هل يختار حزب العدالة والتنمية الاصطفاف في المعارضة في النّسخة الحكومية المقبلة؟ كل المؤشّرات الدّاخلية تطرح نفسها في رصد هذا الاحتمال على الرّغم من وجود تيّار يسعى إلى تكريس قوّة الحزب في المجتمع بالحصول على ولاية ثالثة، بينما يواجه إخوان “العثماني” موجات غضب داخلية أفرزها الواقع السّياسي.
وسيكون الحزب الإسلامي أمام جبهاتٍ كثيرة ومعقّدة في طريقهِ إلى تشريعيات 2021؛ فعليهِ أوّلاً خلق استقرار داخليّ في ظلّ تصاعد الغضب ضدّ القيادة الحالية التي لم تحقّق طموحات أعضائه ومنخرطيه، باعتباره قدَّمَ تنازلاتٍ كثيرةٍ لخصومهِ ولا يعطي الانطباع بأنّه متحكّم في مجرى الأمور.
وتراكمت المشاكل على قيادة العدالة والتنمية؛ فمن مواجهة جمود الأداء وتضرّر صورة الحزب داخل المجتمع بسبب بعض القرارات غير الشّعبية، إلى كيفية التّعاطي مع تداعيات الاتفاق المغربي الاسرائيلي الذي وقعه رئيس الحكومة الذي هو في الوقت نفسه الأمين العام للحزب، يمضي “البيجدي” في مسار إعادة ترتيب بيته الدّاخلي، وهو ما يفرض نوعا من “الاستراحة” لأخذ الأنفاس.
المحلل السّياسي يوسف بلال يرى أنّ “هناك نوعا من التّناقض داخل الحزب الذي يقود الحكومة، بحيث إنه منذ ولادته كان ينتهج الواقعية والبرغماتية في تعاطيه مع الأمور، وهو ما تولّد عنه نوع من الثّقة مع الدّولة/الملكية ونخبها الإدارية والاقتصادية، لكنه في الآن ذاته يحاول التّشبث ببعض الثّوابت والمقدسات”.
وأضاف الأستاذ الجامعي في تصريح لهسبريس أنّ “هناك علاقة ثقة بين الدولة والحزب مبنية على تراكمات تاريخية وحضور داخل النّسق الرّسمي دام لقرابة 20 سنة”، مبرزاً أنّ “الحزب أصبح يركز على هذه الثوابت والمقدسات، وبدونها لا يمكنه أن يستمر في تسيير الحكومة. وقد سعى من وراء هذا التّناقض أن يظهر أنه حزب غير مستهدف ولا يعاني التّهميش”.
وتوقع المحلل السياسي ذاته أن يتولّد نقاش قوي داخل الحزب بين من يؤيد الاتجاه الرّسمي العام في المغرب وبين من يعارض هذا التوجه، موردا أنّ “العثماني يحاول تجاوز صدمة التّوقيع (على الاتفاق المغربي الإسرائيلي) من خلال إظهار أن مراكز القرار في المغرب قامت بخدمة المصالح العليا للمملكة”.
وتابع يوسف بلال بأن “الدولة جعلت رئيس حزب إسلامي له مرجعية معيّنة يوقّع اتفاقية إعادة العلاقات مع تل أبيب، وقد كانت ضربة قاسية في حق الإسلاميين، بحيث إن العثماني وقّع على الاتفاق ليس باعتباره يمثل حزبا داخل الحكومة وإنما باعتباره رئيس الحكومة، وبالتالي وجب عليه أن يتبنى هذا الاتفاق ويدافع عنه”.
وتوقف المحلل السياسي عند ما اعتبره تقلّص الخيارات الواقعية أمام “البيجيدي”، “فإما أن تكون هناك مراجعة على مستوى الخطاب وبعض الأدبيات، وهذا الأمر مستبعد في ظلّ رفض غالبية أعضاء الحزب، أو الخروج من الحكومة وعدم المشاركة في النسخة المقبلة، وهذا من المرتقب أن يخلق شرخا داخليا في الحزب”.
وحكم بلال على تجربة العثماني بأنها “لم تكن ناجحة”، وأنه “فشل في إدارة الصّراع الداخلي في الحزب. كما أن مصداقية الحزب تضررت كثيرا في التجربة الثّانية لأن هناك أمورا مرتبطة ببعض الأشخاص داخل الحزب أثّرت بشكل كبير على أدائه، وهو ما يجعل باب المعارضة مفتوحا أمام الحزب”.