تبحث مدريد عن صيغة للخروج من “مأزق” استضافة إبراهيم غالي، زعيم جبهة البوليساريو الانفصالية، على أراضيها، بعدما ورّطها مع المغرب؛ ومن بين الخطط الموضوعة ترحيله أو تهريبه إلى الجزائر، كما فعلت إسبانيا مع رئيس المخابرات الفنزويلي السّابق، عام 2019، في سيناريو شبيه بحالة “بن بطوش”.

ولا يبدو أن إسبانيا تسعى إلى حلّ هذا المشكل بطريقة دبلوماسية، فقد اختارت التصعيد مع الرباط، ما أدى إلى تناثر غبار تصريحات غير مسبوقة من الجانب الرسمي الإسباني، بينما يحاول المغرب سلك الطرق الدبلوماسية للحصول على إجابات بشأن “استضافة غالي”.

ومنذ أكثر من شهر، أكدت حكومة مدريد وجود غالي في الأراضي الإسبانية، مبررة ذلك بـ”أسباب إنسانية بحتة” بعد إصابته بفيروس كورونا. وبعد سماع النبأ، أصدرت وزارة الخارجية المغربية بيانا أعرب فيه المغرب عن “أسفه لموقف إسبانيا”.

ويشير المحلل والخبير الأمني محمد الطيار إلى أنه “سبق لإسبانيا أن اتخذت مواقف تتعارض مع قيم الشراكة والتزامات التعاون الإستراتيجي التي تربطها بالدول الأخرى، فقرارها السماح بدخول إبراهيم غالي بهوية مزورة بالتنسيق مع الأمن العسكري الجزائري ليس بالأمر الجديد”.

وسبق لإسبانيا، كما يكشف الطيار لهسبريس، أن نهجت الأسلوب نفسه مع الولايات المتحدة بشأن رئيس جهاز المخابرات الفنزويلي السابق هوغو كارباخال، الذي طالبت وكالة مكافحة المخدرات الفيدرالية الأمريكية بتسليمه أو محاكمته بعد وصوله إلى إسبانيا سنة 2019.

ويعود الطيار إلى هذه الواقعة ليؤكد أن كارباخال كان موضوع رعاية خاصة من جهاز الاستخبارات الإسباني، الذي عمد إلى تهريبه من إسبانيا رغم إلحاح الولايات المتحدة ومطالبتها بمحاكمته طبقا للقانون الدولي واتفاقيات التعاون، “وهرّبه كذلك في خضم متابعة إعلامية محلية ودولية واسعة لقضيته، كما هو الحال اليوم مع قضية إبراهيم غالي”.

لذلك، يضيف المحلل ذاته، “فإن ما يتم الترويج له حول أن وزيرة الخارجية هي التي سمحت بدخول غالي إلى إسبانيا، وأن قرارها انفرادي ولم تستشر غيرها، لا يستقيم ويتنافى مع ما جرت به العادة في هكذا حالات”، وزاد: “دخول غالي محاطا بمرافقين عسكريين جزائريين ونزوله في مطار عسكري إسباني بهوية مزورة يبين أن الأمر في الحقيقة كان حصيلة تنسيق استخباراتي بين جهاز الاستخبارات الإسباني وجهاز الأمن العسكري الجزائري”.

واعتبر المتحدث ذاته أن “رفض إبراهيم غالي توقيع أوراق التوصل بدعوة المحكمة حتى يستشير السفارة الجزائرية بإسبانيا يؤكد أنه مجرد أداة في خدمة الأمن العسكري الجزائري”، مردفا: “كما أكد أيضا بنفسه ارتباط مصيره بمقر السفارة الجزائرية، كأي مواطن جزائري عادي يكون موضوع مذكرة قضائية‎ في الخارج”.

وفي السياق ذاته يشير الطيار إلى أن “تطورات قضية غالي تؤكد أن الأجهزة الإسبانية تحاول أن تجد مخرجا لعودته بدون تقديمه للعدالة الإسبانية، ما يرجح فرضية أنه، وهو الذي كان مجندا في الجيش الإسباني إبان استعمار الأقاليم الجنوبية، ومازال يحتفظ بالجنسية الإسبانية، يقدم خدمات للأمن العسكري الجزائري كما يقدمها في الوقت نفسه للاستخبارات الإسبانية”.

كما قال المحلل ذاته إن “الاستخبارات الإسبانية لا شك أنها حاليا، عرفانا بما قدمه لها غالي من خدمات، تعمل بشتى الطرق لحمايته من المتابعة القضائية‎ رغم العديد من المطالب القانونية الواضحة، كما فعلت مع عميلها رئيس جهاز الاستخبارات الفنزويلية السابق الذي هربته قبل محاكمته، ولم تعط أي أهمية لمطالبة الولايات المتحدة بتقديمه للعدالة”، وخلص إلى أن “فرضية إعلان إسبانيا اختفاء إبراهيم غالى وهروبه من البلاد تبقى واردة كما فعلت مع هوغو بارفاخال”.

hespress.com