الغموض الصحي يكتنفُ وضعية المحتجزين الصحراويين في مخيمات تندوف، في ظل التعتيم الإعلامي الذي تمارسه قيادات جبهة “البوليساريو” التي تتستّر على أعداد المصابين بالفيروس التاجي، وكذا إحصائيات الوفيات والحالات الحرجة منذ بداية الجائحة.
ويعيش سكان مخيمات تندوف أوضاعا صحية صعبة، بالإضافة إلى تأزم الأوضاع الغذائية، بالنظر إلى ضعف الإمدادات الدولية الموجهة لهم، بفعل القيود الاحترازية التي فرضتها الجائحة على حركة الطيران؛ فيما تكتفي الجزائر ببعث “طائرات مناسباتية” إلى قيادة “البوليساريو” حينما تشتدّ الاحتجاجات الداخلية.
وتنشغل المنشورات الإعلامية الجزائرية والانفصالية، هذه الأيام، بالتركيز على التطورات المتسارعة التي تعرفها قضية إبراهيم غالي، بينما لا يتم الحديث بتاتاً عن ظروف عيش سكان المخيمات رغم الانعكاسات الوخيمة للجائحة على الحياة المعيشية للمحتجزين.
وفي هذا الإطار، يقول عبد الفتاح الفاتحي، الخبير القانوني في ملف الصحراء، إنه “تم إدراج مخيمات الاحتجاز بتندوف ضمن دائرة المناطق المنسية، أو كمناطق من الدرجة الثانية، لأنها تحاط بحصار إعلامي بسبب التحكم في المعطيات الواردة من هناك، بينما اشتد هذا التعتيم خلال انتشار وباء كورونا في ظل غياب معطيات دقيقة عن الوضع الصحي هناك”.
ويضيف الفاتحي في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية: “لا تتوافر معطيات عن وجود برنامج التطعيم، والإحصائيات المتعلقة به، إلا أن المتاح هو ما رشح من تسريب يحذر من أزمة إنسانية في ظل نقص الدواء، والمعدات، والأطر الطبية، والمواد الأساسية، منها الماء، إذ تتهم الجبهة الانفصالية بتحويل مسار مساعدات إنسانية كانت موجهة إلى هذه المخيمات”.
ويوضح الخبير القانوني أن “مأساة محتجزي تندوف تزداد بتأزم الوضع الاجتماعي بسبب تراجع برامج الدعم الغذائي والاقتصادي وفشل مشاريع الدعم، فضلا عن موجة الجفاف التي كرست نفوق قطعان ماشيتهم، إلى جانب تشديد الحصار على المخيمات من لدن الجيش الجزائري بدعوى مكافحة التهريب”.
ويتابع الفاتحي: “ينتج عن ذلك اندلاع احتجاجات ومظاهرات عنيفة ضد القيادة الانفصالية، التي بدت قبضتها على الساكنة ضعيفة وغير قادرة على التحكم في الوضع. ولم تتوقف الاحتجاجات منذ ما سمتها الجبهة كذبا سنة الحسم 2015، بل كثيرا ما حصلت مواجهات وصلت إلى مرحلة دامية، والآن تطورت الأمور كثيرا، لما بدأت ترفع في الأشهر الأخيرة قضية الشرعية”.
ويوضح الباحث ذاته أن “الأمور تزداد سوءا بعدما اختارت قيادات الجبهة العيش في العواصم الدولية بعيدا عن المشاكل اليومية لمخيمات تندوف؛ وهكذا تتحول المخيمات إلى سجن مريع، ما دفع بشبابها إلى الهجرة أو الالتحاق بجماعات التهريب، أو بالجماعات الإسلامية المسلحة في منطقة الساحل والصحراء، والانخراط في التجارة المحرمة دوليا”.
ويخلص المحلل إلى أن “أحد أكبر المشاكل هو غياب أفق لما بعد اللجوء في التراب الجزائري؛ الأمر الذي عمق المأساة النفسية للمحتجزين، خاصة بعد أن خربت جبهة البوليساريو أي أمل لإيجاد تسوية سياسية لنزاع الصحراء، وكذا بعد أن قررت قيادتها أن تتحول إلى أداة لخدمة الأغراض الإيديولوجية الجزائرية بدل الوفاء لإرادة ساكنة مخيمات تندوف”.