صورة فنية لمركبة مارس 2020. حقوق الصورة: ناسا


ستكون واحدة من أكثر المهام العلمية الشاقة والمعقدة الموجهة للكوكب الأحمر على الأطلاق. تعهد الوزراء في أجتماع عقدته وكالة الفضاء الأوروبية ESA مؤخراً بوضع خطط لجمع عينات من سطح المريخ وإعادتها إلى الأرض، في مسعى مشترك مع ناسا. يُحتمل صدور موافقة رسمية على الميزانية المخصصة لناسا بخصوص تغطية هذه المهمة في بداية العام المقبل.

سيتم إتمام المهمة – والتي لم يكشف عن اسمها حتى الآن – عن طريق سلسلة من عمليات الإطلاق، بداية من يوليو/تموز من عام 2020 مع المركبة الجوالة مـارس 2020 والتي يُحرز تقدمٌ بالفعل في بنائها. هذه المركبة هي عبارة عن روبوت يعمل بالطاقة النووية ستهبط في فوهة جيزيرو في فبراير/شباط 2021.

خلال السنوات الثلات بين عامي 1969 و1972 تمكنت ست مهمات خلال برنامج أبولو من جلب 380 كيلوجرام من العينات من سطح القمر. ولكن جلب أي عينات من سطح المريخ سيكون أكثر صعوبة بسبب المسافة الساشعة.

ولهذا السبب، يضم المشروع ثلاثة مركبات فضائية منفصلة. الجزء الأول من المهمة هو هبوط المركبة مـارس 2020 وللعلم فإن هذا سيكون شاقاً جداً – إذ من الصعب جداً الهبوط بمركبةٍ فضائية على سطح المريخ. بالإضافة لإجراء فحوصاتٍ علمية، ستجمع المركبة 38 عينة تقريباً من تربة المريخ والتي سيتم تخزينها في حاويات محكمة الغلق. حيث يجب إبقاء تلك العينات في أمان على الأقل حتى عام 2026.

يتضمن الجزء الثاني إعادة تلك العينات إلى المدار. في ذلك الوقت سيتم إطلاق مهمة استرجاع للعينات مرة أخرى بواسطة ناسا. إذ تتضمن مركبة هبوط  ومركبة أوروبية جوالة لاسترجاع العينات لتهبط في أقرب مكان ممكن من مـارس 2020 الذي يُمثل هبوط صعباً آخر.

سوف تلتقي مركبة الاسترجاع الجوالة مع مـارس 2020 على السطح، لتجمع العينات منها، ثم تعيدها إلى مركبة الهبوط. بمجرد وصولها إلى مركبة الهبوط، ستُنقل العينات إلى كبسولة على متن مركبة الإقلاع المريخية، والتي هي عبارة عن صاروخٍ ذي كتلة مخفضة إلى أقصى درجة ممكنة يستطيع الإقلاع من سطح المريخ إلى المدار. حينما تصل إلى المدار سوف تُترك هذة الكبسولة لتسبح في الفضاء بدون تحكم.

الجزء الثالث من المهمة هو مركبة العودة إلى الأرض والتي ستطلقها وكالة الفضاء الأوروبية. سوف تدخل مدار المريخ ثم تلتحم بالكبسولة التي تحمل العينات، ثم تضعها داخل درعٍ واقٍ من الحرارة والإشعاع. لتشعل محركاتها مرة أخرى لتعود إلى الأرض. عند الوصول إلى الأرض، سيتم إطلاق الكبسولة في الغلاف الجوي بدون أي مظلات، لتهبط في صحراء يوتا، في وقت ما من عام 2031. إذا سار كل شيءٍ وفق الخطة بنجاح.

ستشمل هذه الحملة الفضائية المعقدة عدداً من المراحل والإطلاقات غير المسبوقة، بما في ذلك إطلاق صاروخ من كوكب آخر، جلب عينات من المريخ لأول مرة، أول تلاقي والتحام حول مدار كوكب آخر، والتقاء اثنين من المركبات الفضائية المختلفة على سطح كوكب أخر ونقل عينات بينهما.

فوهة جيزيرو


إنّ الهدف الأساسي للمشروع هو جلب عينات من واحدة من أكثر المناطق الجيولوجية إثارة للأهتمام على سطح المريخ وهي فوهة جيزيرو.

فوهة جيزيرو حقوق الصورة: Tim Goudge/NASA

فوهة جيزيرو حقوق الصورة: Tim Goudge/NASA

جيزيرو هي عبارة عن فوهة نتجت أثر تصادمٍ نيزكي، قطرها حوالي 45 كيلومتر وتقع في نصف المريخ الشمإلى، عند الحواف الغربية لإسيديس بلانيتيا– وهو سهل مسطح كبير يحمل في حد ذاته ملامح تدل على التصادمات النيزكية. تُظهِر الأبحاث أنّ فوهة جيزيرو كانت بحيرة فيما مضى، حيث كانت المياة تدخل إلى الفوهة عبر القنوات وتتدفق إلى إسيديس شرقاً.

