قبل 19 دقيقة

Lightning over Haiti in 2019

صدر الصورة، Getty Images

لم تتغير التكنولوجيا المستخدمة في حمايتنا من واحدة من أخطر الظواهر الطبيعية، تغيرا كبيرا منذ أكثر من 270 عاما. لكن فريقا من العلماء الأوروبيين يعتقدون أنهم نجحوا في تحويل ضربات الصواعق في سويسرا عن أحد الجبال باستخدام أشعة الليزر.

البرق ظاهرة طبيعية قوية بشكل كبير ومثيرة للإعجاب، لكنها يمكن أن تكون مميتة أيضا. وقد قدرت دراسة أجريت عام 2019 أن البرق يقتل ما يصل إلى 24 ألف شخص سنويا في جميع أنحاء العالم.

وفي عام 2020 تسبب البرق والصواعق في أضرار بقيمة 2 مليار دولار للمنازل والمحال التجارية ومباني الشركات في الولايات المتحدة وحدها، وفقا لمعهد تأمين المعلومات الأمريكي.

حقيقة أن التكنولوجيا المستخدمة في التعامل مع البرق ظلت إلى حد كبير على حالها منذ أن اخترع بنجامين فرانكلين عمود البرق )قضيب معدني مثبت في جزء مكشوف من مبنى أو هيكل مرتفع آخر لتحويل البرق إلى الأرض من دون إحداث أي ضرر) في عام 1752، يعني أنه وقت قريب، كان الأمل ضعيفا في التوصل إلى طريقة لخفض حجم الأضرار الناجمة عن البرق والصواعق بصورة سريعة.

Worker fixing the lightning rod at the top of a church tower

صدر الصورة، Getty Images

التعليق على الصورة،

التكنولوجيا المستخدمة في الحماية من أضرار الصواعق هي نفسها منذ القرن الثامن عشر

ولكن فريقا من العلماء الأوروبيين قد أثبت مؤخرا أنه لربما هناك طريقة “لترويض” البرق باستخدام الليزر.

حرف المسار باستخدام الليزر

في قمة جبل سويسري نجح عمود البرق والصواعق الليزري الذي يعرف اختصارا بـ (LLR) في تحويل صواعق البرق لعشرات الأمتار.

ومنذ عام 2021 عكفت مجموعة علمية من جامعة جنيف ومدرسة بوليتكنيك Ecole Polytechnique ومقرها باريس، على تجريب هذا العمل الفذ في أربع مناسبات، لكن النتائج نُشرت هذا الشهر في مجلة ناتشر فوتونيكس Nature Photonics.

وعواميد الصواعق الفيزيائية هي صواري معدنية متصلة بالأرض تمتص وتشتت الشحنة الكهربائية. لكن الأمر على ما يبدو ليس بهذه البساطة، فهناك مشكلة؛ وهي أن عواميد الصواعق تحمي مساحة تبلغ نصف قطرها ارتفاع العمود أو تقل عنه قليلا.

وقد أوضح أوريلين هوارد، الفيزيائي في مدرسة بوليتكنيك وأحد العلماء المشاركين في المشروع، لبي بي سي: “هذا يعني أن عمودا بارتفاع 10 أمتار سيحمي منطقة نصف قطرها 10 أمتار”.

ويضيف: “لكن هناك حدا لمقدار الارتفاع الذي يمكن أن يبلغه عمود الصواعق، لذا فإن هذه التكنولوجيا محدودة ومقيدة عندما نتحدث عن تطبيقها في مواقع حساسة مثل المطارات أو المحطات النووية”.

يمكن أن تمتد أشعة الليزر لارتفاع أعلى بكثير من عواميد الصواعق، لذلك من الناحية النظرية ستوسع بشكل كبير المناطق المحمية على الأرض.

“أعتقد أنه باستخدام ليزر على ارتفاع كبير يمكننا على الأرجح حماية منطقة تبلغ مساحتها عدة مئات من الأمتار المربعة أو حتى كيلومتر مربع” كما يقول هوارد.

Images showing the lightning deflection experiment

صدر الصورة، UNIGE

استخدام الهواء كناقل

لكن كيف يعمل هذا النظام؟

بالإضافة إلى إصدار حزم من الضوء التي يمكن أن تكون شديدة بما يكفي لقطع المواد حتى شديدة الصلابة منها، فإن الليزر لديه أيضا القدرة على العمل كعمود صواعق “افتراضي”.

