- ربيع الحمامصة
- بي بي سي نيوز عربي
قبل ساعة واحدة
تواجه النباتات الطبية خطر الانقراض والانحسار بسبب التغيرات البيئية وارتفاع درجات الحرارة في مواطنها حول العالم، إذ يُعتمد عليها كمصدر رئيسي لمعظم الصناعات الدوائية التقليدية، وتدخل في التركيبات الكيميائية لمعظم الأدوية التي يصفها الطبيب لنا، مثل المضادات الحيوية.
وتُعدّ النباتات الطبية “المتوطنة” والتي تعرف بأنها النباتات التي تعيش في نطاق جغرافي معين أو منطقة معينة ولا تتواجد في غيرها، تعدُ من أكثر النباتات الطبية عرضة للاندثار بسبب التغيرات المناخية.
تشير بعض الدراسات العلمية الحديثة إلى أن الأدوية المصنعة بتقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد يمكن أن تكون البديل لمواجهة النقص في بعض الأدوية التقليدية والتي تعتمد على النباتات الطبية كمصدر رئيسي في تصنيعها في ظل تسارع عجلة التأثيرات البيئية وشح مياه الأمطار في بعض دول العالم.
تشكل تقنية طباعة الأدوية ثلاثية الأبعاد هدفاً للأطباء، إذ يمكن تصنيع الأدوية في أي مكان وليس حصراً في المختبرات الطبية، ما يجعل من السهل تصنيعها في المواقع النائية، والتي يصعب الوصول إليها في جميع أنحاء العالم.
تكنولوجيا مبتكرة وتحول جديد
أعطت هيئة الغذاء والأدوية الأمريكية “إف دي إيه” الضوء الأخضر لبدء إنتاج أقراص دواء باستخدام طابعات ثلاثية الأبعاد وذلك للمرة الأولى في العالم عام 2015.
يقول أحد مؤسسي ومدير شركة أبحاث “فاب ركس” البريطانية لصناعة الأدوية المطبوعة بتقنية ثلاثية الأبعاد، الدكتور في معهد البحوث العلمية في جامعة كلية لندن، ألفارو جويانس:” إن تكنولوجيا الطباعة الثلاثية للأدوية أصبحت جاهزة. لدينا طابعات الأدوية الخاصة بنا في العديد من البلدان في جميع أنحاء العالم. نحتاج فقط إلى إثبات أن هذه الأدوية يمكن دمجها في أنظمة الرعاية الصحية”.
ويضيف جويانس لبي بي سي:”قبل خمس سنوات، كانت فكرة طباعة الأدوية في المستشفى فكرة لا يمكن تخيلها! ولكن أثبتنا أن ذلك ممكن، فالمرضى وخصوصاً الأطفال منهم، يحبون تلك الأدوية”.
يعتمد نظام طباعة الأدوية على طابعة ثلاثية الأبعاد صغيرة بحجم آلة صنع القهوة مع رأس طباعة ثلاثي الأبعاد، ومكان مخصص ووعاء لوضع محلول الأدوية فيه.
تبدأ طريقة عمل الأدوية المطبوعة وفق مراكز الأبحاث الطبية بتلقي المريض أو الطاقم الطبي تركيبة الدواء المخصصة للمريض والتي تتضمن جرعة محددة من الدواء، ثم يسكب محلول الدواء مع مادة كيميائية بيولوجية خاصة في الوعاء المخصص لمحلول الأدوية، وبعدها يأتي دور استخدام التطبيق الطبي الخاص بتنفيذ العملية حيث يستخدم الجهاز الضوء لترسيخ الدواء وتحويله إلى حبة دواء.
النباتات الطبية ومستقبل الأدوية التقليدية والمطبوعة
أشارت الدراسات العلمية إلى أن تغير المناخ يسبب آثاراً ملحوظة على دورات الحياة وتوزيع النباتات الطبية التي تعيش في المناطق المرتفعة في العالم.
ويقول أستاذ النباتات الطبية والعطرية في المركز القومي المصري للبحوث العلمية، الدكتور السيد أبوالفتوح لبي بي سي:”إن المعرفة المحسنة للعوامل المسؤولة عن مثل هذه التغييرات المناخية تتطلب قياسات ميدانية مكثفة ومستمرة في المواقع التمثيلية لهذه النباتات للمحافظة عليها من الانقراض حتى لا تؤثر على الأدوية التقليدية التي تعتمد عليها”.
من الضروري إجراء المزيد من الأبحاث العلمية لتطوير استراتيجيات حفظ هذه النباتات وكذلك التقنيات الزراعية لإعادة زراعتها، إذ يشير أبوالفتوح إلى أن المزيد من البحث حول نطاق النباتات الطبية وكفاءة الإنتاج الكيميائي الثانوي لهذه النباتات خصوصاً في جبال الهيمالايا، حيث توجد نباتات طبية مهددة بالانقراض بسبب الاحترار المناخي قد يساعد في المحافظة عليها من الاندثار.
و تدخل النباتات الطبية بنوعيها البرية والمروية في الصناعات الدوائية مثل الزعتر وخس الجبل والعرقسوس والخرشوف البري وغيرها.
