- بالاب غوش
- محرر الشؤون العلمية – بي بي سي
قبل 23 دقيقة
تقدم العلماء خطوة إضافية نحو تطوير كمبيوتر كمي متعدد الأغراض يفوق في قوته بكثير أحدث أجهزة الكمبيوتر الخارقة وأكثرها تقدماً.
وتستفيد هذه الأجهزة من السمات الغريبة للجسيمات دون الذرية، أو الجسميات الدقيقة بحجم دون الذرة.
ومن أهم تلك السمات أن تلك الأجسام الكمية يمكنها أن توجد في أكثر من مكان في نفس الوقت. ومن الغريب أيضاً أنه يمكنها البقاء على اتصال حتى ولو كانت على بعد ملايين الأميال من بعضها البعض.
وقال فريق بحثي بجامعة ساسكس البريطانية إنهم نجحوا في نقل معلومات كمية بين شرائح إلكترونية في جهازي كمبيوتر بسرعة ودقة قياسية.
وكان علماء الكمبيوتر يخوضون محاولات لتطوير أجهزة كمية أكثر كفاءة لأكثر من عشرين سنة. وطورت مؤسسات، مثل غوغل وآي بي إم وميكروسوفت أجهزة بسيطة من هذا النوع.
لكن وفقاً لوينفرايد هنسينغر، قائد الفريق البحثي بجامعة ساسكس، يعبّد هذا التطور الطريق أمام نظم يمكنها تقديم حلول لمشكلات العالم المعقدة التي لا تستطيع أكثر أجهزة الكمبيوتر تقدماً التصدي لها في الوقت الراهن.
وقال هنسينغر: “لدينا بالفعل أجهزة كمبيوتر كمية مزودة بشرائح إلكترونية متناهية الصغر وبسيطة. أما الإنجاز الذي حققناه بالفعل فهو القدرة على أن نقدم أجهزة كمبيوتر كمية قوية للغاية يمكنها حل بعض أصعب المشكلات التي تواجه القطاعات الاقتصادية المختلفة ويواجهها المجتمع”.
وتحل أجهزة الكمبيوتر المتوافرة في الوقت الحالي المشكلات بطريقة خطية بسيطة، ويمكنها إجراء عملية حسابية واحدة في كل مرة.
وفي عالم الكمبيوتر الكمي، يمكن للجسيمات أن توجد في مكانين في نفس الوقت، وهو ما يريد العلماء تسخيره لتطوير أجهزة كمبيوتر كمية يمكنها إجراء عمليات حسابية متعددة في نفس الوقت.
كما يمكن لهذه الجسيمات الدقيقة أن تبقى متصلة وهي على بعد ملايين الأميال، مما يجعل لديها القدرة على محاكاة تصرفات بعضها البعض بشكل لحظي، وهو ما يمكن استغلاله في تطوير أجهزة كمبيوتر أكثر قوة.
وكان من أصعب المعوقات التي تقف حائلاً دون تطوير هذه الأجهزة القوية مشكلة نقل المعلومات الكمية بين الشرائح الإلكترونية بسرعة واعتمادية، إذ كان حجم المعلومات يتضاءل وتظهر بها أخطاء أثناء النقل.
لكن هنسينغر قال إن فريقه تمكن من تحقيق إنجاز كبير يمكن باستخدامه التغلب على تلك المعوقات، وهو الإنجاز الذي نشرت تفاصيله مجلة “نيتشر كومينيكايشن”.
وطور الفريق البحثي نظاماً قادر على نقل المعلومات من شريحة إلكترونية لأخرى باعتمادية تصل إلى 99.999993 في المئة وبسرعة قياسية. وقال الباحثون من جامعة ساسكس إنه من الممكن تركيب تلك الشرائح معاً للحصول على أجهزة كمبيوتر كمية أكثر قوة.
ووصف مايكل كوثبرت، مدير المركز الوطني للكمبيوتر الكمي الذي أنشئ في الفترة الأخيرة في ديدكوت في أوكسفوردشاير ويعمل بشكل مستقل عن بحث جامعة ساسكس، هذا البحث بأنه “خطوة تمكينية هامة للغاية”، لكنه قال إنه لا يزال هناك حاجة إلى مزيد من العمل لتطوير نظم عملية.
