الصورة الأولى لتلسكوب دانييل كيه. إنوي للشمس، وهي الصورة الأكثر دقة لنجمنا حتى الآن. حقوق الصورة: NSO/NSF/AURA


 

التقط تلسكوب دانييل كيه إنوي الشمس (DKIST)، أكبر تلسكوب شمسي في العالم، أول صورة له للشمس الشهر الماضي، إذ تُعتبر أدق صورةٍ للشمس على الإطلاق.

 

تبدأ هذه الصورة دراسة للشمس يأمل العلماء أن تستمر لخمسين عام. تكشف الصور الجديدة هياكل مغناطيسية صغيرة بتفاصيل مذهلة. مع انتهاء أعمال بناء التلسكوب الذي يبلغ قُطره 4 أمتار في قمة بركن هاليكالا في جزيرة ماوي في هاواي، ستبدأ أجهزة التلسكوب بالعمل، مما سيزيد من قدرته على تصوير الشمس.

 

ستتيح الدقة والحساسية الفريدة لتلسكوب إنوي تفحص المجال المغناطيسي للشمس لأول مرة أثناء دراسته للأنشطة التي تتحكم بالطقس الفضائي حول الأرض. يمكن أن تتداخل الجسيمات المشحونة المُنبعثة من الشمس مع الأقمار الصناعية للأرض وشبكات الطاقة والبنية التحتية للاتصالات. سوف يدرس التلسكوب الجديد أيضاً أحد أكثر الألغاز الشمسية الغريبة: لماذا درجة حرارة هالة (إكليل) الشمس، أو الطبقة الخارجية، أعلى من حرارة سطحه المرئي.

 

بدأ بناء تلسكوب إنوي عام 2012. ومنذ ذلك الحين، لم يتجاوز ميزانيته وموعده المحدد، وفقاً لما ذكره ديف بوبولتز Dave Boboltz، مدير البرنامج التابع لقسم العلوم الفلكية في المؤسسة الوطنية للعلوم.

 

التقط التلسكوب الصورة الصادرة حديثاً، وهي أول صورة له، في 10 ديسمبر/كانون الأول 2019، لكن لم يكتمل بناء المرصد بعد. كان هناك أداة واحدة فقط تعمل في ذلك الوقت، وهي مُصور الضوء المرئي بالنطاق العريض (VBI)، تلتقط هذه الأداة صوراً عالية الدقة للغاية للسطح والغلاف الجوي السفلي للشمس.

 

بدأ تشغيل الأداة الثانية للمرصد، مقياس الاستقطاب الطيفي للضوء المرئي (VISP)، يوم الخميس (23 يناير/كانون الثاني). مثل الموشور، تفصل هذه الأداة الضوء إلى مكوناته لتوفير قياسات دقيقة لخصائصه عبر أطوال موجية متعددة. سيتم تشغيل الأدوات المتبقية مع استمرار أعمال البناء في المبنى المكون من 13 طابقاً، ومن المقرر بدء التشغيل الكامل في يوليو/تموز 2020.

 

كانت أولى الصور الضوئية عبارة عن صورٍ للشمس بألوان زائفة false color. نظراً لأن المبنى لا يزال قيد الإنشاء، فقد تمت معالجة الصور فقط ولكن لم يجري تحليلها لاستخراج النتائج العلمية. ومع ذلك، قال مدير المرصد توماس ريميل Thomas Rimmele أنّ الهياكل المغناطيسية التي ظهرت سابقاً في الصور الشمسية كنقاط ساطعة منفردة أصبحت الآن مرئية على شكل هياكل متعددة أكثر صِغراً، مما يوضح قدرات التلسكوب الشمسي الجديد.

 

 

من المخطط أن يستمر تلسكوب إنوي بالعمل لمدة 44 عام، مما سيوفر رصداً على مدى دورتين شمسيتين كاملتين، إذ تستغرق الدورة الشمسية 22 عاماً. من المرجح أن يجري تحديث أدواته بمرور الوقت.

