حقوق الصورة: Maylee for Quanta Magazine
تظهر التجارب الحديثة أن الجسيمات يجب أن تكون قادرةً على التحرك أسرع من الضوء عندما تكون في حالة النفق الكمومي عبر الجدران.
ما إن اكتُشِفت المعادلات الجذرية لميكانيكا الكم حتى اكتشف الفيزيائيون إحدى أغرب الظواهر التي تسمح بها النظرية؛ يُظهر «النفق الكمومي» مدى عمق اختلاف الجسيمات مثل الإلكترونات عن الأشياء الأكبر. ألقِ كرةً على الحائط فسترتد إلى الخلف، دعها تتدحرج إلى أسفل نقطة وتبقى هناك، لكن الجسيم يقفز أحيانًا عبر الجدار، إذ لديه فرصةٌ «للانزلاق من أعلى نقطة، والقفز من أسفل نقطة»، كما كتب عالما فيزياء في مجلة نيتشر Nature في عام 1928 في أحد أقدم الأوصاف الخاصة بالأنفاق. سرعان ما رأى الفيزيائيون أن قدرة الجسيمات على اختراق الحواجز تحل العديد من الألغاز؛ لقد فسرت الروابط الكيميائية المختلفة، والاضمحلال الإشعاعي، وكيف تستطيع نوى الهيدروجين في الشمس التغلبَ على التنافر والانصهار المتبادل، ما ينتج عنه ضوء الشمس، لكن أصبح علماء الفيزياء فضوليين بشكلٍ بسيطٍ في البداية ثم ازداد كثيرًا، وتساءلوا ما هي المدة التي يستغرقها الجسيم ليحفر نفقًا عبر الحاجز؟ كانت المشكلة أن الإجابة لم تكن منطقيةً.
ظهر أول حسابٍ مؤقتٍ لوقت حفر الأنفاق مطبوعًا في عام 1932، حتى أن الانتقادات المبكرة ربما أُجرِيت على انفراد، إذ كما أشار أفرايم ستاينبرغ Aephraim Steinberg الفيزيائي في جامعة تورنتو University of Toronto أنه: «عندما تحصل على إجابة لا يمكنك فهمها، فلن تنشرها». لم يكن حتى عام 1962 أن كتب توماس هارتمان Thomas Hartman، مهندس أشباه الموصلات في شركة Texas Instruments، ورقةً تبنت صراحة التضمينات الصادمة للرياضيات.
وجد هارتمان أن الحاجز يبدو أنه يعمل كطريقٍ مختصرٍ. عندما ينفق جسيم ما، تستغرق الرحلة وقتًا أقل مما لو لم يكن الحاجز موجودًا. والأمر الأكثر إثارةً للدهشة هو أنه حسب أن زيادة سماكة الحاجز بالكاد تزيد من الوقت الذي يستغرقه الجسيم في المرور عبره، ما يعني أنه مع وجود حاجزٍ سميكٍ بما فيه الكفاية، يمكن للجسيمات أن تقفز من جانبٍ إلى آخر بشكلٍ أسرع من الضوء الذي يسافر بنفس المسافة عبر الفضاء الفارغ. باختصار، يبدو أن النفق الكمومي يسمح بسفرٍ أسرع من الضوء، وهو أمرٌ تُفتَرض استحالته ماديًا؛ قال ستاينبرغ: «بعد تأثير هارتمان، بدأ الناس بالقلق».
تصاعدت المناقشة لعقودٍ، ويرجع ذلك جزئيًا إلى أن السؤال المتعلق بزمن الأنفاق بدا وكأنه خدشٌ في بعض أكثر الجوانب غموضًا في ميكانيكا الكم. قال إيلي بولاك Eli Pollak، عالِم الفيزياء النظرية في معهد وايزمان Weizmann Institute للعلوم في إسرائيل: «إنه جزءٌ من المشكلة العامة المتعلقة بما هو الوقت، وكيف نقيس الوقت في ميكانيكا الكم، وماذا يعني ذلك». اشتق الفيزيائيون في النهاية ما لا يقل عن 10 تعبيراتٍ رياضيةٍ بديلةٍ لوقت حفر الأنفاق، يعكس كل منها منظورًا مختلفًا لعملية حفر الأنفاق. لم يجعل أي شيء المسألة مستقرةً، وتعود مسألة وقت حفر الأنفاق إلى الظهور، وتدعمها سلسلةً من التجارب المُبدِعة التي قاست بدقةٍ وقت حفر الأنفاق في المختبر.
