دأبت المرأة عادة على تخليد يومها العالمي احتفاء بما حققته من حقوق ومكتسبات؛ غير أنها اليوم تواجه وطوال سنة كاملة جائحة شرسة، لا تفرق بين الجنس واللون أو العرق والدين…

إن مرحلة “كوفيد-19” العصيبة، التي تمر منها بلادنا وسائر بلدان المعمور، مكنت من التأكيد على أن المرأة قادرة وبكل شجاعة على مواجهة مختلف الأخطار باصطفافها في الصفوف الأمامية إلى جانب الرجل، كطبيبة وممرضة، شرطية وجندية، قائدة ومدرسة، وربة بيت… إما بالسهر على التحسيس والوقاية والعلاج في المستشفيات المدنية والعسكرية التي تم تخصيصها لاستقبال المصابين، أو بتوفير الكمامات وتوزيعها كما فعلت بعض التعاونيات النسوية بالوسط القروي مع بداية انتشار الوباء أو بالمقاولات الصناعية التي تأقلمت بسرعة مع الظروف الجديدة. وسيسجل التاريخ بكل فخر واعتزاز أسماء نساء ضحين بأنفسهن ليل نهار خلال هذه الأزمة. ولقد مكنت هذه الجائحة من تعزيز التلاحم بين الملك والشعب وإذكاء روح التضامن بين النساء والرجال.

وحرصا منه على ضمان سلامة المواطنات والمواطنين والحد من انتشار الوباء، اتخذ المغرب، منذ تسجيل أول حالة في ثاني مارس من السنة المنصرمة، تدابير متعددة وفعالة مرتكزة على مبدأ المساواة وعدم التمييز؛ كإغلاق الحدود، وفرض الحجر الصحي، وتوفير الكمامات ومواد التعقيم، وإغلاق المؤسسات التعليمية واعتماد التعليم عن بعد، ومنع التجمعات، وإحداث صندوق خاص، والتكفل بالرعايا العالقين بالخارج، وتعويض من توقفوا عن العمل…

وفي إطار تفاعل المغرب مع المنتظم الدولي لوضع حد لهذه الأزمة الصحية، شاركت بلادنا في التجارب الأولى للتلقيح، وبذلك كانت من بين الدول الأولى التي استفادت من عملية التلقيح التي أعطى انطلاقتها وأمر بمجانيتها صاحب الجلالة الملك محمد السادس حفظه الله.

إن عملية التلقيح مستمرة بمختلف المكونات الترابية للمملكة، حضرية كانت أم قروية، في أحسن الظروف وبشهادة المنظمة العالمية للصحة، حيث أضحى المغرب يحتل اليوم المرتبة العاشرة في التصنيف العالمي للدول التي استفادت من التلقيح. وقد كان للمرأة دور فعال في إنجاح هذه الحملة التي تعتمد التقنيات الجديدة للإعلام والاتصال، حيث بينت المعطيات التي توصلنا إليها أن الطاقم الصحي الذي يسهر على عمليات التلقيح داخل المراكز المخصصة تشكل فيه النساء الثلتين.

وبالرغم من هول الجائحة خلال الأسابيع الأولى، فقد كان لها وقع إيجابي على العلاقات الاجتماعية، بحيث تقوى التضامن والتآزر، خاصة بين الأزواج بسبب الخوف من المصير المجهول. فحسب معطيات رئاسة النيابة العامة، انخفض عدد المتابعات من أجل العنف ضد النساء عشر مرات، من 1500 متابعة شهريا إلى 148 متابعة، ما بين 20 مارس و20 أبريل 2020؛ غير أنه مع استمرار الجائحة وتمديد الحجر الصحي، طفت على السطح المشاكل العائلية خاصة بالنسبة إلى بعض الأسر الأكثر هشاشة، حيث وجدت المرأة نفسها بين مطرقة متطلبات الرجل وسندان مواكبة الأطفال المجبرين على التعلم عن بعد، ومشاكل الأبناء في سن المراهقة الذين اعتادوا من قبل قضاء جل الأوقات خارج البيت، وكذا رعاية المسنين وذوي الاحتياجات الخاصة… فكانت النتيجة ارتفاع عدد حالات العنف الأسري والاقتصادي والاجتماعي، الذي زاد من تعميق الشرخ الاجتماعي.

لقد شكل وباء “كوفيد -19” مرحلة عصيبة ببلادنا؛ لكنها مكنت من إبراز الدور الريادي للمرأة في المجتمع، مما يحتم ضرورة تفعيل حقوقها الدستورية وما أقرت به الالتزامات الدولية والاتفاقية العالمية لمحاربة كل أشكال التمييز تجاه المرأة لتحقيق عدالة اجتماعية قوامها المناصفة والمساواة.

ولكي تساهم بشكل فعال في التسيير والتدبير واتخاذ القرار، يتحتم إشراك النساء في الإستراتيجيات والسياسات لمواجهة الجائحة؛ لأنهن الأكثر عرضة للأثر الاجتماعي والاقتصادي والسيكولوجي السلبي للوباء. لذلك، يجب الأخذ بعين الاعتبار مقاربة النوع في جميع المحطات ومختلف المستويات.

*دكتورة في الاقتصاد من جامعة ڭرنوبل، متخصصة في النوع الاجتماعي والتنمية الترابية

hespress.com