“كنتَ يا ولدي متوهجا وشامخا أثناء المناقشة الله يحفظك” هكذا جلجل صوت خالتي التي شرحت للحضور بأن التفوق والنبل والألمعية حالة فطرية من صميم تقاليد عائلتنا.

بعد المناقشة حصلت على الدكتوراه بميزة مقبول جدا، حينها عانقتني أمي وذكرتني بماضينا الجميل الممتد في حاضرنا الأجمل وختمت “الحمد لله كانت نبوغك وأنت طفل يبشر بتفوق وأنت رجل رجل”.

بعد هذا الإنجاز قررت الزواج فأوصتني أمي أن تكون زوجتي رشيقة طويلة الشعر وماهرة في الطبخ… حين التقيت بالآنسة المصونة ليلى شعرت أنها ستحقق احلامي، وقعنا في غرام بعضنا من أول ونظرة وقد عبرت لي عما تكنه لي بقلب ملائكي وبنبرة تفخيمية فتفتحت موهبتي كالنرجس وانبلجت روحي الجميلة في طلة أنيقة منذ بدايات حبنا…

تنبأت خطيبتي أني سأكون مصدر سعادتها بفضل عقلانيتي ورزانتي وقلبي الملائكي… أعمل مع أبيها وأكسب المال بفضل حنكتي وكفاءتي، لذلك منذ تعرفت على خطيبتي انطلق مسلسل التفوق والنجاح وصرت قامة علمية واقتنيت كل ما تمنيت وبرزت بين أقراني وفزت بكل شرف. هكذا أنا في عيني نفسي وقد تعلمت أن أحب نفسي قليلا لأنه ليس لدى الآخرين الوقت الكافي ليحبوني.

دامت الخطوبة مدة قصيرة، أربع سنوات حتى تعودت واستأنست أن ليلى تكتب وتأكل بيدها اليسرى، ياليتها خطوبة دامت إلى الأبد لأنها كانت قمة الرومانسية، وحينما قررنا ترسيم الخطوبة تناولنا وجبة رفيعة، قالت حبيبتي أنها تحب الأشياء من حجم صغير قالتها بقلب مرهف وهي عروس نفسها شبعى وكان تصرحها لحظة مؤثرة في شخصيتي المتفتحة والطلائعية.

سأتواضع انا المتألق دوما وأبوح لكم بسري:

أنا الفتى المدلل من طرف الجميع تقع البنات تحت تأثير سحر كلماتي وعواطفي، وجاءت جائزتي على قدر نيتي، فخطيبتي من اسرة عريقة مثلي، صدقوني وأكبر دليل هو أنا، أنا ركيزة العائلة.

وعندما قرأت حبيبتي الستاتو الذي سأنشره بمناسبة خطوبتنا، أظهرت البهجة والسرور والطمأنينة وطلبت مني أن أحذف ثلاثة أرباع ضمير المتكلم المتصل مما كتبته لأن والدها لديه حساسية هذا الضمير… حققت طلبها وقلت لها إني معجب بذكائها. همست لي بفخر:

يا حبيبي أنت فلك مضيء يدور حول نفسه.

للحفاظ على ذلك الذكاء بجانبي نظمت حفل زفاف هائل صرف عليه صهري بسخاء خدمة للوطن، “شكرا صهري لأنه فتحت لي بيتك وجيبك”. كان حفل الزفاف ماتعا في فندق فخم. وكما توقعت دائما حضرت غابة من القلوب البيضاء لذا تدفق عليّ الإعجاب من عيون المدعوين وهم يفترسون البسطيلة.

الحمد لله الذي بفضله وعونه تتم الصالحات.

خلال الحفل التقطت لي صور لا تنسى أبدا، بالمناسبة قضى الفسابكة ليلة بيضاء وهم يتقاسمون صوري البهية ويدعون لي بالرفاه والبنين ويختمون “اللهم احفظ صديقنا من كل شر ومن كل سوء”،

صبيحة الزفاف باركت لنفسي وجاءت أمي ووضعت يدها الكريمة على خدي وعبرت عن سرورها لأن زوجتي ظلت عذراء رغم أربع سنوات خطوبة. أما حماتي طيبة القلب فقد قدمت لي هدية ثمينة أخشى عليها عيون الحساد إن كشفتُها لكم. ودعت لي بالتوفيق في تحمّل ابنتها أنا الذي اجتمع فيّ التفوق والأصل النبيل.

