في بداية الأسبوع الجاري، وصل وفد مغربي إلى إسرائيل بهدف تمهيد الطّريق لإعادة فتح مكاتب الاتصال في البلدين، التي تم إغلاقها قبل 20 عامًا. جاء ذلك في إطار التفاهمات التي تم التوصل إليها الأسبوع الماضي في الرباط، خلال الزيارة التي قادت وفدا أمريكيا وإسرائيليا مشتركا إلى الرّباط.
وتروّج وسائل إعلام إسرائيلية أن وفداً مغربيا رفيع المستوى هذه المرّة سيزور بعد أسبوعين مكتب الاتّصال لتدشينه بشكل رسمي في تل أبيب، بينما تطرح الأوساط الرّسمية في إسرائيل تساؤلات بشأن موعد فتح السّفارة المغربية، من أجل استكمال العلاقات الدبلوماسية بين البلدين.
ووفقا لتحليل نشرته الكاتبة الصّحافية جودي مالتز، في صحيفة “Haaretz”، فإنّ الولايات المتحدة وإسرائيل حاولتا رسم التّفاهمات التي تم التوصل إليها مع الرّباط خلال بداية الشّهر الجاري على أنها جزء من اتّفاق “أبراهام” الموقّع خلال الصيف الماضي مع دول عربية أخرى، حيث قال جاريد كوشنر، كبير مستشاري دونالد ترامب، قبل يومٍ واحد من وصوله إلى الرّباط: “سنقدم بفخر كبير اتّفاق أبراهام بإطلاق أول رحلة تجارية مباشرة على (إل عال) من إسرائيل إلى المغرب”.
ولا يبدو أنّ المغرب يسير على هذا الاتّجاه، بحيث أكّدت السّلطات الخارجية في الرّباط أن “مصطلح “التطبيع” غير مقبول بالنسبة لها، لأنه حتى بعد إغلاق مكاتب الاتصال في عام 2000، لا يزال البلدان يتمتعان بمجموعة واسعة من العلاقات. “المغرب لا يبدأ علاقاته مع إسرائيل من الصفر”، تؤكّد الورقة التّحليلية.
وأوردت الكاتبة والمحللة مالتز أنّ “إصرار المملكة على عدم الانضمام إلى (الاحتفالات) وتجنّب أي تصريح بعيد عن الخط الرّسمي المتّفق عليه، لا يأتي فقط من الاستقامة البلاغية”. وبالنّسبة لروبرت ساتلوف، المدير التنفيذي لمعهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، فإن “المغاربة يريدون ببساطة الانتظار ليروا ما إذا كانت الإدارة الأمريكية الجديدة ستتبنى القرار الذي اتخذته إدارة ترامب بالاعتراف بسيادة المغرب على الصحراء”.
يقول ساتلوف، الخبير في شؤون المنطقة المتنازع عليها: “أظن-على الرغم من أن أحداً لم يقل هذا علناً-أن المغاربة سوف يمتنعون عن اتخاذ أي خطوات إضافية تجاه العلاقات الدبلوماسية الكاملة مع إسرائيل حتى يتضح أن إدارة بايدن تؤكد الاعتراف بالصحراء”.
ويضيف في المقالة التّحليلية المنشورة في “هآارتس” أن “الأساس في كلّ هذا، هو اعتراف أمريكي بالصحراء مقابل استئناف مكاتب الاتصال وافتتاح رحلات جوية مباشرة، وهو ليس إنجازًا بسيطًا، لا يمكن زيادة خطوات أخرى من جانب الرّباط إلا في حالة التّأكد التّام من أن إدارة بايدن ستتبنّى الموقف نفسه”.
