رسم تخيلي توضيحي من ناسا لنجم نيوتروني محاط بقرصه التراكمي. تُشير دراسة جديدة أن إنفجار أشعة غاما الناتج من إصطدام النجوم النيوترونية، يبعث أشعة قاتلة بزاوية أوسع مما كان يُعتقد سابقاً. حقوق الصورة: NASA
لا تذهب لأي مكان قريبٍ من إنفجارات أشعة غاما.
تُعد إنفجارات أشعة غاما من ضمن أقوى الأحداث الكونية، والتي يتم إطلاقها عند موت النجوم، أو عند إندماجها في الإنفجارات الكونية الهائلة.
في حال حدوث هذه الإنفجارات الكونية العنيفة، فإنها تعمل كمنارات كونية، حيث تصدر حزماً ضوئية من بعض ألمع الأضواء في الكون، جنباً إلى جنب سيلٍ هائلٍ من النيوترينوات، تلك الجسيمات الناعمة الشبيهة بالأشباح التي تتسلل عبر الكون غير مرصودةٍ تقريباً.
إذاً من الواضح أنك لن تود أن تتعرض لواحدة من هذه الإنفجارات المميتة المدمرة للحمض النووي! لكن العلماء اعتقدوا في السابق أن إنفجارات أشعة جاما تشكل خطراً فقط في حال وجودك في نطاق ضيق من إحدى نفاثات الإشعاع القادمة من مكان الإنفجار. ولكن لسوء الحظ، تُشير دراسة جديدة -تم تحديثها في قاعدة بيانات arXiv بتاريخ 29 تشرين الثاني/نوفمبر (ولكن لم يجري مراجعتها من قِبل العلماء النظراء)- أن هذه الإنفجارات ليست أبداً بالخبر الجيد على الإطلاق، ومن الممكن أن ترسل أشعة قاتلة بزاوية أوسع وأبعد مما كان يُعتقد سابقاً.
منشأ أشعة غاما الكونية
على مدار عقود، حدد العلماء نوعين من إنفجارات أشعة جاما السماوية (أو ما يطلق عليها GRBs كإختصار): تلك الطويلة والتي تدوم لأكثر من ثانيتين (حتى عدة دقائق)، والأخرى القصيرة والتي تدوم لأقل من ثانيتين. لسنا متأكدين بعد من سبب نشوء الـ GRBs في الفضاء، ولكن يُعتقد أنّ تلك الإنفجارات الطويلة تنتج عن موت أحد أكبر النجوم في كوننا خلال أحد إنفجارات المستعر الأعظم Supernova، تاركة خلفها نجوم نيوترونية أو ثقوب سوداء. وبعد حدوث موت كارثي كهذا الذي يبعث كميات هائلة من الطاقة على نحو أعمى، في وميض لحظي…ها أنت ذا! تأتي إنفجارات أشعة جاما!
و على الناحية الأخرى، يُعتقد أنّ إنفجارات الـGRBs تنشأ عن طريق آلية مختلفة تماماً: إذ يحدث إندماج لنجمين من النوع النيوتروني. لكن هذه الأحداث ليست بنفس قوة انفجارات المستعر الأعظم، ولكنها قويةٌ بما يكفي لإنتاج وميض من أشعة غاما.
بداخل المحرك النفاث
لا يزال اصطدام النجوم من النوع النيوتروني بالأمر البشع. يزن كل نجم نيوتروني عدة أضعاف كتلة شمسنا. ولكن هذه الكتلة تم ضغطها في كرة لا يتعدى قطرها عرض مدينة نموذجية! في لحظة إصطدام جرمين من هذا النوع، فإنهما يدوران حول بعضهما بشكلٍ عنيف في سرعةٍ ذاتٍ نسبةٍ كبيرة من سرعة الضوء.
ومن ثم، تندمج النجوم النيترونية لتشكل إما نجم نيتروني أكبر أو -في حال كانت الظروف ملائمة- ثقب أسود، تاركة خلفها مسار من الدمار والحطام إثر الكارثة السابقة. من ثم تنهار حلقة المادة تلك على جثة النجم النيوتروني، وتشكل بما يعرف بـ “القرص التراكمي أو القرص المُزود.” أما في حالة الثقب الأسود حديث التكون، فيُغذي هذا القرص ذاك الوحش الكامن في كومة الحطام بمعدل يصل إلى عدة شموس من الغاز في الثانية الواحدة.
مع كل الطاقة والمواد التي تدور وتصب في مركز النظام، تقوم رقصة معقدة (وليست مفهومة جيداً) من القوى الكهربائية والمغناطيسية بإبعاد المواد، بالإضافة لإطلاق نفاثات مو المواد بعيداً عن المركز، على طول محور الدوران الخاص بالجسم المركزي وفي النظام المحيط. في حال نجاح هذه النفاثات بالخروج، فإنها تظهر على شكل كشافات عملاقة وجيزة تتسابق بعيداً عن مركز التصادم، وعند إقتراب هذه الكشافات من الأرض، نحصل على نبضة من أشعة غاما.
لكن هذه النفاثات ضيقة نسبياً، وطالما أنك لا تنظر إلى الـ GRB وجهاً لوجه، فهذا لا ينبغي أن يكون خطراً، أليس كذلك؟ ليس بهذه السرعة!
منشأ النيوترينوات
لقد أتضح أنّ هذه النفاثات تتشكل وتُسافر بعيداً عن موقع إندماج النجم النيوتروني بطريقة فوضوية ومعقدة. تلتف وتتشابك غيوم الغاز بين بعضها البعض، ولا تتحرك تدفقات الإشعاع والمادة الموجودة بعيداً عن مركز الثقب الأسود في خط منظم منمق.
والنتيجة هي فوضى عارمة مطلقة!
في الدراسة الجديدة، اكتشف اثنين من علماء الفيزياء الفلكية تفاصيل عن هذه النظم بعد حدوث الإصطدام. وجه الباحثون إهتماماً بالغاً لسلوك سحب الغاز العملاقة وهي تتراكم على بعضها بدعم من النفاثات الهاربة.
في بعض الأحيان، تصطدم هذه السحب الغازية ببعضها البعض، وتشكل موجات صادمة بإمكنها تسريع وتزويد مجموعاتها الخاصة من الإشعاع والجزيئات ذات الطاقة العالية والتي تُعرف بالأشعة الكونية. تتكون هذه الأشعة من البروتونات وغيرها من الأنوية الثقيلة، وتحصل على طاقة لتقارب سرعتها سرعة الضوء، وبهذا يمكنها بشكل مؤقت أن تندمج لتنتج أشكال غريبة ونادرة من الجسيمات مثل البيونات.
سرعان ما تتحلل البيونات على شكل زخات من النيوترينوات، تلك الجزيئات الضئيلة التي تغمر الكون، ولكن من الصعب أن تتفاعل مع أي مادة آخرى. وبسبب إنتاج هذه النيوترينوات خارج المنطقة الضئيلة من التدفق النفاث الذي قد أنفجر من الـGRB، فيمكن رؤيتها حتى في حالة عدم رصدنا لإنفجار أشعة غاما الكامل.
النيوترينوات نفسها تعتبر إشارة على حدوث تفاعلات نووية عنيفة مميتة بعيداً عن مركز النفاثات. لا نعلم حتى الآن إلى أي مدى بالتحديد قد تمتد منطقة الخطر، لكن السلامة خيراً من الندامة!
بالمختصر، لا تذهب لأي مكان قريب من إصطدام النجوم النيوترونية!