تصوُّر فني لمدينة على المريخ ترغب شركة سبيس إكس بالمساهمة في تأسيسها بواسطة نظام النقل الخاص بمركبتها ستارشيب. حقوق الصورة: © SpaceX
قد تكون الهندسة الوراثية جزءًا أساسيًا من مستقبلنا على المريخ.
قد نحتاج لأن نصبح أقل شبهًا بالبشر إذا ما قُدّر للبشرية أن تستقر على المريخ يومًا ما.
وفقًا لتصريحات رسمية لوكالة ناسا، فإن المهمات المأهولة التي ستنطلق إلى المريخ بحلول العقد القادم ستكون صعبةً على رواد الفضاء، حيث ستعرضهم لجرعات إشعاعية عاليةٍ، وجاذبيةٍ منخفضة مسببةً هشاشةَ العظام ومخاطرَ أخرى قد تستمر لسنوات عديدة، غير أنه من المفترض أن يتمكن هؤلاء الرواد من العودة بحالةٍ جيدةٍ نسبيًا.
إلا أن الوضع قد يكون مختلفًا بالنسبة للذين اختاروا عدم العودة إلى الأرض، فبحسب الخبراء، قد نحتاج لإجراء بعض التعديلات على القاعدة الأساسية لنوعنا إذا ما أردنا البقاء بصحةٍ وأمانٍ خلال العيش بشكلٍ دائمٍ على المريخ أو أي عالم آخر غير كوكبنا الأم.
صرحت كندا لينتش Kennda Lynch، عالمة متخصصة بعلوم الأحياء الفلكية وجيولوجيا الكائنات الحية في معهد العلوم الكوكبية والقمرية في هيوستن، ضمن ندوةٍ عبر الإنترنت بعنوان “استعمار المريخ، تحديات الاستيطان الفضائي” جرت في يوم 12 أيار/مايو، واستضافتها أكاديمية نيويورك للعلوم: “سيتوجب على الناس استخدام الهندسة الوراثية وتقنياتٍ متطورةً أخرى إذا ما أرادوا أن يعيشوا ويعملوا وينجحوا بتأسيس عائلاتهم للبقاء على المريخ، حيث تصبح هذه التكنولوجيات بغاية الأهمية في تلك الحالة”.
هل سيحدث هذا قريبًا؟
قد لا تكون التحسينات الجينية حكرًا على صفحات روايات الخيال العلمي بعد الآن، فعلى سبيل المثال، لقد أدخل العلماء جيناتٍ تابعةً للتارديغرادا -وهي حيوانات بالغة الصغر مشهورة بقوتها وقدرتها على البقاء على قيد الحياة في فراغ الفضاء- إلى خلايا بشرية في المختبر، وبحسب تصريحات كريستوفر مايسون Christopher Mason، أخصائي بعلم الوراثة في كلية الطب التابعة لجامعة كورنيل بنيويورك، الذي شارك بهذه الندوة فإن الخلايا المعدلة قد أظهرت مقاومة أكبر للإشعاع من نظائرها الطبيعية. تتخذ ناسا ووكالات فضاء أخرى إجراءات لحماية رواد الفضاء جسديًا عبر تركيب الدروع للمركبات الفضائية، ودوائيًا عبر منتجاتٍ دوائيةٍ متنوعةٍ، لذلك فإن حمايتهم جينيًا ليست قفزةً عظيمةً فكريًا حين تثبت الدراسات أنها طريقة آمنة. أضاف مايسون متسائلًا: “هل نحن مُلزمون أخلاقيًا بفعل ذلك؟ أعتقد في حال كانت المهمة ستطول لمدة كافية فقد يتعين علينا فعل شيء ما حيال ذلك في حال ما إذا كان هذا الحل آمنًا، وهو الأمر الذي لا نستطيع الجزم به حتى الآن”، وقال أيضاً أن كائنات التارديغرادا والميكروبات “أليفة الظروف القاسية” مثل بكتيريا المكورات الغريبة المقاومة للإشعاع تمثل مستودعًا طبيعيًا رائعًا لعدة خصائص ومزايا في علم الأحياء وقد نستخدمها يومًا ما.