وقال كوثبرت: “من أجل تطوير أجهزة الكمبيوتر التي تحتاجها في المستقبل، تكون البداية من توصيل الشرائح الإلكترونية التي لا يتجاوز حجم إحداها حجم عقلة الأصبع ببعضها البعض حتى تصل إلى مجموعة من الشرائح بحجم طبق المائدة. وقد وضحت المجموعة البحثية من جامعة ساسكس أنه من الممكن الوصول إلى القدر المطلوب من الاستقرار والسرعة اللازمة لهذه الخطوة”.
وأضاف: “لكن نحتاج أيضا إلى آلية لربط النظم الإلكترونية المكونة من مجموعات من الشرائح الإلكترونية – التي يبلغ حجم الواحدة منها حجم طبق المائدة – ببعضها البعض لتوسيع نطاق الماكينة التي قد تصل إلى حجم ملعب كرة قدم من أجل إجراء عمليات حسابية واقعية ومفيدة بينما لا تزال تكنولوجيا الاتصالات من هذا المستوى غير متوافرة حتى الآن”.
وقالت طالبة الدكتوراه سهرة كولميا، المسؤولة عن إجراء التجربة المتضمنة في أعمال الفريق البحثي من جامعة ساسكس، إن الفريق مستعد لخوض هذا التحدي لأخذ هذه التكنولوجيا إلى المستوى التالي.
وأضافت، في تصريحات أدلت به لبي بي سي: “المشكلة لم تعد فيزيائية فقط”.
وتابعت: “هناك مشكلة هندسية، ومشكلة ذات صلة بعلوم الكمبيوتر، ومشكلة ذات صلة بعلم الرياضيات”.
وأشارت إلى أنه “من الصعب جداً في الوقت الراهن أن نحدد المسافة التي تفصلنا عن تطوير كمبيوتر كمي، لكني أكثر تفاؤلاً الآن حيال القدر الذي من المتوقع أن تصل إليه تلك الأجهزة من الارتباط بحياتنا اليومية”.
وأبدت شركة رولز رويس الرائدة للصناعات الهندسية تفاؤلاً حيال هذه التكنولوجيا. وتعمل الشركة بالتعاون مع باحثي جامعة ساسكس لتطوير هذا الكمبيوتر الكمي الذي يمكنه أن يساعدها في تطوير محركات أفضل.
وتستخدم أجهزة الكمبيوتر القوية في ضبط تدفق الهواء في إطار عمليات محاكاة تستهدف اختبار تصميمات جديدة لمحركات الطائرات.
تحول في مسار الهندسة
يمكن استخدام الكمبيوتر الكمي في تتبع تدفق الهواء بقدر أكبر من الدقة، وبسرعة كبيرة، وفقاً للايه لابوورث الذي يقود فريق تطوير نظم الكمبيوتر الكمي في رولز رويس.
وقال لابوورث: “قد يتمكن الكمبيوتر الكمي من إجراء عمليات حسابية لا يمكنه إجراؤها في الوقت الراهن وغيرها من العمليات الحسابية التي قد يستغرق الانتهاء منها عدة أشهر أو عدة سنوات. أما أن نتمكن من الانتهاء من تلك العمليات في أيام معدودة، فسوف يكون تحولاً كبيراً في نظم التصميم التي نستخدمها وقد يؤدي أيضاً إلى تطوير محركات أفضل بكثير”.
كما يمكن استخدام هذه التكنولوجيا في تصميم الأدوية بسرعة ودقة أكبر من خلال محاكاة ردود الأفعال الكيمائية التي تنتج عنها تلك العقاقير، وهي عمليات حسابية صعبة للغاية بالنسبة لأجهزة الكمبيوتر الخارقة المتوافرة في الوقت الحالي. كما يمكن لهذه الأجهزة توفير نظم إلكترونية أكثر دقة بكثير يمكنها التنبؤ بالآثار المحتملة للتغير المناخي.
وقال هنسينغر إن فكرة تطوير الكمبيوتر الكمي لديه منذ أكثر من 20 سنة، لكن “الناس كانوا يظهرون الاستياء، قائلين: ‘مستحيل'”.
وأضاف: “عندما يخبرني الناس بأن شيء ما لا يمكن أن يتحقق، دائما ما أحب أن أجرب. لذا قضيت العشرين سنة الماضية في محاولات لإزالة المعوقات الواحدة تلو الأخرى إلى أن وصلنا للوضع الحالي الذي سمح لي بتطوير كمبيوتر كمي عملي”.