تجددت الدعوة لإعادة الروح إلى قاعات العرض الفني بالمملكة بعد نقل الحكومة موعد حظر التنقل الليلي إلى الساعة الحادية عشر ليلا، مع استمرار إغلاق المسارح وقاعات السينما وفضاءات العروض.
وفي بيان معنون بـ”أعيدوا الروح للمسارح واتركوا أب الفنون يستعيد الحياة”، استنكرت نقابة مهنيي الفنون الدرامية ما أسمته بـ”الإقصاء اللامعقول”، داعية الحكومة إلى إعادة النظر فيه، داعية “جميع المسرحيين المغاربة إلى المزيد من التعبئة من أجل الدفاع، بكل الوسائل المتاحة، عن حقّهم في ممارسة مهنتهم ومهمتهم الاجتماعية والثقافية والتربوية في ظل الجائحة، كشكل من أشكال التعايش الذي تعرفه باقي الأنشطة الأخرى”.
وعبرت النقابة المغربية لمهنيي الفنون الدرامية عن استغرابها وقلقها الشديدين إزاء “تجاهل الحكومة لكل نداءات واستغاثات نقابتنا بكل هياكلها الوطنية، وفروعها الإقليمية في عموم التراب الوطني، إلى جانب حلفائها في الهيئات التمثيلية الجادة للفنانين، ومِن ورائها سائر مهنيي فنون العرض ببلادنا”.
وذكّرت نقابة الفنانين بمناشداتها المتكرّرة لرئيس الحكومة، ووزير الثقافة والشباب والرياضة، ووزير الداخلية “من أجل مراعاة الظروف الاجتماعية والثقافية المقلقة التي يعيشها مجال العروض الحية، الناتجة أساسا عن فقدان الشغل إثر التوقف الكلي للحياة المسرحية جراء تداعيات التدابير الاحترازية المتخذة بمناسبة حالة الطوارئ الصحية التي تشهدها بلادنا منذ أزيد من سنة”.
وسجّلت نقابة مهنيي الفنون الدرامية أن كلّ هذا قوبل بـ”غياب أي إجراء استعجالي لضمان استمرارية مجال المسرح والفنون الحية، يراعي ضرورة هذا الفن كعنصر مكون لهوية المغاربة الثقافية والحضارية، ولو في شروط دنيا في انتظار انحسار الوباء، أسوة بما هو معمول به في بلدان أخرى.”
وجددت النقابة تعبيرها عن تفهمها مع باقي مكونات المجتمع المغربي وقواه الحيّة، لمسبّبات “اتخاذ قرارات متشددة من أجل حماية المواطنين، والتصدي لتفشي وباء كوفيد-19″، قبل أن تستدرك قائلة: “لا نفهم ولا نستطيع أن نستوعب موقف الحكومة الذي بدا متسما بالليونة والمرونة، منذ رفع الحجر الصحي، لفائدة سائر المجالات الاقتصادية والتجارية والخدماتية ومختلف الأنشطة المهنية، لكنه اتسم بنوع من الصرامة والحزم، إلى درجة القسوة والتجاهل، فيما يخص كل الأنشطة الثقافية والفنية، ولا سيما مواصلة إغلاق فضاءات العروض رغم سيل من الرسائل والمذكرات التي بعثناها للمسؤولين الحكوميين والتي اقترحنا فيها تدابير عملية ومعقولة تسمح للفنانين باستعادة أنشطتهم مع مراعاة كل التدابير الاحترازية والوقائية الموصى بها”.
ومع الإيمان بأن المسرح، بوصفه فنا حيا وجماهيريا، “لا يمكنه أن يعود ويستعيد حيويته بشكل كامل إلا مع انحصار الوباء”، شددت النقابة على أن “المسرح ممارسة، ودربة مستمرة ومتواصلة، بانتظامية وتواتر لا يقبل الانقطاع والانحسار لمدة طويلة، شأنه في ذلك شأن الممارسة الرياضية، مما يقتضي الاستمرارية ولو بشروط دنيا وفق بدائل ذكية تنجيه من الموت، حيث تمكنه من البقاء”.
