حقنَ العلماءُ العشرات من الخلايا الجذعية البشرية في أجنة قردة في طور النمو، نتجَ عن ذلك مخلوقات هجينة بقيت على قيد الحياة حتى 20 يوماً ضمن أنابيب المختبر.
و بحسب ما صرَّح به العلماء في تقرير جديد نُشر بتاريخ 15 نيسان/أبريل 2021: “قد تساهم هذه الأجنة الهجينة قرد-إنسان كعينات مختبرية مفيدة في دراسة الأمراض البشرية، والتطور الجنيني، والشيخوخة”.
وبنظرة أقرب على التفاعلات الحاصلة بين الخلايا الحيوانية والبشرية، قد يستطيع العلماء إيجاد وسيلة تساعد الخلايا البشرية على النمو بين الخلايا الحيوانية، وبالأخص القدرة على تنمية أعضاء بشرية في عينات حيوانية حيّة.
يسلطُ هذا النوع من الدراسات الضوءَ على علم الأحياء البشري الذي يتطلب إجراء اختبارات على البشر مما يُصعّب الأمر ويجعله مستحيلاً، وبالطبع، تخلقُ هذه المسوخ العضوية (حيوان-إنسان) اعتباراً أخلاقياً خاصاً بها، ونقصد بالأخص، المدة التي من المفترض أن يُسمح لها بالنمو والتطور.
حاول العلماء قديماً إدخال الخلايا البشرية ضمن أجنة الخنازير، والأغنام لغاية جوهرية، وهي تنمية الأعضاء البشرية ضمن الماشية لاستخدامها لاحقاً في عمليات زرع الأعضاء لدى البشر، ولكن بحسب تقرير Science Magazine فإن قِلة من الخلايا البشرية استطاعت البقاء على قيد الحياة في هذه التجارب.
قد يعود معدل البقايا المتدني هذا بحسب ما ذكر مسؤول الدراسة البحثية خوان كارلوس إيزبيسوا بيلمونتي Juan Carlos Izpisúa Belmonte أستاذ في معهد سالك Salk للدراسات الأحيائية في منطقة لا جولا في ولاية كاليفورنيا في رسالة الكترونية أرسلها لموقع Live Science: “إلى حقيقة كون الخنازير والخراف ذات قرابة جينية بعيدة بالنسبة للبشر بحسب نظرية التطور، ولأن استخدام الباحثين للقرود الأقرب لنا تطورياً قد يحققُ الفائدة العلمية العُظمى لدمج الخلايا الجذعية البشرية في هذا المسخ. إنّ المعلومات التي جُمعت من الأجنة قرد-إنسان تقدمُ لنا أطراف خيوط لفهم كيفية تنمية الخلايا البشرية في حيوانات ذات قرابة بعيدة عن البشر”.
ويقول أليخاندرو دو لوس أنجلوس Alejandro De Los Angeles عالم أحياء وباحث في علم الخلايا الجذعية في كلية الطب بجامعة ييل، والذي لم يشارك في هذه الدراسة البحثية: “في حين أن هذا النوع من الدراسات يحققُ الكثير من التقدم العلمي الفريد من نوعه لكنه بالمقابل يطرح الكثير من الإعتبارات الأخلاقية”، ويضيف في رسالة الكترونية أرسلها لموقع Live Science: “أحد أهم الإعتبارات بخصوص المسوخ إنسان-حيوان هو حدوث “الأنسنة” أو التحول لإنسان، وعلى سبيل المثال قد يكون لهذه المسوخ طبيعة الذكاء البشري، وعلى أية حال لا تنطبق هذه الاعتبارات على التجارب الحالية الجديدة كون هذه الأجنة لم يسمح لها بالنمو والتطور إلا لمدة زمنية محدودة، ولم تُزرع في أي رحم، ولكن سيكون من المهم مناقشة الأبعاد الفعلية والزمنية التي قد تتطور فيها التجارب الجديدة المستقبلية”.
