بعد فشل الحوار مع الجهات المسؤولة، تتوجّه مجموعة من الهيئات المدنية إلى رفع دعوى قضائية مستعجلة بالمحكمة الإدارية بالرباط، ضدّ مشروع مركز لتكرير النّفايات يثير مخاوف جمّة على صحّة المواطنين، والموارد الطبيعية للمدينة، ومستقبلها العُمرانيّ، خاصّة أنّ المسافة الفاصلة بينه وبين حيّ من أحيائها (حيّ الفتح) لا تتجاوز مائتي متر.

ومن المرتقب أن تسائل هذه الدّعوى طبيعة المشروع وتنظيمه، ورئيس مجموعة الجماعات الترابية وممثّل الوزارة المكلَّفَة بالبيئة، ومسألة عدم إشراك المجتمع المدني، وفق ما ينصّ عليه البند 12 في الدستور الذي ينصّ على إسهام الجمعيات والمنظمات غير الحكومية في إعداد قراراتٍ ومشاريع لدى المؤسّسات المنتخبَة والسّلطات العموميّة، وتفعيلها وتقييمها، في إطار الديمقراطية التّشاركيّة.

ويأتي هذا التوجّه إلى المحكمة الإدارية بعدما مُنِع تنظيم مسيرة احتجاجية في اتّجاه مطرح النّفايات الحاليّ، السبت، علما أنّ وقفة احتجاجية شارك فيها بضعة ناشطين حقوقيين قد نُظِّمَت، الجمعة، أمام دار الشّباب بالمدينة، وحُمِلَت فيها لافتات تقول “سيدي يحيى الغرب ليست مزبلة ارحلوا أهلكتم البلاد والعباد”، ونادت بتنحية رئيس مجموعة الجماعات ومن معه.

ويقول صالح عين الناس، ناشط جمعويّ بسيدي يحيى الغرب، إنّ منع الوقفة قد جاء كتابيا أوّلا برسائل من الباشوية، توصّل بها من أمضوا مراسلة إشعار السّلطة بالشّكل الاحتجاجي، ثم زاد: “ولكنّ الجمعيات عزمت على الخروج، قائلة إنّ من حقّها الاحتجاج”.

ويضيف المتحدّث في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية: “مجموعة من الفعاليات كانت سائرة في اتجاه مطرح النّفايات، وحوصرت انطلاقة المسيرة الاحتجاجية، بحضور جحافل الأمن، واستفزازات من السلطة المحلية بأسلوب الإهانة (…) وتقبّلنا الأمور بسبب ظروف الجائحة، وانسحبنا بكلّ هدوء، وسجَّلنا الموقف، ووصلت الرسالة”.

وعن الوقفة المنظّمة، يوم الجمعة الماضي، يقول المتحدّث إنّ بعض الفاعلين الحقوقيين قد حملوا لافتات خارج مكان تنظيم “لقاء تواصلي نظَّمَته مجموع الجماعات الترابية، والداخلية، ومجلس الجماعات الترابية، مع الساكنة”، وزاد شارحا: “هو لقاء غير رسميّ وغير مفتوح، لأنّه نُظِّمَ دون إعلان، ودون حضور المنابر الإعلامية المعتمدة، ممّا يعني أنّه كان مُكَوْلَسا لإطفاء غضب الساكنة، بدعوة البعض، ولكن علم به آخرون فحضروا، وكان لقاء صمّ وبكم، لم يخرجوا منه بمحضر أو مُخرَجات”.

وليس مشكل النّفايات جديدا بمدينة سيدي يحيى الغرب، بل سبق أن نقلت جريدة هسبريس الإلكترونية، في سنة 2018، استنكار السّاكنة المتكرِّر لحرق النفايات بمطرح نفايات عشوائي على بعد مائتي متر من المدينة.

وأقرّ بهذا بيان توضيحي لمجموعة الجماعات الترابية بإقليم سيدي سليمان اعتبر “المطرح الحالي لسيدي يحيى الغرب، الذي يتجاوز عمره 30 سنة، مصدرا لتلوُّث المحيط البيئي، ومرتعا لانتشار الجرذان والحشرات الضّارّة، ويشوّه المنظر العامّ”. وقد ربط البيان هذا المشروع بحلّ إشكالات المطرح، قائلا إنّه “مركز ترحيل” لا يعني “تحويل وتخزين النفايات ولا تكديسَها، إنّما يقصد به عملية الجمع لمدّة لا تتجاوز 12 ساعة، ثمّ النّقل إلى المطرح الإقليميّ المراقَب، الذي يوجد خارج تراب جماعة سيدي يحيى الغرب””.

