يرى الإعلامي المغربي طالع سعود الأطلسي أن سؤال مستقبل العلاقات بين المغرب والجزائر “ضاغط بعياره التاريخي، اليوم، أساسا على قيادة الدولة الجزائرية”، معتبرا أن على رئيس الدولة عبد المجيد تبون “مسؤولية ابتكار الجواب المفيد للجزائر أولا، وبعدها لجيرانها، وأولهم المغرب”.

وفي مقاله الموجه إلى القيادة الجزائرية، أورد رئيس اللجنة المغربية للسلم والتضامن أن المنطقة تشهد اليوم وقائع تحرك الجغرافيا، وينفعل لها التاريخ، مشيرا إلى أن وضعا جديدا قيد التشكل، وفي أفقه يلوح اتجاه آخر للرياح، مفترضاً أن تبون “يملك مهارة بحار لكي يوجه شراع بلاده نحو تلقي قوة الريح”.

كما رصد الأطلسي النقاط التي على القيادة الجزائرية التقاطها من أجل علاقة أفضل رفقة الجار، بعيدا عن السباب والقذف الذي يلجأ إليه الإعلام الرسمي الجزائري.

وهذا نص المقال:

إلى القيادة الجزائرية السيد الرئيس، رجاءا اجعل الحكمة بوصلتك.

حين يقال إن المغرب والجزائر محكومان أو مرتبطان “بالمصير الأخوي المشترك”…فإن تلك هي الحقيقة الساكنة في التاريخ، وليست مجرد شعار حماسي، ولو أنها الآن مجرد حقيقة الأمل والطموح… المغرب والجزائر جاران، وللجغرافيا أحكامها القطعية أبدية المفعول. الكسكس والبرنس يكفيان وحدهما للدلالة على المشتركات الكثيرة بين الجارين… وفي التاريخ، من الوشائج بينهما ما جعل منهما عدة مرات “واحدا”… وآخر تلك المرات، حين هب المغرب ملكا وحركة وطنية لنصرة الثورة التحررية الجزائرية… بحماس وبفعالية، وبلا شرط، حتى إعلان استقلال الجزائر… وفي الذاكرة المشتركة كما في مدينة وجدة ما لا ينسى وما يعتز به من حكايات ومفاخر من تلك الحقبة.

الجغرافيا وأحكامها، التاريخ وحكمه…إذا هما استحضرا ووضعا في سياق تفاعلي بإمكانهما قطر العلاقات المغربية الجزائرية نحو حقبة نوعية، مثرية للبلدين وللمنطقة المغاربية. وسؤال مستقبل العلاقات بين المغرب والجزائر ضاغط بعياره التاريخي، اليوم، أساسا على قيادة الدولة الجزائرية… وعلى رئيس الدولة السيد عبد المجيد تبون مسؤولية ابتكار الجواب المفيد للجزائر أولا، وبعدها لجيرانها، وأولهم المغرب.

المنطقة تشهد اليوم وقائع تحرك الجغرافيا وينفعل لها التاريخ… وضع جديد قيد التشكل… وفي أفقه يلوح اتجاه آخر للرياح… وأفترض في السيد الرئيس تبون أنه يملك مهارة بحار لكي يوجه شراع بلاده نحو تلقي قوة الريح.. تلك “الريح” التي أعادت ترتيب التشكيل الجيوستراتيجي في المنطقة، وقد انفتح على فاعل من وزن ثقيل.

اعتراف الإدارة الأمريكية بمغربية الأقاليم الصحراوية الجنوبية للمغرب له مفعول إشعاع نووي، أو توالد بقوة المتواليات الهندسية، داخل النزاع حول الصحراء المغربية… قرار سيكون له ما بعده، وسنشهد له امتدادات دبلوماسية تحدوه..قرار سيغير نوعيا معطيات النزاع، التي بقيت ثابتة وجامدة لأزيد من 45 سنة، وتآلفت معها دول المنطقة والدول المعنية أو المهتمة بالنزاع. معطيات وتوازنات حاول المغرب اختراقها، بمبادرة تاريخية من طرف جلالة الملك محمد السادس، شجاعة وسلمية، عبر مقترح الحكم الذاتي، قبل 13 سنة.

تسلحت الدبلوماسية المغربية بالصبر والحكمة، وصانت للمقترح نضارته وحيويته، ورفعته الفعالية الملكية إلى أرفع أروقة السياسة الدولية… لأنه مقترح يليق بأجواء وأنفاس النظام العالمي الجديد لما بعد “الحرب الباردة”…إلى أن عاد المقترح السلمي نفسه محمولا بالقرار الأمريكي… وهو ما سيعزز قرار مجلس الأمن وتوجهه في الإلحاح على “حل سلمي، واقعي، مقبول من الأطراف ودائم”… وقد بات لهذا التوجه مقترح عملي لبلورته وأضحت له قوة دافعة بل كاسحة من بين الأعضاء الدائمين لمجلس الأمن.

التوازنات التي صاحبت منازعة الجزائر للمغرب في حقه الوطني الوحدوي اختلت مع القرار الأمريكي، الذي يعلن انحياز الإدارة الأمريكية المطلق والواضح للمغرب… انحياز لا يتضمن فقط الإقرار بمغربية الأقاليم موضوع النزاع… أكثر من ذلك، القرار أدرج في سياق التعاون الإستراتيجي بين المغرب والولايات المتحدة، بكل أبعاد ذلك التعاون السياسية، والاقتصادية، والأمنية والعسكرية، وهي أبعاد تشملها اتفاقات ومعاهدات بين البلدين.

وقد خصصت القنصلية الأمريكية في مدينة الداخلة لتنشيط الحركة الاقتصادية في الأقاليم الصحراوية المغربية… وهو ما سينمي وينوع الاستثمار العالمي في المنطقة، وفي اتجاه إفريقيا خاصة… بالمختصر والمفيد، مقومات المغرب قبل وبعد القرار الأمريكي تقول إن له “دورا رئيسيا ومحوريا في بناء النظام العالمي الجديد”، كما كتب لويس سبريان، الصحافي الإسباني المسموع والمؤثر في صوغ السياسات الإسبانية.

القرار بحيثياته وبأهدافه وبتداعياته مؤشر قوي على المتغيرات الفعلية في أوضاع المنطقة… قواعد جديدة لإدارة حقبة جديدة …على القيادة الجزائرية التقاطها لمواكبتها والإفادة منها والاندماج فيها، بالخروج من ضيق وعزلة العداء للمغرب إلى رحابة السلام والتفاهم والتعاون معه.

تفاءلت بأن تنتصر الحكمة في قراءة القيادة الجزائرية للمتغيرات، ولو بعد انقشاع غمامة المفاجأة… وإن كنت وأنا أتابع الإعلام الجزائري الرسمي منه بخاصة، وهو يفتح شاشاته لسباب وقذف منحطين في حق رمز السيادة المغربية ومؤسساته الوطنية وأحزابه… انتابتني قشعريرة تشاؤم من ألا تكون الحكمة بوصلة القيادة الجزائرية… وبالتالي، مرة أخرى، يتبدد الحلم الجميل “بالمصير الأخوي المشترك”، وآنذاك سيذهب كل إلى مصيره الخاص الذي اختاره بروية، بجدية وبحس تاريخي، أو الذي قاده إليه هدره للأمل الذي كان متاحا ومفتوحا أمامه.

hespress.com