أكدت ورقة بحثية أن هناك حاجة ماسّة إلى مزيد من انخراط الولايات المتحدة في إفريقيا بنهج مختلف، يركز أكثر على مساعدة الدول على تعزيز الحكم الرشيد من خلال تبني الإصلاحات المؤسسية، ودعم إدارة وإصلاح قطاع الأمن بشكل أفضل.
وأوضحت المقالة، المنشورة من قبل مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، أن السياسة الأمنية الأمريكية في إفريقيا تحتاج إلى الاهتمام بالحلول السياسية من خلال تحسين العلاقات بين الدولة والمجتمع، وإن كانت هناك عوائق وتحديات كبرى.
مناهج استباقية
وأشارت المقالة التحليلية إلى أن معظم الدول الضعيفة والهشة في القارة، وهي تسلطية وفاسدة بطبيعتها، مهتمة أكثر بضمان استمرار شبكات المحسوبية وعوائد السوق السياسي- وفقا لمفهوم أليكس دي وال- التي تساعد على استمرار النخبة الحاكمة في السلطة بدلا من السعي نحو تحقيق السلام والأمن.
لذلك، لم يكن مستغربا أن تكون لدى العديد من البلدان الإفريقية استراتيجيات وطنية لمكافحة الإرهاب أو التطرف العنيف، ولكنها لأسباب عديدة لا تمتلك الإرادة السياسية الكافية لتفعيلها، تضيف المقالة ذاتها، التي أبرزت أنه ربما يكون من المفيد في هذه الحالة الاهتمام أيضا بالمستوى القاري في محاربة الإرهاب، إذ بغض النظر عن الآمال التي تعلقت بصعود الرئيس الأمريكي بايدن، فإن مهمة محاربة الإرهاب تظل بأيدي الأفارقة بالأساس.
ومن الواضح أن أولويات بايدن الخارجية سوف تتركز على إيران والصين وكوريا الشمالية وقضايا ملحة أخرى، يضيف المصدر عينه، وهو الأمر الذي ينبغي أن يجعل الدول الإفريقية تركز على مناهجها الاستباقية البديلة، حيث يجب على مثل هذه المناهج أن تسعى إلى الاعتماد على القدرات والجهات الفاعلة، المحلية والإقليمية بالأساس، بدلا من رفع سقف التوقعات بشأن المساعدات الأجنبية ومدى تدخل الولايات المتحدة من عدمه.
مصالح مشتركة
وتضيف المقالة أن بايدن سوف يعول كثيرا على الدبلوماسية، ويعمل على إعادة الروح إلى وزارة الخارجية، التي عانت كثيرا في عهد الرئيس ترامب، الذي كان يحب أن يشير إليها باسم “الوكالة العميقة”، وكان ينظر باستمرار إلى موظفيها بعين الشك والريبة.
وواقع الأمر أنه في الوقت الذي عانت سفارات الولايات المتحدة في إفريقيا من نقص شديد في الموظفين لعقود من الزمان، زاد الوجود العسكري الأمريكي. فعلى سبيل المثال، نادرا ما تستقبل معظم البلدان الإفريقية زيارات من قبل الرئيس الأمريكي أو نائب الرئيس أو وزير الخارجية أو حتى كبار المسؤولين بالإدارات الأمريكية الأخرى.
وفي الواقع زار رؤساء الولايات المتحدة 16 دولة فقط من أصل 54 دولة في إفريقيا، وقاموا بزيارات متكررة لعدد محدود من البلدان. في المقابل، يسافر كبار قادة القيادة العسكرية في إفريقيا (أفريكوم) إلى دول إفريقية عديدة مرات كثيرة تفوق زيارة أي شخص آخر في الحكومة الأمريكية. وعليه، أضحت التفاعلات مع المسؤولين العسكريين الأمريكيين بمثابة العلاقات الرسمية الرئيسية في إفريقيا، ولكن خارج الإطار الدبلوماسي التقليدي. وقد أضحت ظاهرة عسكرة العلاقات الأمريكية الإفريقية في عهد ترامب أكثر وضوحا.
استراتيجية “اضرب الخلد (Whack-a-Mole)”
أوردت المقالة أنه على مدى السنوات الأربع الماضية حاولت إدارة ترامب- إلى حد كبير- عدم الانخراط في الشؤون الإفريقية بشكل كبير، ومع ذلك تم التركيز على استخدام استراتيجية “اضرب الخلد”، وهي من قبيل الاستعارة التوضيحية، حيث يتم التخلص من شيء بصفة متكررة، ومع ذلك يعاود الظهور مرة أخرى. إنها تشير إلى الحالة التي تستمر فيها الأزمة في التصاعد بشكل أسرع من الاستجابات الموجهة لتسويتها أو التعامل معها، مما يؤدي إلى تبني نهج جزئي أو مؤقت.
كما أن نهج “اضرب الخلد” في مكافحة الإرهاب في القرن الإفريقي لا يزال يراوح مكانه وغير ناجز، كما هو الحال في كثير من مناطق العالم. لقد كانت تصفية قادة الجماعات الإرهابية الكبرى، مثل أبي بكر البغدادي عام 2019، غير حاسمة، ولم تؤدِّ إلى تراجع في وجود أو أنشطة الجماعات التابعة لـ”داعش”، لا سيما في الفضاء الإفريقي، وفق المقالة ذاتها.
قيود التغيير
ولم تركز الولايات المتحدة في وجودها العسكري في إفريقيا على محاربة الإرهاب فقط، بل كانت تقوم من خلال الجيش بأنشطة أخرى لتحقيق وتعزيز المصالح الأمريكية؛ ففي فترة الكوارث الطبيعية والأوبئة، يتيح الوجود العسكري الأمريكي في العديد من الدول الإفريقية دعما سريعا وحاسما، تبعاً للمصدر ذاته.
وكان الوجود العسكري الأمريكي في العديد من الدول الإفريقية جزءا أساسيا من الاستجابات لجائحة “كوفيد-19″، يوضح المركز، حيث وفر خدمة المستشفيات المتنقلة في غانا والسنغال وأوغندا. وتساعد برامج بناء القدرات والشراكات، التي تم تأسيسها من خلال المشاركة العسكرية الأمريكية، الدول الإفريقية، مثل بنين ونيجيريا والسنغال، على التعامل مع فيروس “كوفيد-19″، واحتواء الأوبئة المستقبلية. ولا شك أن هذه المهام غير المتعلقة بمكافحة الإرهاب ليست مجرد أعمال خيرية أو مجاملات دبلوماسية، فهي تعمل- باختصار- على تعزيز المصالح الأمريكية في إفريقيا، ولا سيما احتواء النفوذ الصيني المتزايد.
الدروس المستفادة
وأكدت المقالة أن المساعدات الأمنية والضربات العسكرية الموجهة من قبل الجيش الأمريكي أثبتت أنها لم تكن ناجعة في وقف نمو شبكات الإرهاب عبر إفريقيا. وعليه، يمكن لإدارة بايدن أن تفكر في نهج سياسي جديد من أجل اجتثاث جذور التطرف والإرهاب في إفريقيا.
ودعا المركز إلى تبني نهج القوة الذكية من خلال إنشاء مراكز عمليات مشتركة تعتمد على المعلومات الاستخباراتية، وهو ما سيُفضي إلى تقليل الخسائر في صفوف المدنيين وتعزيز عملية تبادل المعلومات (بما في ذلك مع قوات الجيش والشرطة). ويمكن – في المقابل- تبني الحلول السياسية، وتعزيز ثقافة الحوار المفتوح مع المجتمعات بشأن التهديدات واستراتيجيات الوقاية.