وسبق أن استنكرت هيئات مدنية، مثل جمعية “الأمل لمستقبل بدون صفيح وبيئة نظيفة” و”جمعية الدفاع عن حقوق الإنسان – فرع سيدي يحيى”، “محاولة وضع هذا المشروع المفاجئ خلال هذه الفترة، حيث تعجز السّاكنة عن الخروج للتّعبير عن رفضها”، بسبب التدابير التي فرضتها السّلطات العمومية لمواجهة جائحة “كورونا”، ودعت إلى “التدخّل السريع” لمنعه، مسلِّطَة الضّوء على تجاهل الجماعات الترابية “ما ينطوي عليه من أضرار ومخاطر على المواطن اليحياوي، وموارد سيدي يحيى الطّبيعية”، بسبب “تسرّب الموادّ السّامّة إلى باطن الأرض، ممّا يعني القضاء على الفرشة المائيّة، والقضاء على زحف المدينة مستقبَلا”.

ولم يقتصر الاستنكار على المشهد الحقوقيّ بالمدينة؛ بل تحدّثت هيئات، مثل “ودادية الوحدة والتضامن بسيدي يحيى الغرب”، باستياء كبير عن خبر إنشاء مركز تحويل للنّفايات “بينما كانت الساكنة تمنّي النّفس بإزالة المطرح العشوائي، الذي يشَوِّه جماليّة المدينة، والأضرار التي يسبِّبُها على المستوى الصحي للساكنة، والمستوى الإيكولوجي”.

كما رفضت جمعيات مهنية مثل الجمعية المهنية لبقالة سيدي يحيى الغرب “إنشاء مركز تحويل النّفايات الجاريةِ أشغالُه على مشارف المدينة”. وطالبت “جميع المسؤولين، كل من موقعه، بالتّدخّل الفوريّ لإيقاف الأشغال وتقدير تخوّفات السّاكنة من هذا الخطر البيئي”.

وتكتّلت هيئات حقوقية ونقابية وتعليمية، في بيان استنكاريّ مشترَك ضد “الخروقات التي ترافق “تهيئة” مطرح النفايات العشوائي، ومخاطِرِه البيئية والصحية والتنمويّة على مدينة سيدي يحيى الغرب”، دعت فيه الجهات المسؤولية إلى “فتح حوار جدّيّ تلتزم فيه السّلطة بمبادئ الحياد الإيجابيّ”، ونادت بـ”إنقاذ مدينة سيدي يحيى الغرب من مخاطر وأضرار هذا المشروع الفاشل، المخالفِ، من حيث صياغته، لأنظمة الحكامة بتغييب البعد التّشاركيّ، وعدم احتكامِه للدّراسات العلمية والتقنية الدّقيقة، وعدم مراعاته للشّروط القانونية والمعايير البيئية لتدبير النّفايات والتّخلّص منها بشكل مندمج ومستدام”.

ومن بين الهيئات الموقّعة على هذا البيان المشترَك الجمعية المغربية لتربية الشبيبة، والجمعية الوطنية لحملة الشّهادات المعطَّلين بالمغرب، والاتحاد المحلي للكونفدرالية الديمقراطية للشّغل، والفيدرالية الديمقراطية للشّغل، والاتحاد المغربي للشّغل، وجمعية أستاذات وأساتذة مواد الاجتماعيات بإقليم سيدي سليمان، والجمعية المغربية لحقوق الإنسان فرع سيدي يحيى الغرب.

ويقول الفاعل الجمعويّ صالح عين الناس، في تصريحه لـهسبريس، إنّ الجهات المسؤولة بالمدينة لم تُجِب بعد عن مدى بُعْدِ المطرح عن الساكنة، وما قاله مكتب الدراسات فيه، ويزيد أنّه مع العمل على تحسيس السّاكنة بخطورة هذا المشروع، والعمل من أجل ترافع محامين أمام المحكمة الإدارية، ستسمرّ الفعاليّات المدنية في “أشكال ترافعية سلمية”، بما أنّ ظروف “كورونا” لا تسمح بالاحتجاج.

ويسترسل الفاعل المدنيّ مشدّدا: “لا رجوع عن ملفّ البيئة بسيدي يحيى الغرب، وخاصّة إبعاد مركز تحويل النفايات عن المدينة، وإقامته خارج المدار الحضري”، قبل أن يجمل قائلا: “نحن مع المشروع؛ لكنّه يجب أن يكون خارج المدار الحضريّ، مع البحث عن جماعات ترابية يمكنها القبول بهذا”.

hespress.com