاقات رضائية وغير رضائية، لا فرق، ما دامت المرأة تبقى هي الضحية..حالات الاعتداء المادي والعنف النفسي… ما يعني في النهاية أن هناك خللا كبيرا في الوعي بالموضوع، وفي فرز عناصره والقدرة على رصدها.

بعض الآراء تقترح حلولا جزئية، كالحديث عن المناصفة، بمنطق آلي، هو أقرب إلى الحساب الرياضي؛ عدد من الذكور يقابله العدد نفسه من النساء، حيث تتحول المرأة إلى كائن هش ضعيف، تطلب الشفقة وتستجدي الاعتراف، وتنتظر التفاتة من الذكور إليها، ولا بأس أن تتحول إلى زينة وديكور يؤثث المشهد، في حين أن المطلوب هو اعتبار المرأة إنسانا كاملا، ندا للرجل، والفيصل في حضورهما معا أو غيابهما معا هو الكفاءة والنجاعة، والقدرة على الإنجاز، لا الذكورة أو الأنوثة.
إن الحديث عن المرأة عندنا، في غالبه الأعم، يخفي الكثير من عدم الاعتراف بكينونتها وقدراتها، كما يخفي الكثير من عدم الرغبة في تطويرها وترقيتها والنهوض بها، لتكون حقا ندا للرجل، إنسانا بإنسان.

hespress.com