وقد تمكن العلماء من الاستفادة منه عن طريق جعل الهواء ناقلا للكهرباء.

يقول هوارد: “تُصدر أشعة الليزر شديدة القوة ضوءا شديدا، يعمل على تحويل جزيئات الأكسجين والنيتروجين في الهواء إلى أيونات (وهي عملية تحويل ذرة أو جزيء أو مادة عادة عن طريق إزالة إلكترون واحد أو أكثر)، مما يجعل هذا الهواء ناقلا للكهرباء”.

وقد اختار العلماء قمة سانتيس، وهي قمة جبل سويسري يبلغ ارتفاعه 2500 متر، مسرحا للاختبار، كون الموقع مستخدما بالفعل كنقطة لمراقبة البرق.

وتضم القمة أيضا برجا تابعا لشركة اتصالات – وهو مزود بمانع الصواعق – وهو أحد أكثر المنشآت تضررا من الصواعق في أوروبا.

بين يونيو/ حزيران وسبتمبر/ أيلول عام 2021، جمع العلماء بيانات عن الصواعق التي ضربت البرج باستخدام كاميرات عالية السرعة.

Laser pointed out to the sky

صدر الصورة، UNIGE

التعليق على الصورة،

يقوم الليزر بتسخين الجزيئات في الهواء مما يجعلها ناقلة للكهرباء

بعد قضاء عام في تحليل النتائج وجد العلماء أن الليزر يوجه صواعق البرق بعيدا عن البرج لمسافة تصل إلى 60 مترا قبل إصابته للهيكل في جميع المناسبات الأربع التي تم فيها تشغيل الحزمة.

اعترف هوارد “لقد كانت نتيجة رائعة والأمر الأكثر إثارة في مسيرتي العلمية حتى الآن”.

ولكن هناك الكثير من العمل الذي يتعين القيام به قبل أن نبدأ ببساطة في إطلاق أشعة الليزر نحو السماء ونستغني عن عواميد الصواعق المستخدمة حاليا. إذ سيتعين على الباحثين معرفة ما إذا كان الليزر يمكنه توجيه الإضاءة لمسافات أطول، على سبيل المثال.

مزيد من البرق والصواعق في الأفق

يقول هوارد إن الفريق يحتاج إلى إجراء المزيد من الاختبارات لتقييم الفعالية الحقيقية للتكنولوجيا الجديدة.

وأضاف الفيزيائي الفرنسي: “ومع ذلك فقد أظهرنا أنه بمقدورنا تطبيق الأمر عمليا، في حين كان يعتقد أنه قابل للتطبيق فقط في الاختبارات المعملية. في الماضي، عندما اقترح العلماء استخدام الليزر كمانع للصواعق، قيل لهم إنه أمر غير ممكن”.

Portrait of Benjamin Franklin

صدر الصورة، Getty Images

التعليق على الصورة،

بنجامين فرانكلين

line

“ما تغير هو أن الليزر أصبح أكثر قوة وفعالية ويسمح لنا بإجراء تجارب من هذا القبيل”.

قبل بضعة عقود، كان بإمكان أقوى أنواع الليزر إصدار حزم الضوء 10 مرات في الثانية. أما جهاز الليزر الذي استخدم في سويسرا عام 2021 يمكنه إطلاق حزم ضوئية 1000 مرة في الثانية. وثمن هذه التقنية باهظ، إذ يبلغ 2 مليار دولار، بحسب هوارد.

ونظرا لللدراسات التي تتنبأ بأن تغير المناخ قد يؤدي إلى المزيد من الصواعق حول العالم، فإن هناك حاجة ماسة لبدائل لاختراع بنجامين فرانكلين الذي مضى عليه ثلاثة قرون تقريبا.

ويخلص الفيزيائي الفرنسي إلى أن “هذه التنبؤات تشكل سببا أكثر أهمية بالنسبة لنا لكي نكون مستعدين للتعامل مع هذه الظاهرة الجميلة والمدمرة، والتي تؤثر على البشر في جميع أنحاء العالم”.

بي بي سي العربية