الأحد 6 يونيو 2021 – 01:03
حتى وقت قريب، كان العمل السياسي والحزبي والجمعوي والنقابي وما شابه.. يقوم على النضال التطوعي، حيث لم يكن “المناضلون” و”اللجان المنظمة” ينظرون إلى حجز القاعة، وترتيب الكراسي، والطاولات، وتوفير استراحة شاي، وكراء مقر.. كعمل يستحق الدعم من المال العمومي، لأن الواجب الوطني في نظرهم أسمى بكثير من أن يتحول إلى عمل مقابل أجر، بل إن كثيرا من المناضلين كانوا يساهمون بمالهم الخاص في تمويل أنشطة حزبهم وجمعيتهم ونقابتهم..
ولأن الأفكار كانت صادقة، في كثير من الأحيان، فقد كانت مقنعة، ومغرية، لكي تمتلئ المسارح والقاعات الرياضية ودور الشباب، عن آخرها، بمجرد الإعلان عن نشاط ثقافي أو حزبي.. وكان من الطبيعي أن ينعكس ذلك على المشهد الرياضي والمشهد السياسي، لأن المجتمعات الميتة، والخالية من أي نشاط، لا يمكن أن تنتج أبطالا في أي مجال، سواء تعلق الأمر بالفن أو السياسة أو الرياضة..
اليوم، يجلس المناضل (ة) الحزبي (ة) في قاعة مكيفة، وتجد الجمعيات في طريقها مئات السبل لتمويل مشاريعها وأنشطتها، وأصبح مجرد إبداء الرأي في بعض الحالات، أو إنجاز تقرير، يستحق تعويضا.. أين هم أولئك المناضلون الذين كانوا يجوبون أنحاء المغرب طولا وعرضا لتأطير المواطنين دون مقابل؟ أين هم أولئك الأجراء الذين كانوا يقتصون جزءا من أجورهم لكراء مقرات لعقد اجتماعاتهم، واستقبال أبنائهم في أنشطة موازية، بعد ملئها بالكتب والكراسي..؟ أين هي تلك الفرق الفنية والموسيقية، المناضلة، التي كانت تشكل امتدادا لنبض الشارع، دون مقابل؟ أين هم الزعماء الذين كانت تمتلئ القاعات في انتظار حضورهم؟..
أين هو التدافع الذي يعطي المجتمع تلك الدينامية المنتجة للأفكار والمشاريع والكفاءات..؟ أين يمكن زراعة القيم؟ أين هي تلك المشاتل التي تجعل طفلا صغيرا محاضرا بارزا، وتجعل الشاب مؤطرا سياسيا؟ ومن أين يمكن اكتساب الأخلاق التي تجعل الكبير يحترم الصغير، وتجعل الأقل تكوينا ينصت إلى من هو أكبر منه تجربة وحنكة، دون تملق أو تزلف؟ أين هو الزعيم الذي يحب الخير للمناضلين قبل أن يحبه لنفسه؟ أين هو التنافس الشريف بين الأحزاب؟ وكيف يمكن الوصول إلى مواطنين يعرفون حقوقهم وواجباتهم، ويعرفون ما عليهم وما على المسؤولين دون مزايدات؟..
يقول الرؤساء الحزبيون والنقابيون، اليوم، إن ما يتوصلون به من دعم عمومي لم يعد يكفي، ويرون أن الانفلات نحو الشارع يعزى إلى قلة الإمكانيات، وهذا الأمر صحيح في جزء منه، لكن أن يتحول الواجب الوطني إلى رسالة مؤدى عنها، عبر لقاءات تأطيرية شكلية في فنادق خمسة نجوم، ولقاءات تجمع بين الترفيه والبذخ في الموائد، فهذا الأمر لن يحل المشكلة، ولن يكون مغريا لمن يبحثون عن “جواب تنموي” ولفئة عريضة من المواطنين لا تجد مكانها في الخريطة السياسية المتوفرة حاليا..
بلغة الأرقام، ستساهم الدولة بمبلغ 360 مليون درهم، أي 36 مليار سنتيم، في دعم الأحزاب والنقابات، قبيل العمليات الانتخابية التي ستجرى قريبا، ورغم أن السياسيين والنقابيين قد يحتجون بدعوى عدم كفاية المبالغ المرصودة للدعم، ولهم مبرراتهم في ذلك، إلا أن ذلك لا يمنع من طرح سؤال جدوى الدعم العمومي لعملية حزبية غير قادرة على احتواء كافة الآراء والتطلعات، كما يطرح سؤال الخلل التنظيمي في هذه التنظيمات التي يفترض فيها لعب دور “الوساطة” والنجاح فيه..