اللقاحات، الكلمة التي لا تكاد تُذكَر حتى تسمع الآراء المختلفة تُلقَى والنظريات المتعددة تُحاك ما بين مشجعٍ ومعارض: أهي نافعةٌ أم ضارةٌ؟ أضرورةٌ هي أم اختيارٌ ورفاهيةٌ؟ وماذا عن ذلك السؤال الذي يخشاه الجميع: ما العلاقة بين اللقاحات والإصابة بالتوحد؟!

نصححُ اليوم الكثير من المفاهيم المغلوطة حول اللقاحات، ونجيبُ عن كل تساؤلاتك لنميز الخرافات عن الحقائق. تابع القراءة فقد تجد ما قد يدهشك!

الخرافة الأولى: لا دليل على فعالية اللقاحات!

الحقيقة: إنّ فعالية اللقاحات مثبتةٌ علميًا في عددٍ هائلٍ من الدراسات، وبحسب بعض الخبراء يكتسب ما نسبته 95-100% من الأطفال الملقحين ضد مرضٍ ما مناعةً ضدّه، ومن أوضح الأدلة الملحوظة على فعالية اللقاحات هي انخفاض عدد حالات الإصابةِ بأيّ مرضٍ في الأعوام التالية لإتاحة اللقاح الخاص به على نطاقٍ واسع.

وتظهر فعالية اللقاحات جليةً في تاريخ مرض الجدري Smallpox الذي فتك بمئات الملايين من الناس، وبقي اسمه سببًا للرعب طوال 3000 عام.

نلاحظ في يومنا هذا، لم يعد لهذا المرض وجودٌ على سطح الأرض، وذلك بفضل برنامج تلقيحٍ عالميٍّ تمكّن من القضاء عليه عام 1979.

لم تكن هذه حالةً فريدةً، بل تُظهِر جميع الأمراض انخفاضًا هائلًا في عدد الإصابات والوفيات مع الانتشار الواسع للقاحاتها.

الخرافة الثانية: التحسن في ظروف النظافة والصرف الصحيّ هو المسؤول عن انخفاض حالات الإنتانات، وليس اللقاح.

الحقيقة: لا ننفي أن كلًّا من تحسن الظروف الاقتصادية والاجتماعية والمعيشية، بالإضافة إلى تحسن وسائل التغذية وظهور الصادات الحيوية Antibiotics قد لعب دورًا كبيرًا في تقليل انتشار الأمراض وزيادة فرص النجاة منها، لكنّ تأثير اللقاح واضحٌ جليّ، ولا يمكن إهماله بحالٍ من الأحوال.

فبالرغم من أن الظروف الصحية والمعيشية لم تختلف كثيرًا منذ عام 1990، لكنّ نسبَ إصابة الأطفال بالمستدمية النزفية Haemophilus influenzae type b قد انخفضت بشكلٍ هائلٍ منذ ذلك الحين حتى كادت أن تختفي في الدول التي بدأت تقدم اللقاح، حيث انخفضت الإصابات من 20,000 إصابةٍ في السنة إلى 1419 إصابةً فقط في عام 1993 في الولايات المتحدة، ولا يمكن أن يعزى ذلك لأي شيءٍ سوى اللقاح.

الخرافة الثالثة: قد تسببُ اللقاحات الإصابة بالأمراض التي تحاول الوقاية منها.

الحقيقة: قد تسبب اللقاحات أعراضًا خفيفةً تشبه أعراض الأمراض التي تحاول الوقاية منها في أحيانٍ نادرةٍ (أقل من واحد في المليون)، ولكن في الواقع فهذه هي الاستجابة المناعية الجسدية ضد اللقاح، وليست أعراض المرض بحدّ ذاته، وقد سُجِّلت حادثةٌ واحدةٌ فقط تَسَبَّب فيها اللقاح بالإصابة بالمرض، كان ذلك بسبب لقاح شلل الأطفال الفموي Oral Polio Vaccine وقد أُلغيَ من الولايات المتحدة منذ ذلك الوقت.

يحتجّ البعض بالقول إنّ عدد المصابين بمرضٍ ما من الملقحين أكبر من عدد المصابين غير الملقحين، ولكن يعود ذلك لكون أغلب الأشخاص اليوم ملقحين.

