نجحت العديد من المدن الذكية العالمية في احتواء تداعيات فيروس “كوفيد-19″، لاسيما تلك الكائنة في القارة الآسيوية، بعدما استثمرت الخوارزميات الرقمية في ضبْط الحالة الوبائية، من خلال الاستعانة بتقنيات الذكاء الاصطناعي في مختلف المجالات الحيوية لتفادي تأثيرات “كورونا” الصحية والاقتصادية والاجتماعية.

وتناولت العديد من التقارير الدولية مستقبل المدن في عالم ما بعد “كورونا”، مُجمعة على أنها ستكون أكثر ذكاءً، عبر توظيف الموارد التكنولوجية في تصميم معالمها المستقبلية؛ وهو ما سيُمكّن من صناعة بيئة رقمية داخل المدينة نفسها، قصد الاستعداد لأي طارئ صحي أو أزمة محتملة في السنوات اللاحقة.

وفيما ينصبّ النقاش العالمي على تطوير مفهوم المدينة الذكية، ما زالت الفكرة تراوح مكانها بالمغرب، بعدما ظهرت بوادر المشروع في العديد من الحواضر الكبرى منذ سنين؛ لكن غاب أي تصور عملياتي بشأنها، في ظل الصعوبات التي تعترض تفعيل مسار التحوّل الرقمي في المملكة، على الرغم من الأثر الإيجابي لـ”كورونا” في ميدان التكنولوجيا على الصعيد المؤسساتي.

وفي هذا الصدد قال مروان هرماش، الباحث في مجال الخدمات الرقمية والشبكات الاجتماعية، إن “المدينة الذكية عبارة عن بناء متدرج يقتضي بلوغها المرور بمراحل عديدة، بينما مازلنا نتوفر على مدن غبية فقط”، مبرزا أن “الدولة لا بد أن تتوفر على الحوسبة والخدمات الرقمية المتطورة، من خلال صفر ورق في الإدارة المركزية والجهوية والمحلية فيما يتعلق بالخدمات الإدارية البحتة، وكذلك بشأن علاقة القطاعات بالمواطن”.

وأضاف هرماش، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن “المدينة الذكية تستلزم بنية تحتية متطورة، حيث تتيح للفاعل السياسي معرفة احتياجات المواطنين بناءً على قاعدة البيانات”، مؤكدا أن “المؤسسة على سبيل المثال يكون لديها نظام معلوماتي بخصوص الإنتاج اليومي واحتياجات الزبناء، ثم يتم تجميع هاتين المعلومتين في نظام مُندمج”.

وأوضح الخبير في الإعلام الرقمي أن “الأمر نفسه ينطبق على المدينة الذكية التي تتوفر على بيانات السكان والتنقل العمومي، ما يشكل قيمة مضافة بالنسبة إلى المواطن”، لافتا إلى أن “المعلومة المتوفرة تمكّن من تصميم مستقبل المدينة، سواء تعلق الأمر بالنمو السكاني أو طبيعة الحاجيات؛ ما يجعل القرارات المتخذة تكون مبنية على البيانات”.

وتابع متحدثنا بالقول: “القطاعات الحيوية التي تتقاسم إدارة المدينة تغيب لديها الرؤية على مستوى الجهة أو الجماعة، لكن لا يمكن أن ننفي بأن كوفيد-19 سرّع وتيرة ذلك، بحيث أثبتت الأزمة الوبائية أن المسألة غير صعبة، لأنها لم تتعلق أبداً بالموارد، وإنما هي رهينة بمدى اقتناع الفاعلين السياسيين بالمبادرة”.

“لم تنجح أي دولة في هذا الورش دون وجود شريك تكنولوجي”، يورد هرماش، الذي مضى مستطردا: “دون الحديث عن التجارب البعيدة عناّ، سواء تعلق الأمر باليابان أو كوريا الجنوبية أو أمريكا أو بعض البلدان الأوروبية، يكفي التطرق إلى تجارب تركيا وجنوب إفريقيا وإثيوبيا التي تمتلك رؤية بخصوص المدينة الذكية”.

تبعا لذلك، شدد الباحث عينه على أن “البلدان سالفة الذكر لم تصل إلى نتائج مكتملة؛ لكن صاحب القرار السياسي والإداري يشتغل على الورش، حيث تتوفر على شريك تكنولوجي عالمي يساعدها على إدارة هذه الخدمات”، ضارباً المثال بـ “الفاعل الصيني “هواوي” الذي يعمل مع بعض الدول لتسريع هذه المسألة، بينما استعانت بلدان أخرى بشريك أوروبي أو أمريكي”.

ويختم الخبير تصريحه بإيراده أن “الحواضر الكبرى في المملكة تحتاج إلى شريك تكنولوجي من هذا العيار قصد تسريع المشاريع المتوفرة، لا سيما الدار البيضاء ومراكش والرباط وطنجة، بالنظر إلى الضغط السكاني الذي تواجهه ونشاطها الاقتصادية، فضلا عن مواردها البشرية، ما سيعطي المثال أيضا للمدن الأخرى حتى تتوفر على خارطة طريق في المجال”.

hespress.com