يعتقد الباحثون في مجال الأدوية الطبية أن الطباعة ثلاثية الأبعاد أظهرت “إمكانات هائلة” لمستقبل الرعاية الصحية، وتطورها لا يمكن إيقافه. ومع تطور التكنولوجيا يعمل الباحثون والمهندسون والعلماء على حلول مختلفة في المجالات الطبية والرعاية الصحية، حيث يمكن للطباعة ثلاثية الأبعاد أن تحدث ثورة في صناعة الأدوية وإنتاج المعدات الطبية، ويمكن أن تقدم أيضاً طرقاً جديدة لممارسة الطب، وتحسين سلاسل التوريد، واقتراح خدمات طبية بتكلفة رخيصة وأكثر تخصصاً.
الطباعة ثلاثية الأبعاد تجلب “الثورة الصناعية القادمة”
لا تقتصر تقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد على الأدوية فحسب، بل وتدخل في صناعات عديدة مثل الأغذية وصناعة السيارات وحتى الطائرات.
يقول مؤسس ومدير شركة “نوفا ميت” للحوم المطبوعة بتقنية ثلاثية الأبعاد، الدكتور جوسيبي سكيونتي:”إن إنتاج اللحوم بتقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد لا يختلف كثيراً عن طباعة الأدوية من الناحية التقنية”.
ويضيف سكيونتي في حديث لبي بي سي:”أن آلات الطباعة الثلاثية تقريباً تحمل ذات المبدأ مع اختلاف الوظيفة وحجم الآلة. على سبيل المثال آلة الطباعة ثلاثية الأبعاد للحوم يُعدّ حجمها كبيراً نوعاً ما مقارنة بحجم آلة طباعة الدواء”.
ويتم تصنيع اللحوم المستنبتة من خلال تقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد باستخدام العديد من تقنيات هندسة الأنسجة المماثلة ويتوقع أن يكون هذا اللحم مفيداً للناس بدءاً بالموارد البيئية، فبفضل تصنيعها في مختبرات، لا تحتاج للموارد ذاتها التي تستنزفها اللحوم العادية من أراضي الرعي والعلف والمياه.
ويعتقد العلماء أن اللحم المزروع قد يكون أكثر سلامة مقارنة باللحم العادي إذا أُخذ بعين الاعتبار التغيرات البيئية وتأثير انبعاثات ثاني أكسيد الكربون على الحيوانات.
الأدوية المطبوعة والتغير المناخي
تشير بعض الدراسات العلمية الحديثة إلى أن صناعة الأدوية عن طريق تقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد قد يساهم إلى حد كبير في مكافحة أو تخفيف حدة التغيرات البيئية والمناخية إذا تم التوسع في صناعتها.
يقول مدير شركة أبحاث “فاب ركس” البريطانية لصناعة الأدوية المطبوعة بتقنية ثلاثية الأبعاد، الدكتور في معهد البحوث العلمية في جامعة كلية لندن، ألفارو جويانس:”عندما تُصنّع الأدوية المطبوعة ثلاثية الأبعاد عند الطلب ستكون بالقرب من المريض، مما يقلل من الحاجة الحالية لامتلاك مخزون من الأدوية قد لا يستخدم بالكامل بسبب انتهاء صلاحية الأدوية، ويؤدي ذلك الى أضرار بيئية خلال عملية التخلص منها”.
ويضيف جويانس:”كما يمكن أن يؤدي تصنيع الأدوية بالقرب من المريض إلى تقليل البصمة الكربونية أيضاً من خلال عدم استخدام المرضى وسائط النقل للحضور إلى المستشفى أو الصيدلية مثلاً”.
ويعتقد بعض الباحثين أن الأدوية المطبوعة بتقنية ثلاثية الأبعاد ستساعد في الحد من التجارب المخبرية والطبية على الحيوانات والنباتات الطبية. ويقول مؤسس ومدير شركة “نوفا ميت” للحوم المطبوعة بتقنية ثلاثية الأبعاد، الدكتور جوسيبي سكيونتي:” الأدوية المطبوعة ستلغي عملية إجراء التجارب الطبية على الحيوانات و النباتات الطبية المهددة بالانقراض، لأن التقنية بحدّ ذاتها لا تتطلب إجراء التجارب المخبرية”.
يرى أستاذ النباتات الطبية والعطرية في المركز القومي المصري للبحوث العلمية، الدكتور السيد أبو الفتوح أنه لابد من دراسة التأثيرات الطبية بشكل دقيق للأدوية المصنعة بتقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد قبل التصريح باستخدامها بشكل واسع.
ويضيف أبو الفتوح:”من المهم أن تجرى دراسات وفحوصات سريرية على هذه الأدوية والوقوف على سُميتِها من خلال إجراء الدراسات المطلوبة، ومن ثم مقارنة هذه الأدوية بالأدوية التقليدية، قبل التطرق الى نجاحها في التخفيف من حدة التغيرات المناخية”.
يعتقد بعض العلماء والباحثين في المجال الطبي بشكل عام أن التطور التاريخي الذي رافق الطباعة والتصنيع من شأنه أن يزيد من فرص الوصول الى حلول لتجاوز المشكلات والعقبات في العديد من المجالات والقطاعات ومنها الطبية والدوائية والبيئية.