قصد “صياغة أفق عملي” لاشتغال الهيئة الأكاديمية العليا للترجمة، التي صارت من بين الأجهزة العلمية لأكاديمية المملكة المغربية، اجتمع أكاديميون ومفكرون ومترجمون في إطار ورشة للتفكير حول الترجمة.
جاء ذلك في إطار إعادة تنظيم أكاديمية المملكة المغربية، بعدما صدر في الجريدة الرسمية قانونها الجديد الذي نص على إنشاء الهيئة الأكاديمية العليا للترجمة بوصفها جهازا من الأجهزة العلمية للأكاديمية، تناط به “مهمة تشجيع أعمال الترجمة بالمملكة وخارجها، بين اللغة العربية أو اللغة الأمازيغية واللغات العالمية الأخرى، والعمل على دعمها وتحفيزها وتوسيع نطاقها”، عن طريق ترجمة المؤلفات والأبحاث العلمية المرجعية الأصيلة، من قِبلها أو تحت إشرافها، وعبر تشجيع البحث العلمي في قضايا علم الترجمة وتطبيقاته، والعمل على تنميته وتطويره، بتنسيق مع الهيئات والمؤسسات العلمية المتخصصة، الدولية أو الأجنبية أو الوطنية.
ومن بين ما نوقش في ورشة التفكير حول الترجمة، التي احتضنها مقر أكاديمية المملكة المغربية بالرباط، الخميس، التصور العام المتعين وضعه لمشروع الهيئة العليا للترجمة بالنظر إلى السياسات الكبرى للبلاد، والمجالات المعرفية التي يمكن نقلها إلى اللغات الوطنية، وما سيُترجم، وكيف يمكن أن يكون ذا جودة، وتموقع الهيئة في سياق المؤسسات القائمة محليا وعربيا، وما يرتبط بالفئات المستهدفة من الترجمة وصيغ النشر والتوزيع والتواصل حول ما نشر.
وشاركت في هذه الورشة، التي سيرها الأكاديمي نور الدين أفاية، أسماء بارزة في مجال البحث في الفلسفة والعلوم الإنسانية والترجمة، وهي: عبد السلام بنعبد العالي، سعيد بنكراد، خالد بن الصغير، محمد الشيخ، محمد الصغير جنجار، عبد الفتاح الحجمري، الحسين مجاهد.
وفي افتتاح أشغال الورشة، قال عبد الجليل لحجمري، أمين السر الدائم لأكاديمية المملكة المغربية، إن الهندسة المؤسسية الجديدة لأكاديمية المملكة المغربية قد أتت بإحداث الهيئة العليا للترجمة “بهدف تجاوز وضعية الممارسة الترجمية في بلادنا، وتطوير هذا الحقل الإبداعي، ومنحه ما يلزم من شروط النهوض به”.
كما تقصد هذه الهيئة، وفق لحجمري، الإسهام العمومي في “نشر المعارف الجديدة، وتقريبها إلى أكبر عدد ممكن من القراء والطلبة والباحثين وعموم الناس”.
ومع الانكباب الأساسي للهيئة على نقل الكتب والنصوص “المرجعية الأصيلة” من اللغات الوطنية وإليها، نبه أمين السر الدائم لأكاديمية المملكة إلى أن “القراءة المعمقة للقانون تبين أنه لا يمكن الاقتصار حصريا على أمهات الكتب التي يتواطأ المختصون على اعتبارها (مرجعية) و(أصيلة)”.
وزاد أمين السر الدائم شارحا بأن “المادة 40 من القانون تفصل، بشكل أكبر، مهام الهيئة العليا للترجمة، بحكم إشارتها إلى (مجالات العلوم والفكر والثقافة والتراث والحضارة)، بعامة، سواء أنجزت الأكاديمية هذه الترجمات أو أشرفت عليها أو دعّمتها”.
واستحضر لحجمري دراسات تبين أن “المنتوج الترجمي في المغرب يبقى ضعيفا قياسا إلى ما تنجزه بلدان عربية أخرى؛ فضلا عن أن الكتب المترجمة تبقى ضئيلة مقارنة مع الكتب المؤلفة”، علما أن “مجموع ما يترجم من كتب ونصوص تغلب عليه المواضيع الأدبية، تليها مجالات العلوم الإنسانية والاجتماعية، فضلا عن طغيان لغة واحدة يترجم عنها”.
وذكر المتحدث بأن “أعمال الترجمة لم تكن يوما مجرد نقل من لغة إلى أخرى”، بل هي “انخراط في حركية الأفكار والعالم”، تشكل في العمق “فعلا تثاقفيا، ورهانا في مسار تاريخ الفكر الإنساني”. واستحضر في هذا السياق الحاجة إلى اعتبار الترجمة “فرصة للذهاب إلى ديار بعيدة حيث نرى أنفسنا من هناك”، بتعبير الفيلسوفة عضو الأكاديمية الفرنسية باربارا كاسان.
ومن أجل “رفع هذا التحدي الكبير”، قال أمين السر الدائم لأكاديمية المملكة المغربية عبد الجليل لحجمري إن الأكاديمية تعول في هذا النشاط الافتتاحي الأولي “على خبرة المترجمين المغاربة، وعلى تجربتهم التي فرضت نفسها في العالم العربي، لمواكبة انطلاقة هذه الهيئة، والمساهمة في تعيين توجهاتها واقتراح ما يبدو لهم كفيلا بإنجاح مهمتها”.