بـ”مرارة” الحاضر المتأزّم، يسترجع آلاف المغاربة المرحّلين “قسراً” من الجزائر عام 1975 شريط المعاناة الطّويل والمضني في سبيل نيل اعترافٍ رسميّ يضمّد الجراح ويُنهي أزمة إنسانية طالَ أمدها؛ بينما يصرّ الجانب الجزائري على إنكار “جهارة” التّاريخ وفداحة الجرم وعظم الخطيئة.

في صبيحة يوم 18 دجنبر عام 1975، وبينما كان العالم الإسلاميّ والعربيّ يستعدّانِ للاحتفال بشعيرة عيد الأضحى، طردت السّلطات الجزائرية نحو 45 ألف مغربي، بسبب نزاع الصّحراء؛ وهو القرار كان اتّخذه الرّئيس السّابق هواري بومدين شخصياً، وذاقت من ويلاتهِ أسر عاشت التّشرد وظروفا اجتماعية صعبة جراء الطّرد التعسفي.

وعلى الرّغم من أنّ السّلطات في الجارة الشّرقية تحاول طمسَ الحقائق برفضها تعويض المتضرّرين من قرار التّرحيل، فإنّ حجم المعاناة التي يكابدها هؤلاء المطرودون مازال بارزاً للعيّان، بحيث لا تزال المشاعر والغضب والإحباط ظاهرة في أحاديث المغاربة.

كانت الأحداث التي سبقت قرار “التّرحيل” لا تبشّر بالخير؛ فالعلاقات المغربية الجزائرية لم تكن في أحسن أحوالها، بسبب نزاع “الصّحراء”، الذي دخل منعطفاً حاسماً بعد تنظيم المسيرة الخضراء في 6 نونبر من عام 1975، بينما لم يكن أشدّ المتشائمين يتصوّر أن يدفع هذا المستجدّ السّلطات الجزائرية إلى اتخاذ خطوة “طرد” المغاربة.

هذا الطّرد التّاريخي، الذي شملَ نساء وأطفالاً وشيوخًا، كان بمثابة “رشّ الملح على الجراح القديمة”، وسيزيد من “الهوّة” بين البلدين، بحيث ستبدأ قصص أكثر “مأساة” من التي سبقتها ليتحوّل كلّ هذا إلى صراع مسلّح دام سنوات، دعّمت فيه الجزائر جبهة البّوليساريو؛ بينما تاهت مطالب المطرودين وسط زحمة “الأحداث” وانشغالات الجيران بتفاصيل الحرب.

وقد كانت مشاهد ”نزوح” العائلات المغربية بأطفالها، الذين ولدوا في الجزائر وهم يفترشون الأرض بعدما نصبت لهم السّلطات الخيام عند الحدود، تملأ الصّحف والجرائد العالمية. أكثر من 45 ألف مغربي استقروا بشكل قانوني في الجزائر منذ القرن التاسع عشر طردوا بطريقة وحشية وغير إنسانية.

ولم تشفع مشاركة مغاربة في حرب تحرير الجزائر وفي ثورة نونبر 1954، والتي سقط فيها مئات المجنّدين المغاربة في ميدان الشّرف، في ضمان بقائهم على أرض الجزائر؛ بينما فرّت بعض الأسر الجزائرية للبحث عن ملجأ في المغرب، كما تقول الرّوايات التّاريخية.

ونجح الملك الحسن الثاني في احتواء الأزمة الدبلوماسية بين البلدين، فقد استقبل المغاربة المطرودين بحفاوة كبيرة. في المقابل، أصدرت وزارة الداخلية قرارا سنة 1976 يحث على عدم المساس بأي شخص من الجالية الجزائرية، في ظل الغضب الشعبي الذي كان سائدا آنذاك، متوعدة كل من خالف القانون بالسجن لمدة ستة أشهر.

ومع حلول الذّكرى الـ45 لقرار الحكومة الجزائرية طرد آلاف المواطنين المغاربة المقيمين بصفة شرعية بالتراب الجزائري، ما زال الأفراد الذين طالهم قرار الطرد وذوو حقوقهم يتساءلون مجددا حول هذه الوقائع؛ فقد أكّد التجمع الدولي لدعم العائلات ذات الأصل المغربي المطرودة من الجزائر أنّ “ذوي الحقوق عاشوا مأساة إنسانية”.

وزاد المصدر ذاته: “لقد تم، ابتداء من دجنبر 1975، توزيع كميات ضخمة من المواد الغذائية والخيام والأغطية في مخيمات بالمغرب في أعقاب عمليات الطرد الجماعية التي كان ضحيتها هؤلاء المغاربة المقيمون بالجزائر”، داعياً إلى المساهمة في الوصول إلى الحقيقة وجبر ضرر الضّحايا.

ووجه موقعو البلاغ نداء إلى كل الأشخاص الذين تحركهم مبادئ السلام والعدل، “كي يلتحقوا بنا من أجل تقاسمها وحملها وإيصالها إلى حد الاعتراف بالخروقات الحاصلة، ولتذكير المسؤولين الجزائريين بثقل مسؤولية شاملة تظل ثقيلةً”.

hespress.com