موقع هبوط المركبة مـارس 2020 هو موقع مليء برواسب معدنية على شكل مروحة عند بداية قناة التدفق الغربية، وهي ملمح جيولوجي يُعتقد بأنها تشكلت من قِبل دلتا النهر الممتدة فوق سطح الفوهة. تحتوي هذه المنطقة على تركيزات عالية من الأسمكتيت، وهو نوع من الطين يتشكل غالباً في قاع البحيرات والمسطحات المائية ويعتقد أنه يلعب دوراً حيوياً في أصل الحياة على سطح الأرض.

طين الأسمكتيت جيد في حفظ الحفريات وغيرها من المواد العضوية. تم وضع نظرية تبحث في نشوء الحياة الجرثومية على سطح المريخ لأنّ الملاحظات أظهرت أنه يحتوي على دورتين موسمييتين من الميثان والأكسجين.

غاز الميثان هو مؤشر رئيسي للحياة الميكروبية، وبالتالي تشير هذه الدورة الموسمية إلى وجود إما حياة تحت تربة المريخ، أو أنه يتم تخزين غاز الميثان في بلورات قفصية (وهي نوع من المواد التي تحتفظ بالجزيئات بداخلها) وتطلقه مرة أخرى عندما تسخن خلال فصل الصيف على سطح المريخ. إذا كانت فوهة جيزيرو  تحتوي على حياة جرثومية، فهناك فرصة جيدة لوجود بقايا متحجرة في التربة، تنتظر الأكتشاف.

 

تحليل المريخ


لدينا بعض المعرفة ببيئة المريخ المكتسبة من المركبات الفضائية الآلية، ولكن هذه المعرفة محدودة نتيجة عدد الآلات التي يمكننا إرسالها إلى هناك، من خلال جلب عينات من سطح المريخ إلى الأرض يمكننا إجراء قياسات أكثر دقة يمكن تكرارها للوصول إلى التحليل النهائي بشكلٍ حاسم. تعتبر المختبرات الأرضية هي المستقبل حيث يتم تطوير تقنيات جديدة، يمكن من خلالها إعادة تحليل العينات بدقة أكبر.

في الواقع، لاتزال العينات التي تم جلبها خلال بعثات أبولو تُسفر عن نتائج حتى اليوم، حتى بعد مرور حوالي خمسين عاماً من جمعها.

المعدات المصغرة المُثبتة على المركبات الفضائية الآلية، مثل المايكروسكوب وأجهزة قياس الطيف وغيرها، هي بالفعل مؤهلة للقيام بمهامها، ولكن حساسيتها ودقتها لا تطابق نظائرها على الأرض ويرجع ذلك إلى تقييد تلك المعدات بالكتلة والحجم والطاقة الخاصة بالمركبة الفضائية الآلية.

في المختبرات الأرضية سيكون من الممكن فرز عينات المريخ على نطاقات جيدة بما يكفي لرؤية التركيب الذري واكتشاف المكونات ذات التركيزات الأقل بشكلٍ أفضل بكثير مما هو ممكنٌ على الكوكب الأحمر. يمكن أيضاً تأريخ العينات الآتية من المريخ بدقة كبيرة، مما سيسمح للعلماء بمعرفة الفترة التي استمر فيها وجود المياه في فوهة جيزيرو وأيضاً إن كان هناك أي أحافير جرثومية في التربة فستكون مرئية وخاضعة للتحليل مع هذه التقنيات.
علاوة على ذلك، فإن الفهم الأعمق للخصائص المادية للتربة المريخية سيُعرف المهندسين على مدى إمكانية استخدامها كمواد بناء مستقبلية. هذه المعرفة يمكن أن تكون مهمة في حالة التخطيط لأستعمار البشر للمريخ مستقبلاً.

الطحالب والبكتيريا تحت الفحص الدقيق للمايكرسكوب الألكترونية حقوق الصورة: wikipedia, CC BY-SA

الطحالب والبكتيريا تحت الفحص الدقيق للمايكرسكوب الألكترونية حقوق الصورة: wikipedia, CC BY-SA

إن التعقيد الكبير لهذا المشروع يعطينا فكرة عن مدى صعوبة إرسال بشر إلى المريخ ثم إعادتهم مرة أخرى. إذا نجحنا في مهمة جلب هذه العينات، فنحن بالتأكيد نقترب خطوة من أن نكون قادرين على إرسال مهمة مأهولة بالبشر إلى الكوكب الأحمر، حيث يمكن أن تكشف هذه العينات عن أكثر المواقع إثارة للأهتمام والتي يمكن أن نزورها شخصياً في المستقبل.

nasainarabic.net