فلنتخيل مدرسةً تحتوي 1000 طالبٍ، منهم 995 طالبًا ملقحًا بجرعتين ضد الحصبة Measles و5 طلابٍ غير ملقحين، في حال تعرّض كلّ طلاب هذه المدرسة لفيروس الحصبة وكانوا معرضين للعدوى. سيصاب الخمسة غير الملقحين بالمرض بالطبع، ولكن أن بعض الملقحين لم يستجيبوا للقاح بما يكفي لتكوين مناعةٍ ضد المرض، لذا قد يصابون كذلك. تبلغ نسبة فعالية جرعتين من لقاح الحصبة ما يقارب نسبة 99%، وفي مثالنا هذا فلنفترض أن 7 طلابٍ فقط لم يستجيبوا للقاح، وبالتالي أصيبوا بالمرض.

بنظرةٍ سطحيةٍ سترى أن 5 فقط من المصابين غير ملقحين، بينما 7 منهم هم من الملقحين، ولكن إذا نظرت من زاويةٍ صحيحةٍ ستدرك أن كل الأطفال غير الملقحين (100%) قد أصيبوا بالمرض، بالمقارنة مع نسبة أقل من 1% من الأطفال الملقحين قد أصيبوا، وبالتالي لو كان جميع طلاب المدرسة غير ملقحين لربما كنا قد حصلنا على 1000 حالة إصابة بالحصبة.

الخرافة الرابعة: تحتوي اللقاحات سمومًا.

الحقيقة: من المعروف أن اللقاحات تحتوي على مقدارٍ ضئيلٍ من الزئبق والألمنيوم والفورم ألدهيد، لكنها بكمياتٍ غايةٍ في الضآلة ولا دليل أبدًا على سميتها للإنسان، على عكس جرعاتها الكبيرة والمؤذية. بل وتبعًا لمراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها وإدارة الغذاء والدواء، ينتج جسم الإنسان بحدّ ذاته كمياتٍ أكبر من ذلك من الفورم ألدهيد عبر الاستقلاب!

الخرافة الخامسة: المناعة المكتسبة طبيعيًا أفضل من المناعة المكتسبة باللقاح.

الحقيقة: من الصحيح أن المناعة “المكتسبة طبيعيًا” التي تحدث بعد الإصابة بالمرض قد تكون أقوى من المناعة المكتسبة باللقاح، ولكن مخاطرها تفوق فوائدها.

فلو أردت اكتساب المناعة ضد الحصبة عن طريق الإصابة بها فإنك ستواجه خطر الموت بنسبة 1 من كل 500 إصابةٍ، أما خطر الإصابة بردة فعلٍ تحسسية شديدةٍ من لقاح MMR (حصبة- نكاف- حصبة ألمانية) يكون أقل من واحد في المليون.

الخرافة السادسة: اللقاحات المعطاة للرضع كثيرةٌ جدًا، وبعضها مدمجةُ معًا، ولا يمكن لأجسامهم تحمل كل ذلك!

الحقيقة: يتعرض الأطفال للكثير من الأجسام ومولّدات الضد antigen الغريبة كل يومٍ، إذ تدخل البكتيريا إلى أجسامهم مع الطعام الذي يتناولونه، ويعيش العديد منها في أنوفهم وأفواههم. يعرّض الإنتان التنفسي العُلويّ الطفل إلى 4-10 من مولدات الضد، ويعرّضهم التهاب البلعوم بالعقديات إلى 25-50 مولد ضد، وبالمقارنة مع هذه الأحداث الاعتيادية التي يمكن أن تصيب أي طفلٍ، لا يبدو أن مولدات الضد المفردة الموجودة في اللقاحات ستشكل أي عبءٍ إضافيٍ حقيقيٍ على الجهاز المناعي لدى الأطفال إذ من الممكن كبحه.

وقد وجدت الدراسات أنّ دمج اللقاحاتِ معًا يعطي نفس الفاعلية التي نحصل عليها عند إعطائها بشكلٍ منفردٍ، بالإضافة إلى كونه يوفرُ على الوالدين عدد زيارات الطبيب والمستوصف، وبالتالي يوفر عليهم الوقت والمال، ويوفر على الطفل التعرض لحقنةٍ عضليةٍ إضافيةٍ.

علاوةً على كل ذلك، فإننا نرغب بمنح الأطفال المناعة بأقرب فرصةٍ ممكنةٍ لحمايتهم خلال أشهر الحياة الأولى، والتي يكونون فيها أكثر تعرضًا للخطر في حال الإصابة بالمرض.

الخرافة السابعة: الآثار الجانبية للقاحات خطيرةٌ!