في القياس الأكثر إشادةً حتى الآن، والذي أُبلِغ عنه في مجلة نيتشر في شهر يوليو/تموز، استخدمت مجموعة ستاينبرغ في تورنتو ما يسمى بطريقة ساعة لارمور Larmor clock لقياس المدة التي تستغرقها ذرات الروبيديوم في حفر الأنفاق عبر حقل تنافر من اليزر. قال إيجور ليتفينيوك Igor Litvinyuk، الفيزيائي في جامعة جريفيث Griffith University في أستراليا، الذي قدم قياسًا مختلفًا لوقت حفر الأنفاق في مجلة نيتشر العام الماضي: «إن ساعة لامورهي الطريقة الأفضل والأكثر بداهةً لقياس وقت حفر الأنفاق، وكانت التجربة هي الأولى التي تقيسه بشكل جيد للغاية».
كما يرى لويز مانزوني Luiz Manzoni، عالِم الفيزياء النظرية في كلية كونكورديا Concordia College في مينيسوتا Minnesota، أن قياسَ ساعة لارمور مقنعٌ، إذ قال: «ما يقيسونه هو حقًا وقت حفر الأنفاق».
تجلب التجارب الأخيرة انتباهًا جديدًا إلى مسألةٍ لم تُحل؛ في العقود الستة الماضية منذ ورقة هارتمان، وبغض النظر عن مدى دقة علماء الفيزياء في إعادة تعريف وقت حفر الأنفاق أو مدى دقة قياسه في المختبر، فقد وجدوا أن النفق الكمومي يُظهر دائمًا تأثير هارتمان. يبدو أن حفر الأنفاق يكون أسرع من سرعة الضوء لا جدال فيه، وتساءل ليتفينيك: «كيف يمكن أن ينتقل [الجسيم النفقي] أسرع من الضوء؟»، وأضاف: «كان الأمرُ نظريًا بحتًا حتى أُجريت القياسات».ِ
ما هو الوقت؟
يصعب تحديد وقت حفر الأنفاق لأن الحقيقة نفسها كذلك.على المقياس الماكروسكوبيي، فإن المدة التي يستغرقها الجسم للانتقال من أ إلى ب هي ببساطة المسافة مقسومةٌ على سرعة الجسم، لكن تعلّمنا نظرية الكوانتم أن المعرفة الدقيقة لكل من المسافة والسرعة ممنوعة. في نظرية الكوانتم يمتلك الجسيم مجموعةً من المواقع والسرعات الممكنة. تتبلور من بين هذه الخيارات الخصائص المحددة بطريقةٍ ما في لحظة القياس. كيف يحدث هذا هو أحد أعمق الأسئلة، والنتيجة هي أنه حتى يصطدم الجسيم بالكاشف فهو يكون موجودًا في كلّ مكانٍ وليس في أيّ مكانٍ على وجه الخصوص. يجعل هذا من الصعب حقًا تحديد المدة التي قضاها الجسيم سابقًا في مكانٍ ما مثل المنطقة داخل الحاجز. قال ليتفينوك: «لا يمكنك تحديد الوقت الذي يقضيه الجسيم هناك، لأنه يمكن أن يكون موجودًا في مكانين في نفس الوقت».
لفهم المشكلة في سياق الأنفاق، تصَوَّر منحنى الجرس (منحنى إرشادي) الذي يمثل المواقع المحتملة للجسيم. منحنى الجرس هذا -المُسمّى حزمة الموجة- متمركز في الموضع أ. الآن تخيل حزمة الموجة تنتقل -مثل تسونامي- نحو حاجز. معادلات ميكانيكا الكم تصف كيف تنقسم الحزمة الموجية إلى قسمين عند اصطدامها بالعائق؛ ينعكس معظمها متجهًا عائدًا نحو النقطة أ، لكن ذروة الاحتمالية الأصغر تتسلل عبر الحاجز وتستمر في التقدم نحو النقطة ب، وبالتالي فسيكون هناك فرصة للجسيم للتسجيل في كاشف هناك.
