لم يعد المغرب يقبل بالحياد السلبي الذي تتبناه بعض الدول بخصوص ملف الصحراء المغربية، لأن هذا الموقف، بحسب الرباط، لم يسهم في إنهاء هذا الصراع الإقليمي منذ قرون. ورغم أن الجارة موريتانيا تعتبرها الأمم المتحدة طرفا في النزاع، إلا أن “حيادها الإيجابي”، كما تسميه، بات يثير الكثير من الغموض.
عاد الدور الموريتاني ليطفو مجددا على السطح خلال الأيام القليلة الماضية باستقبال الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني لوفد انفصالي بقيادة البشير مصطفى السيد، الذي سلم للرئيس الموريتاني رسالة من زعيم التنظيم الانفصالي إبراهيم غالي.
وعبرت أطياف موريتانية عن غضبها من استقبال ولد الغزواني لرئيس وفد البوليساريو المتهم بقتل وتعذيب موريتانيين، إضافة إلى تورطه في انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان في مخيمات تندوف، لكن هذه الأصوات الاحتجاجية لم تمنع تنظيمات سياسية أخرى من لقاء وفد البوليساريو ذاته.
وتحرص جبهة البوليساريو، بتوجيه من الجزائر، على إرسال وفد إلى نواكشوط كلما توطدت العلاقات المغربية الموريتانية، خصوصا بعد مرحلة تطهير معبر الكركرات من المليشيات الانفصالية حيث ظهر تقارب رفيع المستوى بين المغرب وموريتانيا.
وفي خطوة تهدف إلى إطفاء الغضب المغربي تجاهها وإن كان قد ظهر فقط على مستوى الرأي العام ووسائل الإعلام، يرتقب أن يحل وزير الخارجية الموريتاني إسماعيل ولد الشيخ أحمد بالعاصمة المغربية الرباط حاملا رسالة خاصة من الرئيس محمد ولد الغزواني إلى الملك محمد السادس.
وكشفت وسائل إعلام موريتانية أن وزير الخارجية الموريتاني ولد الشيخ يلتقي، اليوم الأربعاء، مسؤولين مغاربة قبل تسليم الرسالة الخاصة.
وأضافت المصادر ذاتها أن الخطوة الموريتانية تأتي عقب تلقي ولد الغزواني رسالة خاصة من زعيم البوليساريو إبراهيم غالي.
وتعترف موريتانيا بـ “الجمهورية الوهمية” رغم عدم وجود سفارة أو تمثيل دبلوماسي للبوليساريو في نواكشوط، إلا أن مراقبين يعتبرون هذا الوضع مريحا لموريتانيا، لذلك لم يتغير موقفها من النزاع منذ توقيعها معاهدة “السلام” مع البوليساريو سنة 1979 وإعلانها الاعتراف بالكيان الانفصالي.
ويرى خبراء أن الجارة موريتانيا لن تتوقف عن النفخ في النار في الصراع المغربي الجزائري؛ فرغم تجاوز الفتور الدبلوماسي بين الرباط ونواكشوط وتأمين المملكة أزيد من 70 بالمائة من المواد الغذائية للموريتانيين، إلا أن موقف بلاد شنقيط تجاه ملف الصحراء المغربية يظل جامدا ويعرقل الوصول إلى حل نهائي.
وتذهب بعض القراءات إلى أن موريتانيا تقف على مسافة واحدة من هذا الصراع بسبب موقعها الجغرافي المعقد القريب من تندوف؛ إذ إن أغلب عمليات العرقلة التي شهدها معبر الكركرات في السابق كانت تأتي من الناحية الموريتانية لسهولة تسلل الانفصاليين، عكس الحدود مع المغرب المحصن بالجدار الأمني العازل.
وتجمع موريتانيا علاقات مجتمعية متداخلة بالبوليساريو، على اعتبار أنهم “أبناء عمومة”، ضمنهم صحراويون يحملون الجنسية الموريتانية ويشاركون في انتخاباتها ويستقرون في مدن موريتانية، ناهيك عن تقاسم العادات والتقاليد واللهجة الحسانية الصحراوية، لكن نواكشوط، كما تدعي، تتمسك أيضا بتطوير علاقاتها مع الرباط للاستفادة من خبرات المملكة في قطاعات الفلاحة والسياحة والصناعة وغيرها من المجالات.
وكان الملك محمد السادس أجرى في 20 نونبر 2020 اتصالا هاتفيا مع الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني، رئيس الجمهورية الإسلامية الموريتانية.
وخلال هذا الاتصال، عبر قائدا البلدين عن “ارتياحهما الكبير للتطور المتسارع الذي تعرفه مسيرة التعاون الثنائي، وعن رغبتهما الكبيرة في تعزيزها والرقي بها، بما يسمح بتعميق هذا التعاون بين البلدين الجارين وتوسيع آفاقه وتنويع مجالاته”، وفق بلاغ للديوان الملكي.