الحقيقة: اللقاحات آمنةٌ جدًا، وتكون أغلب ما تسببه من آثار طفيفةً ومؤقتةً، كألمٍ في الذراع أو حرارةٍ متوسطة، ويمكن تدبير كلٍ منهما بتناول الباراسيتامول، وتُقدّر نسبة حدوث الآثار الجانبية الأكثر جديةً من واحدٍ بالآلاف إلى واحدٍ بالملايين، وبعضها من الندرة بمكان حتى أنه يكاد لا يمكن حساب نسبتها إحصائيًا، فعلى سبيل المثال، لم تُبلَّغ مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها إلا عن حالة وفاةٍ واحدةٍ ناجمةٍ عن اللقاحات ما بين عامي 1990-1992، وذلك من بين ملايين الأطفال الذين يأخذون اللقاحات كل عامٍ في الولايات المتحدة.

الخرافة الثامنة: لا داعي لتلقيح طفلي فهذه الأمراض ليست منتشرةً في بلدي.

الحقيقة: يعني مصطلح مناعة القطيع Herd immunity أن يكون أغلب الناس في المجتمع ممنعين ضد مرضٍ ما، ما يترك أمام المرض عددًا قليلًا من الأفراد الذين يمكن أن يصيبهم، وبالتالي لا يمكن له أن ينتشر.

إذا ترك عددٌ كبيرٌ من الناس تلقيح أطفالهم فإن هذه المناعة لن تكون موجودةً، وفي حال جاء مسافرٌ من خارج البلاد يحمل مرضًا ما دون علمه، يمكن لهذا المرض أن ينتشر ضمن كامل بلدك ليصيب أغلب المجتمع، ويسبب وباءً.

الخرافة التاسعة: إن عدم تلقيح طفلي أمرٌ يخصني وحدي، فهو لا يعرض الآخرين للخطر.

الحقيقة: للأسف، هذا الاعتقاد خاطئٌ.

يعيش بيننا عددٌ قليلٌ من الأفراد الذين لا يستطيعون أخذ اللقاحات لأسباب متنوعةً (كالحساسية الشديدة المهددة للحياة من مركبات اللقاح مثلًا)، وبعض الأفراد الذين لا يستجيبون للقاح كذلك.
أولئك الأشخاص معرضون للإصابة بالأمراض، وأملهم الوحيد في الحماية هو أن يكون الناس من حولهم ملقحين منيعين حتى لا يصابوا بالمرض فينقلوه لهم، وبالتالي يتطلّب نجاح برنامج اللقاحات التعاونَ من الجميع.

الخرافة العاشرة: تسبب اللقاحات التوحد.

الحقيقة: تعود نشأة هذه الخرافة إلى دراسةٍ نشرها جراحٌ بريطانيٌ في عام 1997 في مجلة اللانسيت الشهيرة، إذ اقترح مقاله أن لقاح MMR قد تسبّبَ في زيادة حالات التوحد (الذاتوية) Autism في بريطانيا.

لكن وبعد معاينةٍ أدق للدراسة وُجِد أنه كان للكاتب دافعٌ ماليٌّ لنشرها لم يفصح عنه في قسم تضارب المصالح في الورقة العلمية، ويُعدّ هذا خرقًا هائلًا لمعايير البحث العلمي، إذ ضرب بالأمانة والمصداقية العلمية عرض الحائط، ما أدى إلى سحب الثقة من دراسته وإزالتها من المجلة، وخسارته لرخصة ممارسة المهنة الطبية، كما نذكر أنه قد وُجِدت في الدراسة أخطاءٌ إجرائيةٌ وخروق أخلاقيةٌ هامةً.

رغم ذلك، لم يغضّ المجتمع العلمي بصره عن تلك الفرضية، بل أُجريت عدة دراساتٍ كبرى تضمّنت عددًا أكبر من الأطفال، ولم تجد أيٌ منها رابطًا بين أيٍ من اللقاحات واحتمال الإصابة باضطراب التوحد.

بل ولإقناعك أكثر، رغم أنّ الأسباب الحقيقية للإصابة لا تزال غير معروفةٍ، تمكنت عدة دراساتٍ من ملاحظة أعراض التوحد لدى الأطفال في سنٍ سابقٍ بكثير لأخذهم لقاح MMR، بل ورأت بعض الدراسات أن التوحد يتطور منذ وجود الجنين في الرحم قبل تلقيه لأيٍ من اللقاحات.

نأمل أن نكون قد صحّحنا في هذا المقال أكثر الخرافات انتشارًا حول اللقاحات، ولنساهمَ في حماية الصحة والسلامةِ لكل أفراد المجتمع. هل أدهشتك أيٌ من هذه الخرافات؟ أخبرنا في التعليقات!

nasainarabic.net