دمج خلايا القرد والإنسان
يجمع العلماء لخلق الأجنة الهجينة قرد-إنسان بويضات من إناث قرود المكاك، واسمها العلمي Cynomolgus (Macaca fascicularis) ثم يقومون بتسريع نضج البويضات حتى تُخصب مع نطاف من ذكر قرد المكاك، بعد ستة أيام تنقسم الخلايا المُخصبة إلى خلايا متعددة، وتتجمع على بعضها مشكلة كرة جوفاء تدعى بالكيسة الأرومية، أثناء الحمل الطبيعي تنغرس هذه الكيسة الأرومية في بطانة الرحم لتنضج وتتطور لاحقاً إلى جنين كامل، ولكن في هذه التجربة ينقل العلماء هذه الأكياس الأرومية إلى أطباق الاختبار، ثم يقومون بإزالة الغلاف المحيط الخاص بها باستخدام الليزر، والذي يدعى بالمنطقة الشفافة، وبطريقة ما تتطور هذه الأكياس الأرومية وكأنها ملتصقة في جدار الرحم، مع إنها في طبق المختبر المخصص لها.
قامَ بعد ذلك الفريقُ بتطبيق تقنية طورها أحد المشاركين الرئيسين في الدراسة وايتسي جي Weizhi Ji وأعضاء مختبره، والتي تُمكنُ أجنة القرود من البقاء على قيد الحياة لمدة 20 يوماً خارج جسم الأم، إذ تتضمن هذه التقنية إجراء تعديلات دقيقة على محلول الزرع المحيط بالخلايا، وبحسب ما قال البروفيسور بيلمونتي: “بالرغم من أن بيئة المختبر لا تماثل تماماً البيئة الحيوية، فإن ذلك لن يؤثر فقط على الخلايا الجنينية للقرد، بل وعلى خلايا المتبرع البشرية أيضاً. بغض النظر عن هذه الإعتبارات لكنه من المدهش كيف تطورت هذه الخلايا لمدة طويلة من الوقت”.
حقنَ العلماء بعد ستة أيام من التخصيب 25 خلية بشرية في كل كيسة أرومية وسُميت هذه الخلايا (الخلايا الجذعية الجينية البشرية المتعددة القدرات الموسعة Extended Pluripotent Stem) واختصاراً (EPS)، والتي تتباين ما بين كونها نسيج جنيني، ونسيج خارج جنيني في الوقت ذاته، والذي يدعم الجنين بتزويده بالغذاء، والتخلص من فضلاته.
تملك جميع الأجنة الآن خلايا بشرية وعددهم 132 جنيناً، وبقي 111 جنيناً فقط ملتصقاً بأطباق المختبر بنجاح، وبقي 103 جنيناً فقط على قيد الحياة حتى 10 أيام بعد التخصيب، ثم تناقص هذا العدد بشكل كبير خلال 15 إلى 19 يوماً إلى ثلاثة أجنة فقط بقيت على قيد الحياة حتى نهاية التجربة.
امتلكَ أكثر من نصف الأجنة خلايا بشرية حتى اليوم التاسع، وثلثهم فقط عاش حتى 13 يوماً، إذ دُمجت هذه الخلايا البشرية ضمن كتلة الكيسة الأرومية الداخلية، والتي هي عبارة عن الكيس المُحي والأمينوسي، وهما جزء من الغلاف المحيط الذي يحمي الجنين، ويساهم في تكوينه، والخلايا الوحيدة التي عاشت لفترة مديدة من الزمن، والتي رُصدت في دراسات سابقة كانت الخلايا البشرية المحقونة ضمن خلايا أجنة الخنزير.
الاعتبارات الأخلاقية
علاوةً على ما فعله الفريق البحثي من تتبع عدد الخلايا الجذعية التي بقيت على قيد الحياة خلال هذه التجربة، قاموا أيضاً بتحليل الجينات التي نُشِطت في المسخ الجنيني أثناء تطوره، وماهية البروتينات الناتجة عنها، جمع الفريق المعلومات ذاتها من أجنة قردة غير مُعدلة لمقارنة اختلاف التعبير الجيني لدى المسوخ الجنينة المددروسة.
