علاقات حذرة بين مدريد والرباط طيلة فترة تجاورهما الجغرافي، تتخلّلها أزمات تصعيدية بين الفينة والأخرى، لكنها تعود إلى منحاها الطبيعي بعد تذويب مكامن الخلافات، في ظل المصالح الاقتصادية والتجارية والأمنية التي تجمع البلدين. غير أن التطور الدبلوماسي الأخير بات يسائل مستقبل التعاون الثنائي في السنوات القادمة.
الجوار الحذر بين البلدين مرده إلى الموقف السلبي للمملكة الإيبيرية من قضية الصحراء المغربية، إذ لم تتقبل مجموعة من الأوساط السياسية الإسبانية بعدُ حدث “المسيرة الخضراء” الذي استرجعت بواسطته الرباط أقاليمها الجنوبية، وهو ما يمكن ملاحظته من خلال التصريحات الدورية لزعماء العديد من التنظيمات الحزبية الإسبانية.
بذلك، دخلت العلاقات السياسية بين البلدين منعطفا جديدا في ظل تراكم المواقف السلبية للجار الشمالي إزاء قضية الوحدة الترابية، لتفجّرها مسألة استقبال إبراهيم غالي، زعيم جبهة “البوليساريو” الانفصالية، من لدن سلطات المملكة الإيبيرية بغرض الاستشفاء بتنسيق سري مع “قصر المرادية”، دون إطلاع المغرب على فحوى الزيارة.
وتحدّثت مجموعة من المنشورات الإعلامية؛ آخرها صحيفة “إلباييس”، عن الرغبة الإسبانية في تجاوز الخلاف السياسي الحالي، ما دفع مدريد إلى الاستعانة ببعض القنوات الدبلوماسية لتقريب وجهات النظر حول الأزمة، أبرزها الدبلوماسية الفرنسية التي تقود وساطة حثيثة لطي صفحة النزاع.
ويرى محمد الغلبزوري، الباحث السياسي المتتبع لتطورات العلاقات المغربية-الإسبانية، أن “الأزمة بين مدريد والرباط تظل مناسباتية رغم اختلاف الحيثيات، ولا يمكن أن تؤدي إلى التصعيد النهائي من الجانبين، لأنها تشبه في جوهرها أزمة جزيرة ليلى سنة 2002”.
ويوضح الغلبزوري، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن “إسبانيا لا يمكنها أن تعيش دون المغرب، وهذا الأخير في حاجة كذلك إلى إسبانيا، نظرا إلى المصالح الاقتصادية والتجارية والأمنية المهمة التي تجمع البلدين”، ليؤكد أن “المصالح تذوّب الخلافات في نهاية المطاف”.
ويبرز الخبير في القانون الدولي أن “إسبانيا بالفعل ارتبكت بشأن استقبال إبراهيم غالي، ما يعكس الموقف الإسباني حول الوحدة الترابية، إلا أن العلاقات بين البلدين ستعود إلى منحاها الطبيعي في آخر المطاف؛ ذلك أن المغرب يعد الشريك الأول لإسبانيا خارج الاتحاد الأوروبي، فيما تُصنف إسبانيا على أنها الشريك التجاري الأول بالنسبة إلى المغرب”.