داخل ورشته الصغيرة المتواجدة بين الدروب الضيقة لحي العشابين بمدينة فاس العتيقة، والتي اختار لها اسم “ورشة الأندلس”؛ انهمك عثمان العلمي، عازف وأستاذ آلة القانون بالمعهد الموسيقي في مدينة فاس وأول صانع لهذه الآلة الموسيقية بالمغرب، في إضافة اللمسات الأخيرة على آلة قانون من صنع يديه قبل أن تصبح جاهزة للعزف.

“تعلمت العزف على آلة القانون على يد الأستاذ مولاي إدريس الوزاني بالمعهد البلدي في مدينة مكناس، وبعد توظيفي أستاذا للموسيقى بوزارة الثقافة وتعييني بالمعهد الموسيقي في مدينة فاس، أدخلت، لأول مرة، إلى هذه المؤسسة تدريس العزف على آلة القانون بالطريقة الأكاديمية”، يورد العلمي البالغ من العمر 42 سنة.

شغف عثمان العلمي بآلة القانون وغياب صناعتها بالمغرب عاملان دفعاه، سنة 2005، إلى التفكير في صناعة هذه الآلة الموسيقية بأنامل مغربية، وهو الذي تمكن من سبر أغوارها بعد سنوات من صيانته للأعطاب التي كانت تصيب آلات القانون لعازفين أو طلبة بالمعهد الموسيقي في مدينة فاس، ليبادر إلى تأسيس ورشة متخصصة في صناعة هذه الآلة سماها: “ورشة الأندلس لصناعة آلة القانون”.

“ورشة الأندلس هي الورشة الأولى والوحيدة لصناعة آلة القانون بالمغرب”، يقول العلمي مبرزا، في حديثه مع هسبريس، أنه بمجهوده العصامي والفردي تمكن، بعد 10 سنوات على تأسيس ورشته، من صناعة أول آلة قانون ببصمة مغربية.

ويضيف: “آلة القانون محبوبة عند الجميع، نغما وشكلا، وهي آلة طربية لها مساحة صوتية جميلة، قال عنها مخترعها أبو نصر الفرابي إنها تضحك وتبكي وتنوم، وهي تتكون من الصندوق الصوتي المصنوع من جلد الماعز أو السمك، ومن الجسور الداخلية، ومن وجه وظهر وشمسيات، ومسطرة العزف، ومفاتيح، ومفتاح نحاسي لتسوية الأوتار”.

وعن الخشب الذي يستعمله العلمي في صناعة آلة القانون، أكد أنه يفضل استعمال الخشب الذي مصدره غابات المغرب، مشيرا إلى أن القطع النحاسية المستعملة في العزف على آلة القانون، كالريشة والكستبان الذي يوضع في الأصابع للضرب على أوتار القانون، ومفتاح تهيئة الأوتار، والقطع النحاسية التي تسند إليها الأوتار والمسماة بالعربات، يصنعها جميعها بمدينة بفاس.

وعن مدى الترحيب بما يصنعه من آلات القانون بالسوق المغربية، قال العلمي إنها لاقت استحسانا وإعجابا من طرف العازفين، مبرزا أنه بالإضافة إلى الإقبال على منتوجه من طرف طلبة المعاهد الموسيقية بمختلف المدن المغربية، أصبح القانون المغربي المصنوع في ورشته يحظى بالطلب من عازفين من عدد من الدول العربية، مثل العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة.

ويضيف عثمان العلمي: “هناك مدارس مختلفة في العزف وصناعة القانون؛ حيث نجد القانون التركي، والسوري، والإيراني، والأرميني، والمصري. إن طموحي تأسيس مدرسة مغربية في صناعة آلة القانون والعزف عليه، وأنا بصدد تجسيد هذه الفكرة على أرض الواقع”.

متحدث الجريدة أوضح أنه بعد أن كان الشباب المغاربة مندهشين ومتخوفين من تعلم العزف على آلة القانون، أصبحوا، خلال الخمس سنوات الأخيرة، يقبلون على تعلم العزف على هذه الآلة، مشيرا إلى أنه لتشجيع المغاربة على ذلك، تم تأسيس “دار القانون” بمدينة فاس، التي نظمت أياما دراسية تحت شعار “أجي تقيس القانون”، وذلك “قصد تكسير حاجز الخوف تجاه هذه الآلة”، بتعبير صانع ومعلم العزف على آلة القانون بمدينة فاس.

“أقول لمحبي آلة القانون، سواء كانوا من كبار السن أو من الصغار، أن تعلم العزف على هذه الآلة ليس بالشيء المستحيل؛ لقد وضعنا على المستوى البيداغوجي مناهج جديدة تساعد على تعلم الجمل الموسيقية في وقت معقول، كما أننا جعلنا سعر آلة القانون في المتناول”، يوضح العلمي.

ويختم المتحدث عينه لقاءه مع هسبريس مؤكدا أنه يعمل على نقل آلة القانون من الأغنية الطربية والطرب الأندلسي والغرناطي والملحون إلى مختلف أنماط الفنون الشعبية والتراثية المغربية، مثل الطقطوقة الجبلية، والحضرة الشفشاونية، والموسيقى الحسانية، والتراث الموسيقي السوسي والريفي.

hespress.com