ولكن عندما يصل جسيمٌ ما إلى النقطة ب، فماذا يمكن أن يُقال عن رحلته أو وقته في الحاجز؟ قبل أن يظهر فجأةً كان الجسيم عبارةً عن موجةٍ احتماليةٍ من جزأين، انعكست كلٌّ منهما وانتقلت. دخلت كلتاهما الحاجز وأيضا لم تدخلا! ومعنى ذلك أن «وقت حفر الأنفاق» غير واضحٍ، ومع ذلك فإن أي جسيمٍ يبدأ من أ وينتهي عند ب يتفاعل بشكلٍ لا يمكن إنكاره مع الحاجز بينهما، وهذا التفاعل «هو شيء يحدث في هذا الوقت» كما قال بولاك. والسؤال يبقى ما هو ذلك الوقت؟
أوضح ستاينبرغ، الذي كان لديه «هوسٌ ظاهريٌّ» بمسألة وقت حفر الأنفاق منذ أن كان طالبَ دراساتٍ عليا في التسعينيات، أن المشكلة تنبع من الطبيعة الغريبة للوقت. للأشياء خصائصُ معينةٌ مثل الكتلة أو الموقع، لكن ليس لديها «وقتٌ» جوهريٌّ يمكننا قياسه مباشرةً. قال ستاينبرغ: «يمكنني أن أسألك عن مكان لعبة البيسبول، ولكن ليس من المنطقي أن نسأل عن وقت لعبة البيسبول. الوقت ليس خاصية يمتلكها أي جسيم». وعوضًا عن ذلك، نحن نتتبع التغييرات الأخرى في العالَم مثل علامات الساعات (التي تتغير في النهاية في الموضع)، ونُسَّمِي هذه الزيادات الوقت، لكن في سيناريو حفر الأنفاق لا توجد ساعة داخل الجسيم نفسه. إذن ما هي التغييرات التي يجب تَتَبُّعُها؟ لم يجد الفيزيائيون نهايةً للمتغيرات البديلة المحتملة لوقت حفر الأنفاق.
أوقات حفر الأنفاق
اتخذ هارتمان Hartman، ولي روي أرشيبالد ماك كول LeRoy Archibald MacColl قبله في عام 1932، أبسط نهجٍ لقياس المدة التي يستغرقها حفر الأنفاق؛ حسب هارتمان الفرق في وقت وصول الجسيم الذي ينتقل من أ إلى ب في الفضاء الحر مقابل الجسيم الذي يجب أن يعبر الحاجز. لقد فعل ذلك من خلال النظر في كيفية قيام الحاجز بتغيير موضع قمة حزمة الموجة المُرسَلة، لكن في هذا النهج مشكلةٌ بغض النظر عن اقتراحه الغريب بأن الحواجز تُسرِّع الجسيمات؛ لا يمكنك ببساطة مقارنة القمم الأولَى والنهائية لحزمة موجة الجسيم، ولا يخبرك تسجيل الفرق بين وقت المغادرة المحتمل للجسيم (عندما تكون قمة منحنى الجرس عند أ) ووقت وصوله المحتمل (عندما تصل القمة إلى ب) بوقت عبور أي جسيم فردي، لأن الجسيم الذي اكتُشِف في ب لم يبدأ بالضرورة عند أ، إذ يمكن أن يكون موجودًا في أي مكان وفي كل مكان داخل التوزيع الاحتمالي الأوّلِي -بما في ذلك ذيله الأمامي- والذي كان أقرب بكثيرٍ إلى الحاجز، وأعطاه هذا فرصةً للوصول إلى ب سرعة.