يجدر بالذكر أن مايسون يدرس تأثيرات الرحلات الفضائية طويلة الأمد على رائد الفضاء التابع لوكالة ناسا سكوت كيلي Scott Kelly الذي أمضى ما يقارب سنة على متن محطة الفضاء الدولية في عامي 2015 و2016.
قد يمكّننا تسخير هذه المزايا يومًا ما من إرسال رواد الفضاء لأماكن في الكون أبعد من المريخ قد تكون أكثر غرابةً وخطورةً بكثيرٍ، فعلى سبيل المثال، إن انطلاق رحلة مأهولة إلى قمر المشتري “يوروبا” Europa هو أمر مستبعد حالياً حيث يضمر هذا القمر تحت قشرته الجليدية محيطاً هائلاً، وبالإضافة لكونه شديد البرودة فإنه يقع بوسط أحزمة الإشعاعات الشديدة للمشتري.
قال مايسون: “إذا وصلنا إلى هناك يوماً ما فستكون تلك هي الحالة التي سيُقلى فيها الجسد البشري بالكامل جراء تعرضه للإشعاع، حيث سيكون الموت حتميا هناك إذا لم تفعل شيئا من ضمنه جميع أنواع الحماية التي يمكنك التزود بها.”
تمكننا الهندسة الوراثية من وضع احتمالية إرسال رواد فضاء إلى يوروبا بعين الاعتبار على الأقل، حيث يُعدّ هذا القمر من أفضل الرهانات في النظام الشمسي لاحتمالية وجود الحياة على سطحه (يشكل قمر جوفيان الصناعي أولويةً عاليةً لدى برنامج ناسا الروبوتي لاستكشاف الكواكب حيث ستطلق الوكالة في منتصف العقد الحالي بعثة التحليقات المتعددة حول يوروبا، والتي ستقيّم قابليته للسكن وذلك عبر التحليقات العديدة حوله، وقد طلب الكونغرس من وكالة ناسا العمل على تطوير وحدات هبوط روبوتية لقمر يوروبا، إلا أن هذه المهمة لا تزال نظريةً في الوقت الحالي).
ليس نحن فقط
قالت لينتش أن الهندسة الوراثية لن تكون حتمًا حكرًا على رواد الفضاء والمستعمرين الأوائل، فقد بشرت التطورات الأخيرة في مجال علم الأحياء الصناعي بمستقبل ستساهم فيه الميكروبات المعدلة وراثيًا في مساعدة المستعمرين على تثبيت موطئ قدم للبشر على الكوكب الأحمر.
هذا كل ما يمكننا القيام به فعليًا لمساعدتنا على صنع الأشياء والمواد اللازمة لبناء مستوطناتنا، وهو ما يجري العلماء الآن البحوث حوله لصنع ما يلزمنا في رحلتنا للمريخ.
اقترح بعض الباحثين ومناصري الحملات الاستكشافية استخدام الميكروبات المعدلة جينيًا لاستعمار المريخ وتحويله لعالَمٍ مريحٍ للبشر، ولكن من الواضح أن هذا الاحتمال يطرح مساءلاتٍ أخلاقيةً هائلةً، خاصةً عند أخذ إمكانية أن المريخ قد استضاف الحياة على سطحه في الماضي السحيق بالاعتبار، أو أن الحياة لا تزال موجودة في مياهه الجوفية، أو في البحيرات الواقعة تحت سطحه (وإن التغيير الدائم في تشكيل الجينوم الخاص بنا بهدف الحماية من الإشعاع أو أي سبب آخر هو أمر مشكوكٌ به أخلاقيًا بالطبع).
قالت لينتش أن معظم علماء الأحياء الفلكية مناهضون لمفهوم تغيير وتحويل المريخ، حيث شددوا على أننا لا نريد أن نضع حدًا، أو نبدل تطور نظام بيئي قد ينشأ هناك لأن ذلك أمر غير علمي وغير أخلاقي، وإن السبب الرئيسي الذي يدفعنا لاستكشاف المريخ هو لتحديد إذا ما كانت الأرض هي العالم الوحيد القادر على استضافة الحياة، ولن نتمكن من التأكد من ذلك لو غيّرنا الكوكب الأحمر قبل ذهابنا إليه، والتحقق أوّلًا من وجود الحياة على سطحه.