وأضاف بيان النقابة أن “المسرح لا يمكنه بتاتا العيش في غنى عن مؤسسات العروض تدريبا وعرضا ولو في ظروف استثنائية، مما يستدعي مواصلة السياسات العمومية في قطاع الثقافة، واستمرارية البرامج المرتبطة بالموسم المسرحي، بشكل خلّاق يتلاءم مع الظروف الطارئة التي لا ينبغي أن تكون، بأي شكل من الأشكال، مبررا للتوقف الكلي للحياة الثقافية.”
ومع “تعامل الحكومة مع هذا الملف بالكثير من التجاهل، اجتماعيا وثقافيا”، نبّهت نقابة مهنيي الفنون الدرامية إلى أن الفن المسرحي “جزء لا يتجزأ من هوية المغرب الثقافية والحضارية”، وذكّرت بـ”الأدوار التاريخية التي لعبها المسرح، ولايزال، في إبراز وجه المغرب الحضاري والمنفتح”.
وباستحضار هذا المعطى، وواقع الإغلاق المستمر دون أفق، أعربت نقابة الفنانين عن أسفها من اعتبار الحكومة المسرح “مجرد نشاط زائد أو ترف، في اختزال تعسفي يجاري بل ويغذي، موضوعيا، المنظومات الرجعية والتيارات النكوصية المعادية للفن وكل مظاهر التحديث والعقلانية التي يشهدها مجتمعنا المغربي بانفتاح، والتي لا يمكن، على كل حال، أن تعيقها موجة كورونا أو أي موجة أخرى عابرة.”
في هذا السياق، نبّه مسعود بوحسين، رئيس النقابة المغربية لمهنيي الفنون الدرامية إلى خطورة ترسيخ فكرةٍ من خلال استمرار إغلاق قاعات العرض الفني، مفادها أن “الفن ليس ضروريا”، وإمكان تزكية السياسة الحكومية الحالية، بعلم أو بدون علم، لـ” فكرة لا جدوى الثقافة والفن، التي تعبّر عنها فئات مجتمعية بشكل واضح خلال فترة الجائحة الراهنة”.
وأضاف بوحسين في تصريح لهسبريس أن “المشكل لا يتعلق فقط بالجانب الاجتماعي، بل بنمط تعبيري تم تجاهله وكأن ليست له أية أهمية”، لذا “نطالب باستمرارية المجال الفني ولو في حدود دنيا، دون أن يعني هذا أن المسرح سيمارس بشكل كامل”، معتبرا أن فتح قاعات العرض مع احترام تدابير السلامة الصحية، سيكون “مؤشرا على احترام الدولة لهذا الفن”، وتمكينا لاستمرار “برامج الوزارة الوصية (وزارة الثقافة) بشكل يتلاءم مع المرحلة”.
ووضّح نقيب مهنيي الفنون الدرامية أن “المسرح فن مؤسساتي”، و”فنّ جماعي”، وبما أنّ كل المؤسسات في يد الدولة، فإن لإغلاقها “انعكاسات ثقافية، لا انعكاسات اجتماعية فقط”، و”طبعا لا نريد أن نكون سببا في انتقال العدوى، ولكن نريد أن نتعايش كما في مجالات أخرى، لا أن يُعتبَر المسرح مجالا ثانويا يمكن استئناف ممارسته بعد مرور الجائحة”.
هذه الرؤية التي لا ترى في الفن والثقافة مجالا ذا أولوية، يتأسف بوحسين “لأننا نحسها تخترق القرار السياسي، فلا نجد برامج بديلة، ولا نجد استمرارية في حدودها الدنيا، مع أن المسرح جزء مهم من الهوية الثقافية للمغرب يجب الحفاظ عليه، مع مراعاة ظروف الجائحة، وإلا سنضرب كل المكتسبات، وسيكون من الصعوبة، إذا كان الأمر ممكنا أصلا، إرجاع الأمور إلى ما كانت عليه بعد الجائحة”.