 

تبعث الشمس المواد في الفضاء باستمرار في جميع الاتجاهات. تتفاعل هذه الرياح الشمسية المستمرة مع المجال المغناطيسي للأرض، مما يُسبب الشفق الشمالي والجنوبي.

 

لكن قد تحدث إنفجارات أخرى أكثر نشاطاً. في بعض الأحيان، تبعث الشمس أجزاء كبيرة من البلازما والجسيمات المعروفة باسم الانبعاثات الكتلية الإكليلية (CMEs)؛ إذا وصلت هذه الانبعاثات إلى الأرض، فيمكن أن تؤثر على الأقمار الصناعية وشبكات الطاقة، وقد تسبب أقواها في انقطاع التيار الكهربائي. وقعت إحدى أشهر الكوارث الحديثة في عام 1989 عندما ضربت عاصفة مغناطيسية مقاطعة كوبيك الكندية، مما أدى لانقطاع التيار الكهربائي لمدة تسع ساعات عبر الأراضي الكندية. حددت الدراسات تكلفة انقطاع التيار الكهربائي على نطاق واسع من عشرات المليارات إلى تريليونات الدولارات، حسب الظروف.

 

يمكن لهذه الآثار أن تصبح أكثر خطورة. قال بوبولتز: “يزيد اعتمادنا المتزايد على التكنولوجيا بشكل كبير من ضعفنا أمام الطقس الفضائي.”

 

يمكن أن تكون الآثار صغيرة ولكن مدمرة. في سبتمبر/أيلولو 2017، مع تقدم ثلاثة أعاصير عبر منطقة الكاريبي، تسببت الانفجارات الشمسية في العديد من الانقطاعات في الاتصالات الراديوية على الجانب المُشمس من الأرض. أوقفت هذه الانقطاعات الاتصالات خلال الوقت الخطير لتقدم الأعاصير، أحياناً لمدة وصلت إلى 8 ساعات.

 

قال فالنتن بيليت Valentin Pillet، مدير المؤسسة الوطنية للعلوم خلال المؤتمر الصحفي: “عند الجمع بين حدثٍ طبيعي خطير على الأرض مع حدثٍ طبيعي خطير على الشمس، فذلك يمثل تهديداً أكبر بكثير على مجتمعنا.”

 

سيسمح تلسكوب إنوي للفلكيين بتعلم المزيد حول ما يقود الطقس الفضائي. قد يساعد هذا الفهم في التنبؤ بالأحداث الخطيرة بسرعةٍ أكبر، مما يتيح لنا الاستجابة بسرعةٍ أكبر لهذه المواقف الخطيرة.

 

لن يعمل إينوي بمفرده لإنجاز هذا. قال بيليت “لفهم تأثير الطقس الفضائي، علينا استخدام نهجين متكاملين.” سوف يعمل إنوي وفق النهج الأول، إذ سيقوم بعمليات رصد عميقة للسطح الشمس المغناطيسي.

 

يتطلب النهج الثاني إرسال مركبات فضائية  إلى الشمس.

 

تم إطلاق مسبار باركر الشمسي التابع لناسا في عام 2018 وسيقترب من الشمس حتى مسافة 4 ملايين ميل (6 ملايين كيلومتر). في فبراير/شباط، ستطلق ناسا بالاشتراك مع وكالة الفضاء الأوروبية المركبة المدارية الشمسية، وهي مهمة مُكرسة لدراسة الغلاف الشمسي، التي هي فقاعة من الجسيمات المشحونة التي تحملها الرياح الشمسية عبر الفضاء.

 

قال بيليت أنّ هذه المجموعة الثلاثية “مُتكاملة بطرق مختلفة.” فبينما سيوفر إنوي نظرة مفصلة على المجال المغناطيسي للشمس، ستدرس المهمتان الفضائيتان النشاط والطقس الشمسي.

 

قال بيليت: “ستكون هذه المجموعة في طليعة الاكتشافات خلال نصف القرن المقبل. إنه وقتٌ رائع لعلماء الفلك الشمسيين.”


nasainarabic.net