الفيزيائي النظري ويليام ديتمولد، أستاذ مشارك في قسم الفيزياء في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا وعضو في مركز الفيزياء النظرية ومختبر العلوم النووية. حقوق الصورة: MIT 


                                                                               

الفيزيائي النظري ويليام ديتمولد  William Detmold يكشف أسرار الكواركات (quarks) والغلوونات (gluons) وتفاعلاتها النووية الشديدة على المستوى دون الذري.

 

كيف تندمج البروتونات لإمداد الشمس بالطاقة؟ ماذا يحدث للنيوترينوات (neutrinos) داخل نجم منهار بعد انفجار المستعر الاعظم (supernova)؟ كيف تكونت النُوى الذرية من البروتونات والنيوترونات في الدقائق القليلة الأولى بعد الانفجار العظيم؟

 

تتطلب محاكاة هذه العمليات الغامضة بعض الحسابات المعقدة للغاية، والخوارزميات المتطورة، وحوسبة فائقة ذات قدرةٍ عالية.

 

يقوم ديتمولد بتنظيم هذه الأدوات للنظر في العالم الكمومي، ويقول: «تمكننا الحسابات المُحسّنة لهذه العمليات من التعرف على الخصائص الأساسية للكون. في الكون المرئي، تتكون معظم الكتلة من البروتونات، ويُعتبر فهم بنية البروتون وخصائصه أمراً مهماً جداً بالنسبة لي.»

 

يقوم الباحثون في مُصادم الهدرونات الكبير ((LHC – أكبر مُسرّع للجسيمات في العالم – بالتحقيق في هذه الخصائص عن طريق تحطيم الجسيمات معاً، وتفحص الحطام دون الذري للحصول على أدلةٍ حول ما يشكل المادة ويربطها معاً.

 

يبدأ ديتمولد، الذي هو أستاذ مشارك في قسم الفيزياء في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا وعضو في مركز الفيزياء النظرية ومختبر العلوم النووية، من المبادئ الأولى – وهي نظرية النموذج العياري لفيزياء الجسيمات (Model (Standard.

 

 يصف النموذج العياري ثلاثاً من القوى الأساسية الأربعة لفيزياء (باستثناء الجاذبية)، وجميع الجسيمات دون الذرية المعروفة.

 

نجحت نظرية النموذج العياري بالتنبؤ بنتائج التجارب مراراً وتكراراً، بما في ذلك – وربما الأكثر شهرةً – تأكيد وجود بوزون هيجز (Higgs boson) عام 2011 مِن قبل الباحثين في مُصادم الهدرونات الكبير.

 

يقع التركيز الأساسي لأبحاث ديتمولد على «تفسير البيانات التجريبية» لتجارب مصادم الهدرونات الكبير على سبيل المثال. بعد وضع الحسابات، وتحليلها باستخدام العديد من أجهزة الكمبيوتر الفائقة، والتحقق من الكم الهائل من الإحصائيات – وهي عملية يمكن أن تستغرق من ستة أشهر إلى عدة سنوات – يقوم ديتمولد وفريقه بعد ذلك بأخذ كل هذه البيانات وإجراء الكثير من التحليلات عليها لاستخراج الكميات الفيزيائية الرئيسية – على سبيل المثال، كتلة البروتون، كقيمة عددية مع نطاق خطأ معين.

 

يقول ديتمولد: «إن ما يهمني في هذا الصدد هو كيف ستؤثر هذه التحليلات على النتائج التجريبية. في بعض الحالات، نقوم بهذه الحسابات بهدف تفسير التجارب التي تمت في مُصادم الهدرونات الكبير، ونتساءل: هل يصف النموذج العياري ما يجري هناك؟»

 

حقق ديتمولد تقدماً مهماً في حل المعادلات المعقدة في الديناميكا اللونية الكمومية (QCD)، وهي نظرية في الحقل الكمومي تصف التفاعلات القوية داخل البروتون، وبين الكواركات (أصغر مكون معروف للمادة) والغلوونات (القوى التي تربط الكواركات ببعضها البعض).

 

أجرى ديتمولد بعض الحسابات الأولى في الديناميكا اللونية الكمومية لبعض تفاعلات اضمحلال الجسيمات، وقد توافقت في معظمها مع نتائج مُصادم الهدرونات الكبير.

 

 يقول ديتمولد: «لا توجد فروق حازمة بين نتائج النموذج العياري ومُصادم الهدرونات الكبير، ولكن هناك بعض التوترات المثيرة للاهتمام. عملي يبحث في بعض هذه التوترات.»

 

لكن الألغاز الأساسية لا تزال في صميم عمل ديتمولد. كلما ابتعدت الكواركات والغلوونات عن بعضها البعض، زادت قوة تفاعلاتها، ولفهم ما يحدث في هذه الحالات منخفضة الطاقة، قام بتطوير تقنيةٍ حسابية تُعرف باسم الديناميكا اللونية الكمومية الشبكية (Lattice QCD)، التي تضع الحقول الكمومية للكواركات والغلوونات على شبكة متفردة من النقاط لتمثيل الزمكان.

 

في عام 2017، أجرى ديتمولد وزملاؤه أول حسابات في الديناميكا اللونية الكمومية الشبكية لمعدل اندماج «البروتون-بروتون» – وهي عملية يندمج فيها بروتونان معاً  لتشكيل الديوترون (deuteron).

 

تحفز هذه العملية التفاعلات النووية التي تمد الشمس بالطاقة، كما من الصعب للغاية دراستها من خلال التجارب. يقول ديتمولد: «إذا حاولت تحطيم بروتونين معاً، فإن شحناتهما الكهربائية تمنعهما من الاقتراب من بعضهما البعض.»

 

يتابع قائلاً عن إنجازه هو وزملاؤه: «إنه يوضح إلى أين يمكن أن يذهب هذا المجال. إنها واحدة من أبسط التفاعلات النووية، لكنها تفتح الباب أمام معالجة هذه التفاعلات مباشرةً في النموذج العياري. نحن نحاول الاستفادة من هذا العمل وحساب التفاعلات ذات الصلة.»

 

هناك أيضاً مشروعٌ حديث يتضمن استخدام الديناميكا اللونية الكمومية الشبكية لدراسة تشكل النُوى في الكون في لحظاته الأولى. بالإضافة إلى دراسة هذه العمليات في الكون الحالي، أجرى ديتمولد حساباتٍ مع تغيير معاملاتٍ معينة – كتل الكواركات ومدى قوة تفاعلها – للتنبؤ بكيفية حدوث تفاعلات التخليق النووي للانفجار العظيم Big Bang nucleosynthesis، وكيف أثرت على تطور الكون.

 

يقول ديتمولد في النهاية: «يمكن أن تخبرنا هذه الحسابات عن مدى احتمال تكون الكون الذي نراه اليوم.»


nasainarabic.net