نظرًا لأن المسارات الدقيقة للجسيمات غير معروفة، سعى الباحثون إلى اتّباع نهجٍ أكثر احتماليةً؛ لقد أخذوا في الاعتبار حقيقة أنه بعد أن تصطدم الحزمة الموجية بحاجز، في كل لحظة هناك بعض الاحتمال بأن الجسيم داخل الحاجز (وبعض الاحتمال أنه ليس كذلك)، ثم يلخّص الفيزيائيون الاحتمالات في كلّ لحظةٍ لاستنتاج متوسط وقت حفر الأنفاق.
أما بالنسبة لكيفية قياس الاحتمالات، فقد وُضِع تصورٌ لتجاربَ فكريةٍ مختلفةٍ بدءًا من أواخر الستينيات إذ يمكن ربط «ساعات» بالجسيمات نفسها. إذا كانت ساعة كل جسيم تدق فقط أثناء وجودها في الحاجز، وقرأتَ ساعات العديد من الجسيمات العابرة، فسوف تعرض مجموعةً من الأوقات المختلفة، ويُعطِي المتوسط وقت حفر الأنفاق.
كان قول كل هذا أسهل من فعله بالطبع؛ قال رامون راموس Ramón Ramos، المؤلف الرئيسي لورقة نيتشر الحديثة: «لقد توصلوا للتو إلى أفكارٍ مجنونةٍ حول كيفية قياس هذا الوقت واعتقدوا أن ذلك لن يحدث أبدًا، لكن الآن العلم يتقدم، وكنا سعداء لجعل هذه التجربة حقيقيةً».
الساعات المدمجة
على الرغم من أن علماء الفيزياء قد قاسوا أوقات حفر الأنفاق منذ الثمانينيات، فإن التقدم الأخير في القياسات فائقة الدقة بدأ في عام 2014 في مختبر أورسولا كيلر Ursula Keller’s lab في المعهد الفيدرالي السويسري للتكنولوجيا في زيورخ. قاس فريقها وقت حفر الأنفاق باستخدام ما يُسمّى بساعة الأتو attoclock. في هذه الساعة لكيلر تواجه الإلكترونات من ذرات الهيليوم حاجزًا يدور في مكانه مثل عقارب الساعة. غالبًا ما تنفق الإلكترونات عندما يكون الحاجز في اتجاه معين – أطلق عليه وقت الظهيرة. ثم عندما تخرج الإلكترونات من الحاجز تُركل في اتجاهٍ يعتمد على محاذاة الحاجز في تلك اللحظة، ولقياس وقت حفر النفق قاس فريق كيلر الفرق الزاوي بين وقت الظهيرة -أي عندما بدأت معظم أحداث النفق- وزاوية معظم الإلكترونات الخارجة، قاسوا فرقًا قدره 50 أتوثانية، أو جزء من المليار من المليار من الثانية.
ثم في العمل الذي قُدِّم في عام 2019، حسّن فريق ليتفينيوك تجربة ساعة الأتو الخاصة بكيلر من خلال التحول من استخدام ذرات الهيليوم إلى ذرات الهيدروجين الأبسط. لقد قاسوا وقتًا أقصر من 2 أتوثانية على الأكثر، ما يشير إلى أن النفق يحدث على الفور تقريبًا.
لكن استنتج بعض الخبراء منذ ذلك الحين أن المدة التي تستغرقها إجراءات ساعة الأتو ليست دليلًا جيدًا لوقت حفر الأنفاق. قال مانزوني الذي نشر تحليلًا للقياس العام الماضي إن النهج معيب بطريقةٍ مماثلةٍ لتعريف هارتمان لوقت الأنفاق، إذ يمكن القول إن الإلكترونات التي تخرج من الحاجز على الفور تقريبًا -قبل فوات الأوان- كانت لها السبق.
في غضون ذلك أجرى ستاينبرغ وراموس وزملاؤهم في تورنتو: ديفيد سبيرنغز وإيزابيل راسيكوت تجربةً أكثر إقناعًا.
