بالرغم من نجاحها في فرض أجندتها السياسية خلال الأشهر الماضية تواجه السلطة الجزائرية شبح المواجهة مجددا مع الشارع في ظل بوادر انتفاضة جوع بسبب ندرة المواد الغذائية والغلاء المشط في أسعار بعضها.
وبدا ذلك واضحا في احتجاجات تفجرت منذ نهاية الأسبوع الماضي وتستمر حتى الآن في ولاية برج باجي مختار (جنوب)، حيث اتهم المحتجون السلطات المحلية بالتقاعس في حلحلة المشكلات التي يواجهونها خاصة ندرة المواد الغذائية.
وبالرغم من أن الولاية الصحراوية الواقعة على بعد 2200 كيلومتر جنوب العاصمة الجزائرية منسية حتى في السابق، إلا أن ما تشهده ينبئ بانتفاضة جياع، لاسيما وأن ندرة المواد الغذائية ظاهرة تشهدها كامل البلاد وباتت تؤرق السلطة، حيث تم قبل أيام تشكيل لجنة برلمانية للتحقيق في الأسباب الكامنة خلفها.
تدهور مستمر
تعكس الاحتجاجات المستمرة التي تعرفها ولاية برج باجي مختار غضبا شعبيا متناميا إزاء تدهور الوضع المعيشي للجزائريين ما قد يُفضي في النهاية إلى تفجّر انتفاضة واسعة النطاق.
[embedded content]
ووجه أعضاء المجلس الشعبي الولائي بيانا إلى مديرية التجارة نشروه أيضاً على مواقع التواصل الاجتماعي تأسّفوا فيه على الوضع المزري الذي آلت إليه الحياة اليومية للمواطن بصفة عامة جرّاء النقص الحاد وندرة المواد الغذائية الضرورية والأساسية، محمّلين المسؤولية لمديرية التجارة باعتبارها المسؤول الأول والمباشر عن هذا القطاع، وناشدوا الرئيس عبدالمجيد تبون التدخل.
وظاهرة الندرة في بعض المواد الاستهلاكية الأساسية باتت تتجدد في الجزائر من حين إلى آخر، وساهمت في تصاعد حالة التململ داخل الشارع الجزائري بشكل لا يستبعد أي انفجار اجتماعي، لاسيما وأن المسألة طالت غالبية المواد الأساسية والثانوية، نتيجة تعمد الحكومة تقليص الواردات دون النظر في الحاجيات الحقيقية للمواطنين خاصة في مجال الأدوية، حيث يفتقد قطاع الصيدلة إلى العشرات من الأدوية بسبب توقيف استيرادها.
ودفع هذا التدهور إدارة الغرفة الثانية للبرلمان (مجلس الأمة) السبت الماضي إلى تشكيل لجنة تحقيق برلمانية تضطلع بمهمة البحث والتقصي في مشاكل الندرة والاحتكار التي طالت بعض المواد ذات الاستهلاك الواسع في مختلف ربوع البلاد، فضلا عن البحث في الأسباب الحقيقية للظاهرة المتجددة في السنوات الأخيرة.
ويبدو أن الغرفة البرلمانية التي بادرت بالتحقيق في الظاهرة لأول مرة خلال العقدين الأخيرين تضع مسألة المضاربة والاحتكار في صدارة الأسباب الحقيقية لظاهرة الندرة، بحسب ما ورد في بيانها الصادر السبت، الأمر الذي يرجح مسبقا الفرضية المذكورة على حساب الفرضيات الأخرى.
وألمح بيان الغرفة التي تهيمن عليها الأحزاب السياسية الموالية للسلطة كجبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي، فضلا عمّا يعرف بـ”الثلث الرئاسي” الذي يعينه رئيس الجمهورية وفق ما يخوله إياه دستور البلاد، إلى أن “روابط مفترضة بين الندرة وبين لوبيات سياسية تستهدف تأليب الشارع على السلطة العمومية”.
استهتار وروايات متضاربة
إمكانية تفجر انتفاضة جوع في الجزائر فرضية يغذيها استهتار السلطات وأيضا تضارب الروايات بشأن حدوث الندرة في بعض المواد الأساسية نفسها.
ولا يزال الشارع الجزائري رهين الروايات المتضاربة تجاه ظاهرة الندرة المتجددة، فالحكومة تتمسك بنظرية المؤامرة وتتهم لوبيات بتأليب السكان على السلطات العمومية، بينما يقدم خبراء ومختصون فرضية تقليص الواردات الذي أدى إلى نقص في تلبية حاجيات المجتمع، بما فيها المواد الأولية التي تدخل في تصنيع مادة الزيت، فضلا عن الأداء الهزيل للحكومة تجاه الأسواق.
وأرجع رئيس الوزراء ووزير المالية أيمن بن عبدالرحمن ندرة بعض المواد الاستهلاكية على غرار مادة زيت المائدة إلى اضطراب في التوزيع، وتعهد في تصريحه الأخير لوسائل إعلام محلية بأن الأمور ستعود إلى نصابها خلال الأيام المقبلة.
وأوضح بن عبدالرحمن أن هذا الخلل جاء “نتيجة الإجراءات التي تقوم بها بعض المصانع نهاية كل سنة مثل عملية الجرد التي تدفع إلى تخفيض وتيرة التوزيع، ولكن الأمور ستعود إلى نصابها خلال الأيام المقبلة”.
وفي تبريره لموجة الغلاء التي تعيشها الأسواق المحلية ذكر بن عبدالرحمن أن “كل المواد الاستهلاكية على المستوى العالمي عرفت زيادة رهيبة في الأسعار نتيجة الظروف المناخية وارتفاع كلفة النقل البحري من الصين إلى أوروبا، وأيضا من أوروبا إلى الجزائر والتي تضاعفت أربع مرات”.
ويرى مراقبون أن ما يمكن اعتباره استهتارا من السلطات وحتى محاولات لاستغفال الجزائريين من خلال الاستنجاد بروايات أثارت موجة من السخرية في السابق قد يفاقم من الوضع.
وكان رزيق قد قال منذ أيام إنه “تم منع الأطفال من شراء زيت المائدة بعد استغلالهم من قبل أطراف للمضاربة”.
وكان الرئيس تبون سبّاقا في إطلاق تصريحات أثارت موجة من السخرية بسبب مشكلات عدة على غرار شح السيولة عندما أرجع ذلك في غشت 2020 إلى “شيخ يبلغ من العمر 109 سنوات قام بسحب أموال مرتين في الأسبوع، ويقولو لك ما كانش (ليس هناك) مؤامرة؟”، في إشارة إلى أن ذلك مؤامرة ضد البلاد.