“خلخلة تنظيمية” يشهدها حزب العدالة والتنمية المغربي جرّاء توقيع أمينه العام، الذي يشغَل منصب رئيس الحكومة في الوقت نفسه، على الاتفاق الثلاثي بين الرباط وواشنطن وتل أبيب بشأن استئناف الاتصالات الدبلوماسية بين هذه الفواعل؛ ما خلّف نقاشاً حامياً داخل التنظيم الإسلامي.
وعُرف حزب العدالة والتنمية بمواقفه السياسية تُجاه إسرائيل على غرار الحركات الإسلامية بمنطقة شمال إفريقيا والشرق الأوسط، بناءً على أرضيتها التأسيسية التي تمنع أي “تطبيع” مع إسرائيل التي تعتبرها “كياناً” وليست “دولة” وفق أدبياتها السياسية.
ونجحت “الدولة العميقة” في تذويب حزب العدالة والتنمية داخل النظام السياسي الوطني، بعد المراجعات الجذرية التي قام بها التنظيم طيلة السنوات الماضية؛ وهو ما ساهم في إنهاء “أزمة التضاد” مع الدولة المغربية، بالنظر إلى تخلّي الحزب عن فكرة “دولة الأمة”، وتعويضها بـ”الدولة القُطْرِيَة”.
بذلك، تولّد نقاش عام في البلد بشأن إمكانية تحوّل “البيجيدي” إلى حزب يميني ذي منطلقات قومية، ينهلُ من المرجعية الوطنية المحافظة على غرار حزب الاستقلال، في مقابل التحرر التدريجي من ثقل المرجعية الإسلامية التي لم تعد حاضرة بقوّة في خطابه السياسي الراهن.
وفي هذا الإطار، يرى سعيد ناشيد، الباحث المتخصص في التاريخ الإسلامي، أن “كل الاحتمالات ممكنة من الناحية السياسية، ولكن الأهم هنا هو ما يشبه الزلزال الذي عرفه حزب العدالة والتنمية خلال الأيام الأخيرة”، مبرزاً أن “مداخلة أمينه العام (عبد الإله بنكيران) تحمل رسائل قوية لما يجري داخل الحزب”.
ويعتبر ناشيد، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن “رسائل المداخلة المرئية متعددة؛ فهي موجهة إلى البيت الداخلي، وإلى الدولة، وإلى الجهات العليا”، وزاد: “بالنسبة إلى البيت الداخلي، فهي تؤكد أن قوة الحزب ليست في الدعم الشعبي، وإنما في الثقة التي يحظى بها من طرف ملك البلاد؛ ومن ثمة لا يجب التفريط فيها مهما كانت المواقف”.
ويوضح الباحث في شؤون التنظيمات الإسلامية أن “الرسالة الثانية موجهة إلى الجهات الأمريكية، بوصفها عنصراً أساسياً في معادلة قوة النظام السياسي بشمال إفريقيا والشرق الأوسط، حيث تلمّح إلى تجارب دول أخرى راهن فيها الإسلاميون على الشعب، فخسروا كل شيء، وهو ما يأتي في باب التحذير”.
ويخلص محدّثنا إلى أن “الأمين العام الأسبق حسَم موقفه عندما قال إنه لن يقبل التضحية بالدولة لإنقاذ الحزب؛ بل إنه مستعد للتفريط في الحزب.. وهي رسالة واضحة، لأنه لن يدعم أي توجه بالمزايدة على الملفات الوطنية داخل الحزب مهما كانت المرجعية”، خاتما بالإشارة إلى أنه لا يمكن توقع ما يجري في الاجتماعات الحاصلة بالبيت الداخلي.