يستخدم هذا النهج البديل حقيقة أن العديد من الجسيمات تمتلك خاصيةً مغناطيسيةً جوهريةً تُسمّى الغزل/الحركة المغزلية. الغزل هو مثل السهم الذي لا يُقاس إلا في الاتجاه لأعلى أو لأسفل. ولكن قبل القياس يمكن أن يشير إلى أي اتجاه. اكتشف الفيزيائي الأيرلندي جوزيف لارمور في عام 1897 أن زاوية الحركة المغزلة تدور، أو «تنطلق» عندما يكون الجسيم في مجال مغناطيسي. استخدم فريق تورنتو هذه البادئة لتمثل عقارب الساعة، وتُدعى بساعة لارمور.
استخدم الباحثون شعاع الليزر كحاجزٍ لها، وشغّلوا بتشغيل مجال مغناطيسي بداخله. ثم حضّروا ذرات الروبيديوم مع دوران محاذاة في اتجاهٍ معيّنٍ، وأرسلوا الذرات للانجراف نحو الحاجز. بعد ذلك قاسوا دوران الذرات الخارجة من الجانب الآخر. يؤدي قياس دوران أي ذرة فردية دائمًا إلى إرجاع إجابةٍ غير واضحةٍ لـ«أعلى» أو «أسفل». لكن عند إعادة القياس مرارًا وتكرارًا، ستكشف القياساتُ التي جُمِعت مقدارَ زاويةِ الدورانِ السابقة -في المتوسط – بينما كانت الذرات داخل الحاجز، وبالتالي المدة التي قضتها هناك عادةً.
أفاد الباحثون أن ذرات الروبيديوم استغرقت -في المتوسط- 0.61 مللي ثانية داخل الحاجز، بما يتماشى مع أوقات ساعة لارمور المتوقعة نظريًا في الثمانينيات. هذا وقتٌ أقل من الوقت الذي تستغرقه الذرات للسفر عبر الفضاء الحر، لذلك تشير الحسابات إلى أنك إذا جعلت الحاجز سميكًا حقًا -كما قال ستاينبرغ- فإن التسريع سيسمح للذرات بالمرور من جانبٍ إلى آخر بشكلٍ أسرع من الضوء.
لغز وليس مفارقة
في عام 1907 أدرك ألبرت أينشتاين أن نظريته النسبية الجديدة يجب أن تجعل الاتصال الأسرع من الضوء مستحيلًا. تخَّيلْ شخصين ألِيس وبوب يتحركان بسرعةٍ عاليةٍ، وبسبب النسبية تخبرنا ساعتاهما بأوقاتٍ مختلفةٍ. إحدى النتائج هي أنه إذا أرسلت ألِيسُ إشارةً أسرع من الضوء إلى بوب الذي أرسلَ على الفور ردًا فائقًا على ألِيس، فقد يصل رد بوب إلى أليِس قبل أن ترسل رسالتها الأولية. كتب أينشتاين: «التأثير الذي حُقِّق سوف يسبق السبب».
يشعر الخبراء عمومًا بالثقة في أن حفر الأنفاق لا يكسر العلاقة السببية حقًا، ولكن لا يوجد إجماعٌ على الأسباب المحددة لعدم حدوث ذلك. قال ستاينبرغ: «لا أشعر أن لدينا طريقةً موحدةً تمامًا للتفكير في الأمر. هناك لغزٌ وليس مفارقة». ويقول جريس فيلد Grace Field: «يبدو حفر الأنفاق أغرب من التشابك الكمومي».
بعض التخمينات الجيدة خاطئةٌ. عند سماع مانزوني بمسألة الأنفاق فائقة الإضاءة في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، عمل مع زميلٍ لإعادة الحسابات، لقد اعتقدا أنهما سيشهدان انخفاض النفق إلى السرعات الأقل إذا أخذا في الحسبان التأثيرات النسبية (حيث يتباطأ الوقت للجسيمات سريعة الحركة). قال مانزوني: «لدهشتنا كان من الممكن وجود نفق فائق الإضاءة (أي أسرع من الضوء) هناك أيضًا. في الواقع كانت المشكلة أكثر خطورةً في ميكانيكا الكم النسبية».
