في بحث علماء الفلك عن أقرب ثقب أسود إلى الأرض، بزغ أمامهم مرشح جديد لأن يكون الثقب الأسود الأقرب إلينا.
ويقع على بعد نحو 1000 سنة ضوئية، أو ما يعادل تقريبا 9.5 ألف مليون، مليون كيلومتر في الكوكبة (مجموعة نجوم) التي تعرف باسم كوكبة المرقب، وباللغة اللاتينية: “Constellation Telescopium”، ويمكن رصدها عبر التلسكوبات الواقعة في نصف الكرة الأرضية الجنوبي.
وقد لا يبدو (هذا الثقب الأسود) قريبا جدا إلينا، ولكن بقياس المسافات في سعة كوننا الهائلة، يبدو فعليا بجوارنا تماما.
لقد استدل العلماء على وجود هذا الثقب الأسود من الطريقة التي يتفاعل بها مع نجمين قريبين منه؛ أحدهما يدور في مدار الثقب والنجم الثاني يدور في مدار حولهما معا.
وفي العادة، تكتشف الثقوب السود من الطريقة التي يتفاعل فيها الثقب الأسود بعنف مع سحابة الغاز والغبار التي تتراكم حوله في صورة أقرب لصورة القرص. إذ يمزق هذه المادة المحيطة به وينجم عن ذلك انبعاث غزير لأشعة أكس. وهذه الأشارة ذات الطاقة العالية هي ما يلتقطها التلسكوب، وليس الثقب الأسود نفسه (الذي لا يمكن رؤيته).
لذا بدت هذه الحالة الجديدة غير معتادة، فحركة مجموعة النجوم هذه التي تعرف باسم “أج أر 6819” هي التي كانت وراء الكشف هذه المرة.
ويقول ديتريش باده، عالم الفلك في هيئة المرصد الجنوبي الأوروبي ومقرها في غارشنغ في ألمانيا إن ” هذا ما نسمية الثقب شديد السواد أو الحالك؛ إنه أسود فعلا بكل معنى الكلمة”.
وأضاف متحدثا لبي بي سي: “نعتقد أن تلك قد تكون المرة الأولى التي يكتشف فيها ثقب أسود بهذه الطريقة. وليس ذلك فحسب، بل أنه الأقرب من بين كل الثقوب السود إلينا، بما فيها تلك التي نستدل عليها من تراكم المادة حولها جراء جاذبيتها الهائلة”.
“بالعين المجردة”
وأحد الجوانب المثيرة في هذه القصة تتمثل في إمكانية رؤية “أج أر 6819” بالعين المجردة، إذا نظرنا إليها من الجهة الجنوبية للأرض في سماء رائقة. ولا تحتاج لرؤيتها إلى تلسكوب أو منظار، على الرغم من الظروف في هذه اللحظة قد تكون خادعة، لأن نسق النجوم هذا يبزغ من خلف الشمس في هذه الأيام.
وقد بدأ العلماء بدراسة هذا النسق النجمي الثلاثي “أج أر 6819” قبل عدة سنوات، عندما كانوا يبحثون عما يصطلح عليه “بي ستار”، وهو نجم يدور بسرعة شديدة توشك أن تتسبب بتمزقه، والشيء الخارجي في هذا التزاوج النجمي يعطينا مثالا جيدا عن ذلك. بيد أن سلسلة من الظروف جعلت هذا البحث لا يكتمل إلا مؤخرا.
وكشف فريق البحث، الذي استخدم تلسكوبا بسعة 2.2 مترا في مرصد لا سيلا الفلكي في تشيلي، أن النجم الداخلي من النجمين المرئيين يدور حول شيء غير مرئي كل أربعين يوما.
ويمتلك هذا الشيء، الذي يفترض أنه ثقب أسود، كتلة تعادل، على الأقل، أربع مرات كتلة شمسنا الحالية.
ولم يشخص علماء الفلك حتى يومنا هذا سوى نحو عشرين ثقبا أسود في مجرة درب التبانة (اللبانة)، وجميعهم تقريبا من النوع الذي يتفاعل بعنف مع قرص الغاز والغبار المحيط به ويُستدل عليه من انبعاث أشعة أكس.
بيد أن الحسابات الرياضية الكونية تشير إلى ثمة العديد من الثقوب السوداء الأخرى حولنا، والمزيد منها في الفضاء الأوسع.
وتقول ماريان هيدا، التي تقوم ببحث في مرحلة ما بعد الدكتوراه في المرصد الجنوبي الأوروبي، لبي بي سي: ” في مجرة درب التبانة، يشير الاعتقاد النظري إلى أن ثمة نحو 100 مليون ثقب أسود. لذا ينبغي أن يكون هناك المزيد من الثقوب السوداء قريبة منا”.
ونشر البحث الذي يصف هذا الاكتشاف ويوثقه في دورية الفلك والفيزياء الفلكية.