بعد الحفل ركبت أنا وزوجتي سيارتي المرسيديس ذات المقاعد الجلدية البنية… في الطريق إلى الفيلا في حي حسان في الرباط زرت ضريح السلطان محمد الخامس للدعاء له بالرحمة لأنه عين جدي الفاضل سفيرا في برشلونة. جدي الذي أنبتني نباتا حسنا.

في اليوم الأول لشهر العسل برزت مع المدام على شرفة الفيلا نتأمل لقاء نهر أبي رقراق بالمحيط الأطلسي… وهنا التقطت لحيبتي صورة فاتنة، وقد سترت وجهها بوردة حمراء لكي لا تفتن الحساد، نشرت الصورة الموجهة للأعداء الذين يرددون “اللهم ارزقني الزوجة المطيعة” دون أن يتحقق رجاؤهم. علق شرير على الصورة:

“يمدحك فمك وصورتك. ما أبعدك عن الحداثة”.

حذفت خزعبلاته هذا الشيوعي الصدئ فورا وحظرته من خاصية التعليق في صفحتي إلى يوم القيامة، وهناك نتحاسب.

تم القفص بنجاح.

الحمد لله.
حينها تأكدت حبيبتي انها تزوجت فخر الرجال الغيور أنا، قلت لها أن هذه الشهادة الصادقة تفند كل فكرة غريبة وعلقها حاسد حاقد جاحد على عنق صفحته الفايسبوكية… سمعت زوجتي هذا فشعرت بحكة موضعية في الأذن.

عادة تحب حبيبتي منشوراتي الجادة وكلماتي المسقية بالعواطف الصادقة، إنها اللّحْمة التي تجمعنا، لذلك كنت اقرأ لها واقفا كل ستاتو أكتبه فتضحك فتظهر أسناها الصغيرة… استحق ليلى وهذا مصدر مناعة حبنا. كانت طيلة شهر العسل تخاطبني كل صباح: أيها الغالي العزيز الغزير.

كان تفاهمنا فطريا حتى أنها حين تنظر إلي بنصف عين آخذ العبرة سريعا أفهم الرسالة مثل قناص وكلبه، وهذا ما كان يسعد حماتي صاحبة القلب الطيب… كتبت هذا على صفحتي وكنت سباقا لوضع لايك للستاتو الذي كتبته… ثم ضغطت حبيبتي فطريا “جادوغ” على الستاتو بحروف من ذهب وكانت تلك لحظة إنسانية كبرى.

كنت أتحدث بحنكة وكفاءة وهي تضحك من قلبها… في الشهر الثاني حبلت ونشرت الخبر على صفحتي في إطار التنافس الفايسبوكي الفوري، تصول سبابتي على الشاشة الحساسة، ليلى حامل إذن أنا عبقري، لقد قلت لكم قلت لكم… تبعا لتحليلاتي الخاصة فإن توقعاتي صائبة والدليل هو أنا أنا… تصنع سبابتي المعجزات.

كلما صورت حبيبتي لحظة الغروب نشرت صورتها على صفحتي الجذابة، وقد كانت صفحتي الفايسبوكية هي أكبر منجز في حياتي لتكون وسامتي الفريدة مرئية. أنتج ستاتو كل ربع ساعة، وكل ستاتو أكتبه يسجله المَلكان رقيب وعتيد في مجلديهما… للتقرب منهما كتبت أن لكل إنسان ملكين وعدد الملائكة في الهواء ستة عشر مليار ملاك يستهلكون حبرا رهيبا لأنه لا يكتبون رقميا… يسجلون ما يجري في الصفحات… ويعرفون أن صفحتي نورانية ترحب بالجميع ولا تستثني أحدا لأني نقي القلب صافي السريرة لا مكان للطمع والحسد والأهواء والكبرياء في سلوكاتي والدليل أني ارسل لأصدقائي مائة باقة ورد فايسبوكية يوميا. وهذا ليس خسارة جهد فيهم. ومع الورد رسالة ودية أسبوعيا “امدحوني وإلا سأحذفكم”، يحترمون طلبي ويؤكدون أني قيمة إنسانية نضالية مضافة وأني الألف والياء في كل مبادرة محمودة.

سمعت مني زوجتي هذا كل يوم، وفي الشهر السابع من الزواج ظهرت حساسية جلدية على أذنها، أخذتها بسرعة إلى أخصائي في أمراض الأذن، فوجئت أنه يعالج الحنجرة أيضا.

