بالإمكان القول إن تاسع فبراير 2021 أضحى محطة بارزة في تاريخ الإمارات العربية المتحدة بعد إعلانها نجاح وصول “مسبار الأمل” إلى مداره حول كوكب المريخ، في خطوة علمية تعد الأولى من نوعها بالمنطقة العربية لاستكشاف الكوكب الأحمر.

المسبار، الذي استغرقت رحلته 7 أشهر قطع خلالها 493 مليون كيلومتر، حظي حدث بلوغه مدار المريخ باهتمام المراقبين والمهتمين بالشأن الفضائي عبر العالم، وكذا بمواكبة إعلامية واسعة من مختلف بقاع المعمور، الأمر الذي قد يجعل من هذا النجاح مصدر إلهام لتحفيز الشباب العربي لسبر أغوار الفضاء والاستثمار في علوم المستقبل.

وسيقوم المسبار، الذي تم إطلاقه من مركز تانيغاشيما الياباني في 20 يوليوز 2020، بمهمة علمية تتوخى توفير صورة شاملة عن الظروف المناخية على كوكب المريخ ومراقبة الظواهر الجوية على سطحه، إلى جانب بحث أسباب تلاشي الطبقة العليا للغلاف الجوي للكوكب الأحمر.

وحظي هذا الإنجاز بتنويه واسع على المستوى العالمي كما على المستويين الإقليمي والمحلي، حيث أبرز عالم الفيزياء الفلكية الأمريكي نيل ديغراس تايسون، الذي يعد أحد أشهر مقدمي البرامج العلمية المتخصصة بالفضاء على مستوى العالم، في مقطع فيديو خاص حول المسبار، الإرث التاريخي للمنطقة في إنتاج المعرفة والعلماء، معتبرا أن مشروع مسبار الأمل “يشكل منارة ملهمة لأبناء الإمارات والمنطقة، قائلا إن “مهمة المسبار عظيمة من أجلنا جميعا”.

أصداء نجاح مهمة “مسبار الأمل”، ضمن مشروع الإمارات لاستكشاف المريخ، ترددت أيضا في وسائل الإعلام المحلية والإقليمية والعالمية التقليدية والرقمية، حيث وصل التفاعل مع وسم “العرب إلى المريخ” الذي أطلقته الإمارات إلى مستوى غير مسبوق بتحقيقه أكثر من 2.7 مليار تفاعل.

محليا، اعتبرت وزيرة دولة للتكنولوجيا المتقدمة رئيسة مجلس إدارة وكالة الإمارات للفضاء، سارة بنت يوسف الأميري، أن نجاح “مسبار الأمل” في الوصول إلى المريخ يمثل بداية لسلسلة مهام علمية غير مسبوقة ستقدم صورة متكاملة للغلاف الجوي للمريخ للمرة الأولى في تاريخ البشرية، وتضع بياناتها في خدمة المجتمع العلمي العالمي.

وقالت الأميري في تصريح صحافي إن الفريق العلمي لـ”مسبار الأمل”، الذي عملت على إنجازه عقول وسواعد إماراتية بالتعاون مع شركاء المعرفة، لديه الجاهزية لتلقي وتحليل البيانات العلمية الجديدة التي سيجمعها المسبار على مدار سنة مريخية كاملة، واصفة هذه البيانات بـ”منصة عالمية” مشتركة لنقل المعرفة وتقاسم المعطيات العلمية الحيوية.

بدوره، قال عمران شرف، مدير مشروع الإمارات لاستكشاف المريخ “مسبار الأمل”، إن دولة الإمارات التي جعلها هذا الإنجاز خامس دولة تصل إلى المريخ، لم تبدأ من الصفر، بل من حيث انتهى الآخرون، وتعلمت من تجاربهم، علما بأن عملية تصميم وتطوير المسبار استغرقت 6 سنوات.

وأضاف شرف أن “لحظة وصول المسبار إلى المدار بنجاح كانت صدمة إيجابية، ونريد أن تكون هناك مساهمة إماراتية بالبيانات العلمية التي يجمعها مسبار الأمل في إرسال الإنسان إلى كوكب المريخ حتى لو كان ذلك الهدف بعيد المدى”، حسب تعبيره.

أما سميرة السيد عمر، المديرة العامة لمعهد الكويت للأبحاث العلمية، فرأت في تصريح صحافي مماثل أن “مسبار الأمل” الإماراتي، سيعزز شغف الشباب العربي والأجيال القادمة بعلم الفضاء، وسيثير مزيدا من الاهتمام نحو تطوير برامج الفضاء في الجامعات والمؤسسات الأكاديمية العربية ويرفع من اهتمامها بالبرامج البحثية المتخصصة.

وأضافت أن نجاح مشروع “مسبار الأمل”، الذي تبلغ تكلفته نحو 200 مليون دولار، يعد إنجازا يرفع الروح المعنوية ويوجه اهتمام الشباب نحو دراسة العلوم والتخصص في دراسة البرامج الفضائية.

ولفتت إلى أن هذا الإنجاز يأتي في وقت تعاني فيه المنطقة العربية من صراعات فكرية وايديولوجية بالغة التعقيد، لذلك سيكون هذا المسبار أداة لعودة الاتزان إلى اهتمامات الشباب، وسيكون نافذة عربية لآفاق جديدة ومنصة قائدة في مجاله على نطاق دول العالم النامي.

ويحمل “مسبار الأمل”، الذي يصل وزنه إلى 1350 كيلوغراما، وهو بحجم سيارة رباعية الدفع تقريبا، على متنه ثلاثة أجهزة علمية مبتكرة، قادرة على نقل صورة شاملة عن مناخ المريخ وطبقات غلافه الجوي المختلفة، مما يمنح المجتمع العلمي العالمي فهما أعمق للتغيرات المناخية التي يشهدها الكوكب الأحمر ودراسة أسباب تآكل غلافه الجوي.

وخلاصة القول، إن الامارات التي أرسلت عام 2019 إلى محطة الفضاء الدولية رائد الفضاء هزاع المنصوري الذي يعتبر أول عربي ضمن طاقم المحطة، استطاعت جعل “مسبار الأمل”، الذي أرسل في الرابع عشر من فبراير أول صورة التقطها للكوكب الأحمر، منصة انطلاق لبناء اقتصاد قائم على المعرفة والابتكار والذكاء الاصطناعي وتعزيز مسار التنويع في الاقتصاد الإماراتي من أجل رفع التحديات التي يحفل بها القرن الـ21 في شتى المجالات، لا سيما العلمية والتقنية منها.

hespress.com