يؤكد الباحثان أن النفق فائق الإضاءة لا يمثل مشكلةً طالما أنه لا يسمح بالإشارات فائقة الإضاءة. إنه مشابهٌ بهذه الطريقة لـ«فعلٍ شبحيٍّ عن بُعدٍ» الذي أزعج أينشتاين بشدةٍ. يشير العمل المخيف إلى قدرة الجسيمات البعيدة على أن تكون «متشابكةً»، إذ يحدد قياسُ أحدِهما خصائصَ كل منهما على الفور. لا يسبب هذا الاتصال الفوري بين الجسيمات البعيدة مفارقاتٍ، لأنه لا يمكن استخدامه للإشارة من واحدةٍ إلى أخرى.
بالنظر إلى مقدار الضغط اليدوي على الفعل الشبحي عن بعد، من المدهش أن القليل من الضجيج قد أُحدِث حول النفق فائق الإضاءة. قالت جريس فيلد، التي تدرس مسألة وقت حفر الأنفاق في جامعة كامبريدج: «مع الأنفاق أنت لا تتعامل مع نظامين منفصلين التي ترتبط حالاتهما بهذه الطريقة المخيفة، أنت تتعامل مع نظامٍ واحدٍ يسافر عبر الفضاء، وبهذه الطريقة يبدو الأمر أغرب من التشابك الكمومي».
في ورقةٍ بحثيةٍ نُشرت في مجلة New Journal of Physics في سبتمبر/أيلول، ناقش بولاك Pollak وزملاؤه بأن النفق فائق الإضاءة لا يسمح بالإشارات الفائقة لسببٍ إحصائيٍّ. على الرغم من أن المرور عبر حاجز كثيف للغاية يحدث بسرعةٍ كبيرةٍ، فإن فرصة حدوث حفر النفق خلال هذا الحاجز منخفضةٌ بشكلٍ غير عادي. يفضل الراسل دائمًا إرسال الإشارة عبر الفضاء الحر.
ومع ذلك لماذا لا يمكنك تفجير أطنان من الجسيمات عند الحاجز شديد السُمك على أمل أن يجعله أحدها يعبر بسرعةٍ فائقة؟ ألن يكون جسيمٌ واحدٌ فقط كافيًا لنقل رسالتك وكسر الفيزياء؟ يجادل ستاينبرغ الذي يتفق مع وجهة النظر الإحصائية للموقف بأن الجسيم النفقي الواحد لا يمكنه نقل المعلومات؛ تتطلب الإشارة التفاصيل والهيكل، وأي محاولة لإرسال إشارة مفصلة ستُرسَل عبر الهواء دائمًا بشكل أسرع من خلال حاجز غير مُعتمد عليه.
قال بولاك إن هذه الأسئلة هي موضوع الدراسة المستقبلية: «أعتقد أن تجارب ستاينبرغ ستكون حافزًا لمزيد من النظريات، ولا أدري إلى أين يقودنا ذلك».
سيُحدِث التأمل جنبًا إلى جنبٍ مع المزيد من التجارب بما في ذلك التجربة التالية على قائمة ستاينبرغ، وأضاف: «من خلال تحديد المجال المغناطيسي داخل مناطقَ مختلفةٍ في الحاجز، يخطط هو وفريقه لفحص ليس فقط المدة التي يقضيها الجسيم في الحاجز، ولكن أين داخل الحاجز يقضي ذلك الوقت». تتنبأ الحسابات النظرية بأن ذرات الروبيديوم تقضي معظم وقتها بالقرب من مدخل الحاجز ومخرجه، ولكن القليل جدًا من الوقت في المنتصف. قال راموس: «إنه نوع من المفاجأة، وليس بديهيًا على الإطلاق».
من خلال فحص متوسط الخبرة للعديد من جسيمات الأنفاق، يرسم الباحثون صورةً أكثر وضوحًا لما يجري «داخل الجبل» ممّا توقعه رواد ميكانيكا الكم منذ قرن مضى. من وجهة نظر ستاينبرغ فإن التطورات تقود إلى النقطة التي مفادها أنه على الرغم من السمعة الغريبة لميكانيكا الكم فإنه: «عندما ترى أين ينتهي الجسيم، فإن ذلك يمنحك المزيد من المعلومات حول ما كان يفعله من قبل».