بعيدا عن التأويلات السياسية التي خلفتها، تثير واقعة استقالة مصطفى الرميد، وزير الدولة المكلف بحقوق الإنسان، عددا من الملاحظات الدستورية والأدبية، بدءا أولا بالطريقة التي تمت بها، حيث تم تسريب “وثيقة الاستقالة” إلى الرأي العام وتداولها بشكل علني، دون التقيد بمتطلبات البروتوكول الرسمي، إلى جانب ما تثيره من إشكالات متعلقة بطرق قبول هذه الاستقالة.

ووضع الرميد، يوم الجمعة، على طاولة رئيس الحكومة استقالته من هذه الأخيرة، مبررا ذلك بحالته الصحية، قائلا: “نظرا لحالتي الصحية، وعدم قدرتي على الاستمرار في تحمل أعباء المسؤوليات المنوطة بي، فإني أقدم لكم استقالتي من العضوية في الحكومة، راجيا رفعها إلى جلالة الملك حفظه الله ورعاه”.

وينصّ الفصل 47 من الدستور على أن “للملك، بمبادرة منه، بعد استشارة رئيس الحكومة، أن يعفي عضوا أو أكثر من أعضاء الحكومة من مهامهم. كما لرئيس الحكومة أن يطلب من الملك إعفاء عضو أو أكثر من أعضاء الحكومة. ولرئيس الحكومة أن يطلب من الملك إعفاء عضو أو أكثر، من أعضاء الحكومة، بناء على استقالتهم، الفردية أو الجماعية”.

أمين السعيد، جامعي متخصص في القانون الدستوري، قال: “دستوريا وأدبيا، ينبغي احترام مقتضيات الدستور ومراعاة تقاليد العمل الوزاري في علاقته مع المؤسسة الملكية”، منطلقا من واقعة تسريب وثيقة “الاستقالة” ليؤكد أنه “أدبيا وأخلاقيا، جرت العادة في سجل التقاليد الوزارية التحفظ على إشهار واقعة الاستقالة وتداولها بشكل علني”.

واعتبر أستاذ القانون الدستوري والعلوم القانونية والاجتماعية بفاس أن “إشهار واقعة الاستقالة لا يكون إلا بعد توصل الجهة المكلفة بتلقي الاستقالة، وهو ما يعني احترام دولة المؤسسات التي ظلت شعارا مركزيا لكثير من القوى السياسية”.

وأشار المحلل السياسي إلى ما اعتبرها “مسألة التفاوض”، حيث “تقدم مبدئيا الاستقالة بشكل مباشر إلى رئيس الحكومة، لكونه رئيس الفريق الوزاري داخل المجلس الحكومي، وفي هذه الحالة (استثناء)، يمكن لرئيس الحكومة من منطلق التضامن الحكومي، إقناع طالب الاستقالة بالتراجع عنها دون تحويلها بشكل آلي ومباشر إلى الملك”.

وفي ما يخص إشكالية قبول الاستقالة، أورد أمين السعيد أنه “بالعودة إلى التاريخ الدستوري المغربي، سواء قبل دستور 2011 أو بعده، يتضح أن المؤسسة الملكية تقبل الاستقالات المحالة من لدن الوزراء المعنيين، غير أن الفقرة الخامسة من الفصل 47 من الدستور تعطي للملك السلطة التقديرية الواسعة في رفض أو قبول الاستقالة، كما أن المشرع لم يلزم الملك بأجل دستوري”.

وشدّد الباحث ذاته، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، على أنه “ضمانا لاحترام التعاون والتوازن بين السلطات الذي أضحى من المبادئ الجوهرية التي ينبني عليها النظام الدستوري المغربي، منع على الوزراء أن يقدموا استقالتهم الفردية أو الجماعية بشكل مباشر إلى الملك دون احترام مسطرة المرور عبر رئيس الحكومة”.

وأورد الجامعي المتخصص في القانون أن “ما أقره المشرع في الفقرة الخامسة من الفصل 47 من دستور 2011، يهدف منه إلى تحقيق غايات توطيد فكرة ازدواجية السلطة التنفيذية، ويتضح من خلال الوثيقة المتداولة في وسائل التواصل الاجتماعي المتعلقة باستقالة وزير الدولة المكلف بحقوق الإنسان والعلاقات مع البرلمان، أنها منسجمة مع مقتضيات الدستور، غير أن الأعراف الدستورية تقتضي عدم إشهارها إلا بعد توصل الجهة المكلفة بالبت في طلب الاستقالة”.

وشرح الدكتور أمين السعيد أن “الدستور منح السلطة التقديرية الواسعة للمؤسسة الملكية في قبول أو رفض طلب الاستقالة. وبالعودة إلى العديد من الحالات المشابهة التي وقعت بعد دستور 2011، يظهر أن المؤسسة الملكية لا ترفض الاستقالات التي ترفع بغض النظر عن أسبابها ودوافعها، ويمكن الإشارة على سبيل المثال إلى استقالة محمد أوزين، والحبيب الشوباني، وسمية خلدون، ونزار بركة”.

وتابع المحلل السياسي قائلا: “إن مسألة طلب الاستقالة لا تطرح تعقيدات دستورية في البنيان الدستوري المغربي، ذلك أن الطريقة التي قدمت بها استقالة مصطفى الرميد وخروجها إلى العلن في ظل صمت الناطق الرسمي باسم الحكومة ودون انتظار ظهير الملك بخصوص قبولها أو رفضها، هي ما أضفى على هذه الواقعة متابعة مجتمعية كبيرة”.

hespress.com