منذ سنة 2016، بدأت أولى إرهاصات إنهاء تهريب البضائع من مدينة سبتة المحتلة نحو الفنيدق بعد أن توفي اثني عشر شخصا في حوادث تدافع متفرقة، وهي الحوادث التي أججت مطالب الجمعيات الحقوقية بإغلاق المعبر الحدودي.
وكان معبر باب سبتة يستقبل كل يوم من الإثنين إلى الجمعة آلاف الأشخاص المشتغلين في التهريب، وكانت الحركة التجارية نشطة في مدينة الفنيدق المجاورة، غير أن إغلاق السلطات المغربية للمعبر الحدودي لم يقض فقط على مصدر عيش آلاف العاملين في التهريب، بل أدخل المدينة الشمالية الصغيرة في ركود تام.
وعقب توقيف النشاط التجاري القائم على التهريب، الذي يكبّد الاقتصاد المغربي خسائر مالية بمليارات الدراهم سنويا، عمدت الدولة إلى إنجاز منطقة اقتصادية ضواحي مدينة الفنيدق لتوفير فرص الشغل لأبناء المنطقة، لكن هذا المشروع لم يخرج إلى حيز الوجود بعد، في وقت تتعالى فيه الأصوات المنادية بإنقاذ المدينة من الركود.
“لقد ربحت الدولة سبعة مليارات درهم كانت تخسرها الخزينة العامة بسبب التهريب الذي تستفيد منه لوبيات منظمة، كما ربحت أيضا المئات من الموارد البشرية من أعوان الأمن والدرك والجمارك، إضافة إلى إمكانيات مادية مهمة كانت تُرصد لضبط الوضع، لكنها لم تنظر بشكل إيجابي إلى هذه المنطقة رغم حساسيتها”، يقول محمد بنعيسى، رئيس مرصد الشمال لحقوق الإنسان.
وقبل أسبوع، وقعت 100 شخصية وثيقة طالبت من خلالها بإنقاذ مدينة الفنيدق من أزمتها الاقتصادية الخانقة، منبهة إلى أن الوضع القائم بالمدينة يهدد استقرارها الاجتماعي، قبل أن ينفجر بالفعل ليلة أمس السبت بخروج عدد من الأشخاص إلى الشارع للاحتجاج، نجم عنه احتكاك مع قوات الأمن أسفرت عنه جروح في صفوف الطرفين.
وظلت عملية تهريب البضائع عبر معبر سبتة المحتلة تشكّل إحراجا للمغرب، نظرا للظروف غير الإنسانية التي كان يشتغل فيها المهربون، وغالبيتهم من النساء، إضافة إلى ما يتكبده اقتصاد المملكة من خسائر فادحة جراء توريد السلع المهربة غير الخاضعة للضريبة، ما حدا بالسلطات المغربية إلى منع التهريب عبر المعبر الحدودي نهائيا.
ويرى محمد بنعيسى أن الاحتجاج الذي اندلع في الفنيدق مساء أمس كان متوقعا، نظرا للتدهور الاقتصادي والاجتماعي الذي عرفته المدينة، وعدم إيجاد بدائل وحلول، بسبب تأخر إنجاز مشروع المنطقة الاقتصادية ومشروع مماثل في مرتيل.
وأضاف الفاعل الحقوق نفسه قائلا: “كانت هناك مؤشرات توحي باحتمال خروج الأمور عن السيطرة، خاصة بعد وفاة ستة شبان غرقا خلال الآونة الأخيرة في حوادث متفرقة أثناء محاولتهم الهجرة سرا إلى سبتة المحتلة”.
وبينما ما يزال التوتر مخيما على مدينة الفنيدق، أفاد مواطن يقيم جوار ساحة الرباط التي جرى تطويقها من طرف قوات الأمن منذ صباح أمس الجمعة، بأن أعمال الرشق بالحجارة وإحراق الحاويات التي شهدها الشكل الاحتجاجي مساء أمس صدرت عن أشخاص لا ينتمون إلى مدينة الفنيدق، مضيفا أن سكان المدينة “عايشين مأساة كبيرة. الناس كتسعا وكتبيع حوايجها هنايا”.
من جهته، قال رئيس مرصد الشمال لحقوق الإنسان إن إخراج مدينة الفنيدق من أزمتها الخانقة يتطلب فقط توفر إرادة حقيقية لدى الدولة، من خلال الإسراع بإنجاز مشروع المنطقة الاقتصادية، ودعم الشباب لخلق مقاولات، وتقديم الدعم للأسر، وتوفير فرص الشغل للنساء والشباب عبر توظيفهم، على غرار ما فعلت حكومة سبتة المحتلة.