الأربعاء 12 ماي 2021 – 22:46
لا يمكن ونحن نعيش اللحظات الروحانية الأخيرة من شهر رمضان الفضيل ونشارك في الاحتفال باليوم العالمي للتمريض إلا أن نقف وقفة تقدير وإجلال خاصة للممرضين جميعهم في يومهم العالمي هذا للتمريض. فالعالم يحتاجهم في الرخاء كما في الشدة. قبل ثلاث سنوات كانت منظمة الصحة العالمية قالت إن العالم يحتاج نحو 6 ملايين ممرض وممرضة جدد، وقد ظهرت مدى الحاجة إليهم عندما ضربت جائحة كورونا قبل أكثر من سنة. الهدف الثالث من أهداف التنمية المستدامة التي تسعى الأمم المتحدة لتحقيقها مع 2030 هو ضمان الرفاه الصحي لسكان الأرض في مختلف أعمارهم، وذلك لن يتحقق دون وجود عدد كافٍ كفؤ من الممرضين.
ولن يكون تحقيق هذا الهدف سهل المنال، بل إنه محفوف بتحديات عدة، منها أن واحداً من كل 6 ممرضين سيبلغ سن التقاعد بعد 10 سنوات من الآن، مما يحتم زيادة خريجي التمريض في الدول التي تعاني خصاصاً في الممرضين بما لا يقل عن 8% سنوياً. على وزارة الصحة والتعليم والعمل والمالية إذن في كل بلد تحفيز الشباب على اختيار مهنة التمريض عبر زيادة رواتب الممرضين وتحسين ظروف عملهم وتطوير كليات التمريض لجعلها تقدم تدريبات عصرية على استخدام التكنولوجيات الحديثة وأبرزها الروبوتات والذكاء الاصطناعي وأيضاً على تعزيز البعد التعاطفي الإنساني، فضلاً عن جعل نسبة من الممرضين يتلقون تكوينات في لغة الإشارة ولغات كل مجتمع محلي لتكون خدماتهم دامجة وقادرة على تلبية حاجات الجميع دون تمييز.
ولا بد كذلك من زيادة تخصصات الممرضين العاملين على رعاية أصحاب الأمراض النفسية والعقلية والسلوكية والإدراكية. كما يجدر التركيز على توافر الأخلاق العالية في مرشحي برامج التمريض حتى يكونوا جديرين بوصف “ملائكة الرحمة” التي نطلقها عليهم مجازياً تعبيراً عن دور تعاملهم الرحيم في تعافي المريض البدني والنفسي. فالممرض والممرضة يُتوقع منهم التحلي بالرقة والأمانة في التعامل مع المرضى، وعدم التأخر في تلبية مطالبهم وذلك حتى يطمئن أهل المريض بأن مريضهم في أيدٍ أمينة. وعلى الإعلام أيضاً الاضطلاع بدور أكبر في تسليط الضوء على قصص التميز والإبداع في صفوف الممرضين، والأمر نفسه مطلوب من صناع السينما والتلفزيون الذين عليهم تناول مهنة التمريض وجوانبها المضيئة على مدار العام وليس بشكل مناسباتي من أجل صنع القدوة والصورة الذهنية المؤثرة التي من شأنها تشجيع الشباب على اختيار مهنة التمريض. كما يتعين وجود أطر التكوين المستمر والتشريع المحيَّن حتى يظل الممرضون مواكبين لكل مستجدات التمريض، هذا فضلاً عن وجود هيئات محلية وإقليمية ووطنية لحماية حقوق الممرضين ومنع ولوج أي متطفلين غير مؤهلين هذه المهنة النبيلة ولاتخاذ الإجراءات اللازمة ضد أي ممارسة تنتهك أخلاقيات مهنة التمريض، وبذلك يتسنى حفظ حقوق مقدم الرعاية الصحية من جهة (طبيب، ممرض، …) وصون حقوق مستهلك الخدمة الصحية (المريض والمريضة) عبر التفعيل العملي لقابلية المحاسبة والمساءلة عند الخطأ العمد أو التقصيري.
المغرب مقبل على فتح قطاع الصحة أمام الأجانب، ونتمنى أن يكون ذلك في الاتجاه الصحيح ويؤدي ذلك إلى منافسة تفضي إلى رفع جودة الخدمات الصحية والتمريضية في بلدنا الذي ما يزال يقبع للأسف في مراتب متأخرة في قوائم جودة الخدمات الصحية عالمياً. ويحضرني ونحن نتحدث عن قرب انفتاح المغرب على مزودي الرعاية الصحية الأجانب نموذج الفلبين، فهي من أبرز الدول التي نجحت في إنشاء علامة تجارية عالمية في التمريض وصارت لها شبكة دولية للكفاءات التمريضية ودأبت دول متقدمة عدة على الاستعانة بخبراتهم، مثل أمريكا وبريطانيا وألمانيا واليابان وسنغافورة. لا نريد للمغرب أن يصبح بلداً مُصدِّراً للكفاءات التمريضية كما هو حال الفلبين لأننا أولى بها في الوقت الراهن وبسبب اختلاف القطاع الصحي المغربي عن نظيره الفلبيني، فهذا الأخير أصبح مُصدِّراً للكفاءات بسبب عوامل تاريخية كولونيالية، ولكن نريد منه أن يحذو حذوها في زيادة عدد كليات ومدارس التمريض وإنشاء برنامج تدريبي مستمر يجعل الممرضين المغاربة يستفيدون من أحدث برامج التكوين العالمية لإفادة المغاربة منها في المستشفيات والعيادات المغربية، العامة والخاصة على حد سواء. وكل عام وممرضونا وومرضاتنا بخير!