هل بإمكاننا السفر إلى أكوان أخرى باستخدام الثقوب الدودية؟. حقوق الصورة: ktsdesign/Shutterstock.
لقد غيرت نظرية النسبية العامة لألبرت أينشتاين تفكيرنا حول المفاهيم الأساسية في الفيزياء مثل المسافة والزمن بشكل جذري، ولكنها تركت لنا أيضًا بعض الألغاز العميقة. أحدها هو الثقوب السوداء والتي رصدت فقط بشكل لا يقبل الشك على مدار السنوات القليلة الماضية. والآخر هو الثقوب الدودية التي هي عبارة عن جسور تربط بين نقاط مختلفة في الزمكان، ما يوفر نظريًا طرقًا مختصرة للمسافرين عبر الفضاء.
لا تزال الثقوب الدودية أمرًا خياليًا، ولكن بعض العلماء يعتقد بأننا سنصبح قادرين على العثور عليها أيضًا قريبًا. لقد اقترحت العديد من الدراسات الجديدة على مدار الشهور القليلة الماضية طرقًا مثيرة للاهتمام للتقدم.
إن الثقوب السوداء والثقوب الدودية هي أنواع خاصة من الحلول لمعادلات أينشتاين، إذ تنشأ عندما ينحني نسيج الزمكان بشدة بفعل الجاذبية. على سبيل المثال: عندما تكون المادة كثيفة لأقصى حد، يمكن لنسيج الزمكان أن يصبح منحنيًا جدًا لدرجة أن الضوء نفسه لا يستطيع الهروب. ذلك هو الثقب الأسود.
وحيث أن النظرية تسمح لنسيج الزمكان بالتمدد والانحناء، فإنه يمكن للشخص أن يتخيل جميع الأنواع من التكوينات الممكنة. في عام 1935، بيّن أينشتاين والفيزيائي ناثان روسن Nathan Rosen كيف يمكن لطبقتين من الزمكان أن تتحدا بعضهما مع بعض، مكونتين جسرًا بين كونين؛ إن هذا نوع واحد من الثقوب الدودية، وقد تُخيَّل العديد غيرها منذ ذلك الحين.
يمكن أن تكون بعض الثقوب الدودية “قابلةً للعبور”، ما يعني أن البشر يمكن أن يكونوا قادرين على السفر من خلالها، ومن أجل ذلك الغرض، يتوجب أن تكون هذه الثقوب كبيرة بشكل كافٍ وأن تبقى مفتوحةً ضد قوى الجاذبية التي تحاول إغلاقها. سيتطلب دفع الزمكان إلى الخارج بتلك الطريقة كميات هائلة من “الطاقة السلبية”.
هل يبدو ذلك مثل الخيال العلمي؟ نحن نعلم أن الطاقة السلبية موجودة، فقد أُنتجت كمياتٌ صغيرةٌ منها بالفعل في المختبر. كما نعلم أيضًا أن الطاقة السلبية مسؤولةٌ عن التمدد المتسارع للكون، وبالتالي يبدو أن الطبيعة قد وجدت طريقة لصنع الثقوب الدودية.
رصد الثقوب الدودية في السماء
كيف يمكننا إثبات وجود الثقوب الدودية؟ في بحث جديد نُشِر في الإشعارات الشهرية للجمعية الملكية، يقترح علماء فلك روس أن الثقوب الدودية يمكن أن تكون موجودة في مركز بعض المجرات المضيئة جدًا، وقد اقترحوا بعض الملاحظات للعثور عليها. إن هذا مبني على ما سيحدث إذا اصطدمت المادة المنبثقة من جانبٍ واحدٍ من الثقب الدودي بالمادة التي كانت تسقط فيه. تظهر الحسابات أن التصادم سينتج عنه عرض مذهل لأشعة غاما يمكننا محاولة رصده باستخدام التلسكوبات.
قد يكون هذا الإشعاع هو المفتاح للتمييز بين الثقب الدودي والثقب الأسود الذي كان يُفترض سابقًا أنه لا يمكن تمييزه من الخارج.
لكن يجب أن تنتج الثقوب السوداء كميةً أقل من أشعة غاما وأن تخرجها في شكل عمود، بينما سيقتصر الإشعاع الناتج عن ثقب دودي على كرة عملاقة.