ووقّع الوفد الإسرائيلي برئاسة مستشار الأمن القومي مئير بن شبات، الذي زار المغرب الأسبوع الماضي، أربع اتفاقيات، بما في ذلك تشغيل الرحلات الجوية المباشرة بين البلدين وإعفاء الدبلوماسيين من التأشيرة. كما تم التوقيع على إعلان مشترك من قبل الدول الثلاث، بما في ذلك إعلان “افتتاح حقبة جديدة في العلاقات بين المملكة المغربية ودولة إسرائيل”.
وأشار ساتلوف في التّحليل ذاته إلى “فجوة كبيرة” بين ما وعد به ترامب عندما أعلن “انفراجا تاريخيا” في العلاقات بين إسرائيل والمغرب، وبين ما تم تحقيقه على أرض الواقع، مبرزا أنه “لم يتحقّق ما وعد به الرئيس ترامب: علاقات دبلوماسية كاملة بين المغرب وإسرائيل”. يقول ساتلوف: “هذا لم يحدث بعد”. هناك فجوة كبيرة بين ما أعلنه الرئيس والبيت الأبيض وما وافق عليه المغاربة بالفعل.
وفي الواقع، يضيف المحلّل ذاته، “لا تزال هذه الفجوة قائمة. لقد كان المغاربة متسقين إلى حد كبير منذ البداية. ما كانوا يأملون في الحصول عليه من هذه الاتفاقية، تلقوه مقدمًا”.
وقالت الورقة البحثية إن “وسائل الإعلام المغربية لم تركّز على الاتفاقية مع إسرائيل عند تغطيتها للصفقة الثلاثية، كما تقول عينات ليفي، المتخصصة في العلاقات الإسرائيلية المغربية في مركز أبحاث ميتفيم-المعهد الإسرائيلي للسياسات الخارجية الإقليمية، بقدر تركيزها على الاعتراف الأمريكي بالصحراء، بينما في عمق النص كان هناك ذكر للعلاقات مع إسرائيل”.
وعلى الرغم من استمرار العلاقات الدبلوماسية بين إسرائيل والمغرب في الفترة من 1994 إلى 2000، وعلى الرغم من قيام عشرات الآلاف من السياح الإسرائيليين بزيارة المغرب كل عام منذ ذلك الحين، إلا أنه لا يزال هناك شيء ما ينقص تجديد العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، وهو قرار لم يكن “من السهل هضمه” بالنسبة لمعظم المغاربة، كما تقول ليفي.
وأضافت: “فيما يتعلق بالرأي العام هناك، لا يمكن أن يكون هناك سلام مع إسرائيل دون وجود نوع من الاتفاق لتسوية الصراع مع الفلسطينيين”. كما أن نهج المغرب المتردد في تجديد العلاقات مع إسرائيل-على الأقل بالمقارنة مع الحماس الواضح للدّول الموقعة على اتفاقات أبراهام-يمكن تفسيره أيضًا من خلال العلاقة الخاصة للبلاد مع الفلسطينيين”.
وقد كانت إحدى الخطوات الأولى التي اتخذها الملك محمد السادس بعد إعلان الإدارة الأمريكية الاتفاق المشترك، هي الاتصال برئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس. وكان محمد السادس، الذي يشغل منصب رئيس لجنة القدس في منظمة التعاون الإسلامي، قد وعد عباس خلال الاتصال بأن الإجراءات المتفق عليها مع ترامب وتلك التي ستتخذ مع إسرائيل لن تؤثر على التزام المغرب بالقضية الوطنية الفلسطينية بأي حال من الأحوال.
وقالت سارة فوير، الباحثة في معهد دراسات الأمن القومي في جامعة تل أبيب، إن الملك “لم يكن على استعداد للذهاب إلى أبعد مما حصل، نظرًا لاستمرار دعمه للفلسطينيين”. وقال ساتلوف إن “الإدارة الأمريكية الجديدة لديها عدد من الخيارات في الوقت الحالي في ما يتعلق بالصحراء، ويمكنهم أن يقرروا أنهم سيلغون قرار ترامب أو يعلقونه أو ينفذون أجزاء منه فقط”.