يقول البروفيسور بيلمونتي: “رصدَ الباحثون بعض التغييرات الحاصلة عقبَ حقن الخلايا البشرية ضمن خلايا أجنة القردة كما وكأنه هناك تواصل بين كل الخلايا، وبالمقارنة مع أجنة القردة غير المعدلة لاحظنا أن الأجنة الجديدة نَشّطت بعض الجينات التي أَنتجت مجموعة مختلفة من البروتينات، وافترضَ العلماء أن بعض هذه الجينات والبروتينات هي سبب التواصل بين خلايا القرد والإنسان، وأن هذا النوع من التواصل هو سبب طول عمر الخلايا البشرية ضمن هذه الأجنة. إن كان بالإمكان إعادة محاكاة هذه التغيرات الجزيئية على أنواع أخرى مثل الخنازير، سيُطورُ هذا بشكل ملحوظ عملية تنمية النسيج والأعضاء البشرية ضمن الحيوانات”. يتطلع الفريق مستقبلًا لدراسة مسارات هذا التواصل من أجل تحديد أي منها هو المهم في نجاح هذه العملية بحسب ما قال بروفيسور بيلمونتي.
كما كتب هنري غريلي Henry Greely مدير مركز ستانفورد للقانون والعلوم البيولوجية، ونيتا فارهاني Nita Farahany مديرة مبادرة دوك للعلوم والمجتمع في تعليق على الدراسة الجديدة: “عند التفكير بمستقبل الأجنة المسوخ، علينا التفكير أيضاً بالكثير من الاعتبارات العلمية الأخلاقية، إذ إنَّ هذه المسوخ تخلق نوعاً مختلفاً من الإعتبارات بالمقارنة مع عملية زرع الخلايا والأنسجة البشرية ضمن الحيوانات. يستطيع العلماء باستخدام تقنية الزرع الموجّه توقع كيفية تفاعل الأنسجة المزروعة ضمن حيوانات أكبر، وتحديد ما إذا كان الزرع يدخل ضمن دائرة الإعتبارات مثل زرع بعض الأعضاء كالدماغ والغدد التناسلية”، ولكن في حالة الأجنة المسوخ فإن الخلايا البشرية تكون مندمجة خلال الخلايا العضوية كلها بشكل عام، والذي سيسمحُ لها فرضاً البقاء على قيد الحياة لفترة وجيزة من الوقت.
يقول البروفيسور لوس انجلوس: “لم تُنقل الأجنة في التجارب الجديدة إلى أرحام، وهذا يعني أن هذه الأجنة لن تتطور لاحقاً لمسوخ حيوانية أو أجنة كاملة، وهذه أيضاً ليست الغاية من الدراسة البحثية للفريق، ستستمرُ عمليات زرع الخلايا الجنينية القرد-إنسان ضمن اعتبارات أخلاقية، والتي ستُناقَش من قِبل العلماءُ، وعلماء الأخلاقيات، وحتى الجمهور العام قبل المضي قدماً بهذه التجارب”، وكما كتب غريلي وفاراهاني: “إضافة إلى ذلك يجب على العلماء الأخذ بعين الإعتبار بجدية المصلحة العامة لهذه الحيوانات، وبالأخص الحيوانات من خارج فصيلة الرئيسيات العليا، وحساب كل المخاطر، والفوائد المحتملة العائدة على البشر”.
نشرت الأكاديمية الوطنية للعلوم والهندسة والطب تقريراً يوضحُ الاعتبارات الواجب اتباعها في حالة استخدام الدماغ البشري والخلايا العصبية في المسوخ، لكن دار نقاشٌ صغير حول تطور الأجنة المسوخ لأبعد من ذلك، وقالوا إنه أصبحَ ممكناً تنمية الأجنة قرد-إنسان لفترة طويلة من الوقت، وإنّ النقاش حول ذلك يجب أن يبدأ في أسرع وقت ممكن.