عدد سكان المغرب لا يتعدى 36 مليون نسمة، ومن ثم لا يمكن مقارنته مع دول كبرى مثل الصين والهند اللتين تصلان إلى ما يناهز المليار ونصف المليار نسمة.

هناك، تتحول الكثرة العددية إلى قوة اقتصادية لغزو العالم، لكن المغاربة، مع ذلك، يوجدون في جل أماكن العالم، فهم في الوقت نفسه جزء من أكثر الحلول طلبا وجزء من أكثر المشاكل تعقيدا؛ فعندما أراد الرئيس الأمريكي الجديد جو بايدن تشكيل فريقه الحكومي، كانت الأولوية لليهود الأمريكيين من أصل مغربي، وتداولت الصحافة ما يزيد عن 10 شخصيات مرشحة لتولي مناصب كبرى في الحكومة الأمريكية من أصل مغربي.

وعندما كانت جائحة كورونا تجتاح العالم طولا وعرضا، لم يجد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب سوى العالم المغربي منصف السلاوي لوضعه على رأس المبادرة الأميركية لأجل تطوير لقاح ناجع ضد فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19).

ليس هذا فحسب، فعندما وقع المغرب اتفاقيات للتعاون مع أمريكا وإسرائيل، اكتشفت جل قنوات العالم أن ثلث أعضاء حكومة إسرائيل من أصل مغربي، وربما يكون ثلث الإسرائيليين من اليهود من أصل مغربي لأن عددهم يصل إلى مليونين، بينما عدد الإسرائيليين 9 ملايين نسمة، ومن ثم لا غرابة أن تجد أن وزير الداخلية آرييه مخلوف درعي من مواليد مدينة مكناس المغربية، بينما عمير بيرتس، وزير الاقتصاد والصناعة، مولود في مدينة أبي الجعد.

بل إن بعض “المغاربة” في الحكومة الإسرائيلية يجمعون في تركيبتهم حالات نادرة، فهم جزء من الحل وجزء من العقدة في الوقت نفسه، حيث إن بعضهم ينتمي لأصول مغربية، وولد في فلسطين، ويمارس سلطاته مع حكومة إسرائيل، وبعض المسؤولين الإسرائيليين يقولون “الله يبارك فعمر سيدي”، التي قالها مائير بن شبات في حضرة الملك.

بغض النظر عن “العلامة السلبية”، فالمغاربة بمثابة ماركة مسجلة، يمكن أن تجدهم في كل مكان، وفي كل دين، وفي كل لغة، متعددون في وحدتهم.

لذلك، لا غرابة أن تجدهم من أكثر الفئات قدرة على التعايش مع كافة أنواع البشرية، بل إن حضارة مثل الصين لم تكن لتواصل غزوها لإفريقيا دون المرور عبر البوابة المغربية، حيث يتم الحديث اليوم عن “صينيو المغرب”، وطبعا يمكن ببساطة زيارة “دوار الشينوا” في الغرب للقاء أناس بملامح صينية لكنهم يعيشون بقناعات مغربية، وقد اجتهدت قنوات أجنبية عدة لإنجاز ربورتاجات عن “قرية الفيتناميين في المغرب”، ويقصد بها القرية التي تضم عائلات المغاربة الذين رحلتهم فرنسا إلى فيتنام للمشاركة في حرب “لا ندوشين”، وحتى التاريخ يشهد للمغاربة بأنهم كانوا متميزين عن باقي التجريدات، فمنهم من استمر في الحرب مع القوات الفرنسية، ومنهم من فضل الانصهار في المجتمع الفيتنامي الذي كان يسمى “الهند الصينية”.

وفي فرنسا، وبينما كان العالم بالكاد يستوعب حجم الجائحة، حيث كان الجميع يحاول البحث عن دواء لكرونا، اكتشف الفرنسيون أن طبيبهم المدافع عن استعمال الكلوروكين لمواجهة كوفيد-19، البروفيسور ديدييه راوول، له فريق من جنسيات عدة، ومرة أخرى كانت المفاجأة هي وجود مغاربة كثر في هذا الفريق، استقبلهم الرئيس ايمانويل ماكرون كما استقبل بقية أعضاء الفريق. ولا أحد كان يتصور أن الطبيب الفرنسي المذكور سيجد نفسه في قلب زوبعة إعلامية مؤخرا، بعدما نسبت إليه تصريحات عنصرية في حق المغاربة واليهود والغجر، عندما قال: “إذا كنت تنظم حفل زفاف، فمن الصعب منع الناس من الرقص في نفس الوقت”، وربما سيعرف راوول فيما بعد أن بعض المغاربة أقاموا حفلات جماعية في عز الجائحة.

في كل شيء يصنعه هذا العالم قد تجدون اسم مواطن مغربي، وحتى ما يقال إنه “صنع في الصين”، فقد تكون له علاقة بيد مغربية، والنموذج من الهواتف النقالة والحواسيب الذكية التي تحتوي على بطاريات الليثيوم، وبراءة اختراعها ستبقى مسجلة تاريخيا باسم عالم مغربي اسمه رشيد اليزمي.

في الأمم المتحدة، في الاتحاد الإفريقي، في وكالة الاستخبارات الأمريكية، في روسيا… دائما قد يكون هناك مغاربة، والماركة المسجلة هي “ولد في المغرب”، من يدري ربما يتجه المغاربة لخلق مفاجأة كبرى في هذا العالم المتسارع، شرط الحفاظ على الوحدة والتضامن.

hespress.com