على بعد ستة أشهر من المؤتمر السادس والعشرين للأطراف في الاتفاقية الإطار للأمم المتحدة حول التغيرات المناخية (كوب 26)، المقرر عقده في مدينة غلاسكو باسكتلندا، عاش العالم على وقع شهر “مناخي” بامتياز، إذ كان شهر أبريل غنيا بالأنشطة المناخية البارزة.
فبين تصريحات ووعود رؤساء الدول والمسؤولين، وأخبار عن ناقلات نفط متهمة بـ”الخداع”، وشركات تعلن إستراتيجياتها المناخية، وأخبار من هنا وهناك، قدم شهر أبريل طبقا دسما لمتتبعي المستجدات البيئية.
وعلى ما يبدو، يعتبر الشهر الماضي الأكثر كثافة خلال سنة 2021 من حيث النشاط المناخي، واغتنمت الصحافة العالمية هذه الفرصة لتأثيث صفحاتها بباقة من الأخبار حول “المناخ والبيئة”، التي هيمنت عليها لفترة طويلة تطورات فيروس كورونا المستجد.
وشكلت القمة الافتراضية التي نظمها الرئيس الأمريكي جو بايدن حول تغير المناخ الحدث الأبرز خلال الشهر الماضي، واعتبرها الأمين العام للأمم المتحدة بمثابة “نقطة تحول” في مجال مكافحة الاحتباس الحراري.
وخلال هذه القمة، التي وصفتها صحيفة “نيويورك تايمز” بأنها “اختبار كبير للسلطة الأمريكية”، أعلن بايدن القطيعة مع حقبة التشكيك في تغير المناخ التي طبعت الفترة الرئاسية لسلفه دونالد ترامب، من خلال التعهد بخفض انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري من 50 إلى 52 في المائة بحلول سنة 2030 مقارنة بسنة 2005.
وبالنسبة لصحيفة “الغارديان” البريطانية، فقد نجح بايدن، بهذا الإعلان الجريء، أي مضاعفة هدف تخفيض الانبعاثات بالولايات المتحدة، في اجتياز “اختبار مصداقية” بلاده، وشكل عودة ثاني ملوث في العالم إلى الجهود المناخية.
ومكن إعلان الرئيس الديمقراطي، الذي لقي ترحيب المجتمع الدولي، من خلق جو من “الارتياح العام”. كما أعقبت ذلك سلسلة من التصريحات من القوى العظمى التي كانت حاضرة في هذه القمة عن بعد، عبر تقنية الفيديو.
وهكذا، جدد الرئيس الصيني، شي جينبينغ، التأكيد على هدف تحييد الكربون في الصين بحلول سنة 2060، في حين أكد نظيره الروسي فلاديمير بوتين أن بلاده تنفذ “بمسؤولية (…) التزاماتها الدولية”.
أما الاتحاد الأوروبي فقد توصل إلى اتفاق بشأن التخفيض بنسبة 55 في المائة على الأقل لانبعاثات الغازات الدفيئة بحلول 2030 مقارنة بالمستوى المسجل سنة 1990.
من جانبه، تعهد رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو بتخفيض هذه الانبعاثات من 40 إلى 45 في المائة بحلول 2030 مقارنة بسنة 2005، بينما أعلن نظيره الياباني يوشيهيدي سوغا أن اليابان ستخفض انبعاثاتها من ثاني أكسيد الكربون بنسبة 46 في المائة بحلول 2030 مقارنة بسنة 2013، مقابل هدف سابق حدد في 26 في المائة.
أما رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون فكشف عن طموحات لندن بشأن المناخ، معلنا عن تخفيض بنسبة 78 في المائة في انبعاثات الغازات الدفيئة بحلول سنة 2035 مقارنة بالمستويات المسجلة خلال 1990.
من جهته، أعلن الرئيس البرازيلي جايير بولسونارو أنه يهدف إلى تحييد الكربون بحلول 2050، أي قبل عشر سنوات من الهدف الذي سطرته بلاده سابقا، كما اعترف بالحاجة إلى “تحسين حياة 23 مليون برازيلي يعيشون في الأمازون”، مع ضرورة مراعاة “مصالح السكان الأصليين والمجتمعات التقليدية”.
من جانبها، أكدت كوريا الجنوبية أنها ستتوقف عن تمويل محطات الطاقة التي تعمل بالفحم في الخارج.
وبالإضافة إلى تصريحات بايدن المثيرة للاهتمام، وموقف بولسونارو التصالحي، وصرخات الناشطة البيئية السويدية غريتا ثونبرغ، فإن شهر أبريل شكل أيضا شهر الإستراتيجيات المناخية التي تروج لها الشركات.
كما أن البعد البيئي كان حاضرا بقوة في خطابات بعض المتنافسين في الانتخابات، على غرار ماركوس سودر، مرشح المحافظين لخلافة أنجيلا ميركل في ألمانيا.
وكان شهر أبريل غنيا أيضا بالقوانين والمبادرات، مثل إقرار جريمة “الإبادة البيئية” التي تدين التلويث المتعمد للماء والهواء والتربة، بالإضافة إلى القوائم النباتية في مقاصف المدارس التي اعتمدتها الجمعية الوطنية في فرنسا.
من جانب آخر، استمتع القراء بتحليل الدراسات الموضوعية التي كانت غزيرة في أبريل، من بينها دراسة أثبتت مقاومة أحد أنواع القهوة لتغير المناخ.
على صعيد آخر، قدم نمساوي مصاب بتصلب الأنسجة شكوى ضد بلاده لفشلها في حمايته من تغير المناخ.
وفي النهاية يبقى السؤال المطروح، هل ستكون الأشهر القليلة المقبلة غنية بالأنشطة على غرار أبريل؟ لا شيء مؤكد حتى الآن، غير أن المؤكد أن الطريق إلى غلاسكو (من 1 إلى 12 نونبر 2021) يتطلب الكثير من الالتزام والصبر لتحقيق أهداف اتفاق باريس للمناخ.