على الرغم من أن نوع الثقب الدودي الذي دُرس في هذه الدراسة يمكن عبوره، فإنها لن تكون رحلةً ممتعةً، ونظرًا لأنها ستكون قريبةً جدًا من مركز مجرة نشطة، فإن درجات الحرارة المرتفعة ستحرق كل شيء. لكن هذا لن تكون الحال بالنسبة لجميع الثقوب الدودية، كتلك البعيدة عن مركز المجرة.
لا تُعتبر فكرة احتواء المجرات على ثقوبٍ دوديةٍ في مراكزها بالفكرة الجديدة. خذ حالة الثقب الأسود الهائل في قلب مجرة درب التبانة على سبيل المثال. لقد اكتُشِف ذلك بواسطة التعقب الدقيق لمدارات النجوم القريبة من الثقب الأسود، وهو إنجاز كبير حصل على جائزة نوبل في الفيزياء في عام 2020، لكن يقترح أحد الأبحاث الحديثة أن سحب الجاذبية هذا قد يكون ناتجًا عن ثقبٍ دودي.
على عكس الثقب الأسود، قد “يسرّب” الثقب الدودي بعض الجاذبية من الأجسام الموجودة على الجانب الآخر. سيضيف عمل الجاذبية المرعب هذا دفعة صغيرة لحركة النجوم القريبة من مركز المجرة. وفقًا لهذه الدراسة فإنه يجب أن يكون هذا التأثير المحدد قابلًا للقياس في أرصاد المستقبل القريب بمجرد أن تصبح حساسية أدواتنا أكثر تقدمًا قليلًا.
وبالمصادفة، أشارت دراسةٌ حديثةٌ أخرى إلى اكتشاف “دوائر راديو غريبة” في السماء. هذه الدوائر غريبة لأنها ضخمة ولا تشكل جزءًا من أي شيء مرئي حتى الآن. في الوقت الحالي، هي تتعارض مع أي تفسير تقليدي، لذلك قدمت الثقوب الدودية كسبب محتمل.
علبة من الديدان
تسيطر الثقوب الدودية بقوة على خيالنا الجماعي. بطريقةٍ ما، تُعتبر شكلًا رائعًا من أشكال الهروب على عكس الثقوب السوداء التي تُعتبر مخيفةً بعض الشيء لأنها تحبس كل شيء يدخلها. قد تسمح لنا الثقوب الدودية بالسفر إلى أماكنَ بعيدةٍ أسرع من سرعة الضوء، وقد تكون في الواقع آلات زمنية توفر طريقًا للسفر للخلف، كما اقترح الراحل ستيفن هوكينغ في كتابه الأخير.
تظهر الثقوب الدودية أيضًا في فيزياء الكم التي تحكم عالم الذرات والجسيمات. وفقًا لميكانيكا الكم، يمكن للجسيمات أن تخرج من الفراغ فقط لتختفي بعد لحظة. لقد شوهد هذا في تجاربَ كثيرةٍ لا حصرَ لها. وإذا كان من الممكن خلق الجسيمات، فلِمَ لا يمكن خلق الثقوب الدودية؟ يعتقد الفيزيائيون أن الثقوب الدودية ربما تكونت في بدايات الكون من رغوة من الجسيمات الكمومية التي تظهر وتختفي من الوجود. قد تكون بعض هذه “الثقوب الدودية الأولية” موجودةً حتى اليوم.
أثبتت التجارب الحديثة على “الانتقال الكمي” -وهو نقل “غير متجسد” للمعلومات الكمومية من موقع إلى آخر- أنها تعمل بطريقةٍ تشبه بشكلٍ مخيف ثقبين أسودين متصلين ببعضهما عبر ثقبٍ دودي. يبدو أن هذه التجارب تحل “مفارقة المعلومات الكمومية”، والتي تقترح أن المعلومات الفيزيائية يمكن أن تختفي نهائيًا في الثقب الأسود. لكنها تكشف أيضًا عن وجود علاقة عميقة بين النظريات غير المتوافقة المعروفة لفيزياء الكم والجاذبية -إذ تكون الثقوب الدودية ذات صلة بكليهما- والتي قد تكون مفيدةً في بناء “نظرية كل شيء”.
من غير المرجح أن تمر حقيقة أن الثقوب الدودية تلعب دورًا في هذه التطورات الرائعة بدون ملاحظة. ربما لم نرها، لكن من الممكن بالتأكيد أن تكون موجودةً، وقد تساعدنا حتى في فهم بعض أعمق الألغاز الكونية، مثل ما إذا كان كوننا هو الوحيد أم لا.