فحص الاخصائي المدام فوجد أنها تعاني من التهاب الأذن الوسطى المزمن. كتب لها وصفة أدوية. كان مرض أذن حبيبتي بمثابة نشرة إنذارية زلزالية وجدانية. وقد حاولت تعلم الصمت لكن فمي لا يطاوعني.
بعد أسبوع من الأدوية رجعنا إلى الأخصائي فاكتشف أن طبلة أذن حبيبتي تعفنت. من هو الشرير الذي دعا علينا بالشر؟

بعد فحوص وتحاليل اتضح أن السبب ليس بيولوجيا. وشرح الأخصائي المشؤوم أن الوضعية تسوء وقد تتسبب في الصمم. في بحث عن سبب المرض وبالصدفة طلب الأخصائي العجوز من حبيبتي أن تسمعه الرسائل الصوتية والتعاليق في هاتفها.

قضى الطبيب ربع ساعة يستمع لرسائلي الصوتية وخلص إلى أن سبب مرض أذن حبيبتي هو المحتوى الضبابي الذي تستقبله أذنها. وأضاف وهو ينظر في عيني أنا:

ـ سيدتي لديك حساسية بسبب كثرة الاستماع لجمل طويلة من ثلاثين كلمة فيها قنطار ضمير المتكلم.

قال لي الطبيب: استمعت لرسائلك الصوتية أنت تتحدث كشاعر مداح قديم.

ابتسمت بسرور فلكمني: المشكل أن حنجرتك لا تعرف الاقتصاد في الكلام.

كشفت ليلى اللئيمة أن ألم أذنها يشتد حين تكون بجانبي في السيارة، وقد تسبب ذلك في إجهاضها وهذا ما حرمني من السلالة الصالحة.

بعد هذا الحدث ساءت علاقتي بزوجتي فصرت أقضي جل وقتي في المقهى وأركز على تطوير صفحتي بسبابتي.

لم أعد أرافق ليلى إلى الطبيب العجوز فطلب مني زيارته لأني سبب التعفن. ذهبت إليه وقال لي:

يا ولدي، ليمدحك عملك لا فمك، يا ولدي قلل ضمير المتكلم وإلا ستتقيح أذن زوجتك.

طلب مني التوقف عن قول جمل فطرية من عشر كلمات وعن استخدام جمل انشائية لأنها مجرد صوت ببغائي يتكرر ولا يقدم معلومات. ابتسمت ابتسامة صادقة موافقة فأضاف الطبيب الذي يعرف النحو أيضا: توقف عن استهلاك التمني والدعاء والقسم والأمر والنهي والنفي والتعجب والمدح والذم والاستثناء…

أضاف الطبيب: عطل زر وجرس الجمل الإنشائية التي تسبب تقيح طبلة الأذن وعمى العين.

لكي أحافظ على مصداقيتي حذفت هذه الجمل من حكايتي هذه لكي لا تصدقوا الطبيب وتصدقونني أنا… وفي نفس الوقت حاولت تعلم الاقتصاد في الأماني والأدعية والتعاليق.

فشلت.

فزود الطبيب المَدام بعقار مضاد للبروباغاندا، عقار يخدر الغدد الصماء…

تأسفت قليلا لأن شخصية محبوبة مثلي تنتج بعض الضجيج. غضبت بسبب الأضرار الجانبية وأمرت المدام العنيدة أن تتوقف عن تناول العقار المضاد للبروباغاندا لكي تصغي إليّ.

بعد أيام رجعنا إلى الطبيب، أي إلى نقطة الصفر، قال لنا أني فشلت في كبح إفراز التعاليق وعليه يحتمل أن يكون التعفن الناتج عن الثرثرة قد مسّ الروح ليلى أيضا، لكن صور السكانير ونتائج التحاليل لا تعرض ما يصيب الروح.

وقفت وسألت الأخصائي المتشائم: ما العمل؟

دمعت عيناه حزنا عليّ لأني أجتر الجمل الإنشائية، وأكد لي شخصيا أن ثرثرتي دمرت روح حبيبتي عبر الاذن، وبما أن لا علاج لإسهال حنجرتي فالدواء الوحيد هو تعقيم لساني الطويل لوقاية أذن كل من كان يسمعني. فورا استدعى الطبيب ممرضين شديدين قيداني وتناول الطبيب المقص وقصد لساني بدون تخديري…

hespress.com