- سناء الخوري
- مراسلة الشؤون الدينية – بي بي سي نيوز عربي
قبل 19 دقيقة
سوار رقمي، بطاقات ذكية، تطبيقات صحيّة، ورجال آليون… هذا بعض ما يجربه زوّار مكة هذا العام، خلال موسم الحج الثاني في ظلّ وباء كورونا.
في موسم هذا العام، تبنت وزارة الحج والعمرة في السعودية توجهاً رقمياً لتذليل العقبات الصحية الناتجة عن كوفيد – 19.
وفي العدد الأحدث من مجلة الحج الرسمية الصادرة عن الوزارة، يقول نائب وزير الحج عبد الفتاح مشاط إن “التقنية توجه استراتيجي لخدمة ضيوف الرحمن”. ويضيف: “موسم الحج الحالي سيكون رقمياً بالكامل”.
هذا التوجه ليس جديداً، لكنه بات ضرورة ملحّة مع الطوارئ التي فرضها الوباء. فخلال السنوات القليلة الماضية، رافقت الشاشات الذكية رحلة الحجاج، وأتيح لكل حاج تقديم سرد شخصي جداً لتجربته الروحانية عبر تطبيقات المراسلة وحساباته على مواقع التواصل الاجتماعي.
الحج للشباب
تقول فرح نقوزي المؤسسة المشاركة للموجز الرقمي لـ بي بي سي نيوز عربي: “لم يعد الحج صوراً بالأبيض والأسود، بات الحجاج اليوم ينقلون المناسك مباشرة عبر هواتفهم الذكية، ويلتقطون صور سيلفي مع الكعبة”.
وبحسب نقوزي، فإن رقمنة موسم الحج ليست “فورة”، بل تندرج “ضمن خطة تسعى السعودية لتنفيذها ضمن رؤية 2030، بهدف إيجاد حلول رقمية لتنظيم الحشود، والمواصلات، وتسهيل رحلة الحج السنوية، ولكن الطوارئ الصحية عجلت في تنفيذها”.
تقول نقوزي: “كان الحج في الماضي مشقة، وكانت يستقطب في الغالب كبار السن، الآن تغير الأمر، وبات متاحاً لكل الشرائح العمرية”.
وبحسب إحصائيات وزارة الحج والعمرة، فقد تلقت البوابة الالكترونية للحج هذا العام نحو 600 ألف طلب، 26 بالمئة من أصحابها ينتمون إلى الفئة العمرية 21-30 عاماً، و38 بالمئة منهم من الفئة العمرية 31-40 عاماً، ولم تتجاوز نسبة من هم فوق الستين 2 بالمئة.
كلّ خدمة لها زرّ
إلى جانب إدارة الحشود، وضمان الالتزام بالإجراءات الصحية، يمكن أن تساعد الرقمنة في الحد من السرقة مثلاً، مع عدم اضطرار الحجاج لحمل النقود، إلى جانب الحدّ من التدافع الناتج عن الزحمة، والسرعة في إسعاف من يتعرض لوعكة صحية.
هناك تقنيات عديدة مستخدمة هذا العام لإدارة موسم الحج الذي يقتصر على مشاركة 60 ألف حاج وحاجة من المقيمين داخل السعودية.
من أبرز تلك التقنيات بطاقة “شعائر” الذكية التي تحتوي على معلومات الحجاج الصحية، والسكنية، والشخصية، وتساعدهم على الدخول عبر البوابات الذكية، وتفقّد ملفهم الصحي، والعثور على الحافلات التي تقلهم.
هناك أيضاً تطبيق “توكلنا” الذي بلغ عدد مستخدميه نحو 21 مليوناً، وهو التطبيق المستخدم في السعودية للحد من انتشار فيروس كورونا.
ومن التطبيقات المطوّرة لهذا الموسم تطبيق “تنقل” الذي يسهل على الحجاج حجز العربات الكهربائية عبر الهواتف الذكية؛ وكذلك تطبيق “مناسكنا” لتسهيل الحركة وتوفير أرقام الطوارئ، وتطبيق “أسعفني” لتلقي الخدمات الصحية.
هناك أيضاً تطبيق “مصحف الحرمين”، ويتضمن تلاوات لأئمة المسجد الحرام والمسجد النبوي السابقين والحاليين. كذلك اعتمد تطبيق لتسهيل تقديم ذبائح عيد الأضحى هو “منصة إحسان” لتوزيع الأضاحي.
ولن تكون الرقمنة مقتصرة على موسم الحج، بل هي استراتيجية من المتوقع استخدامها على مدار العام، خلال موسم العمرة، والذي بات له أيضاً تطبيق خاص هو “اعتمرنا”.
انترنت حول الكعبة
من التقنيات الرقمية التي ستدخل حيز التجربة هذا العام، سوار ذكي باسم “نُسك” طورته “شركة الاتصالات السعودية stc”، وستجرب منه 5 آلاف نسخة خلال موسم الحج هذا العام.
يقول المدير العام لتطوير الأعمال الحديثة في stc سعود الشريهي لبي بي سي نيوز عربي، إن السوار مشروع مشترك بين الشركة و”الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي (سدايا) بالتعاون مع وزارة الحج والعمرة وبرنامج ضيوف الرحمن”.
ومن بين الخدمات التي يوفرها السوار، “طلب المساعدة الطبية أو الأمنية أو التوجيهية، وعرض الحالة الصحية وقياس نسبة الأكسجين ومعدل نبضات القلب”.
ويوضع الشريهي إن سوار “نُسك” يندرج في إطار خطة لزيادة فعالية الإجراءات “عبر منظومة تقنية تعتمد على إنترنت الأشياء لتحسين تجربة الحاج وتقديم خدمات نوعية له”.
كذلك جهزت “شركة الاتصالات السعودية” رجلين آليين، الأول شخصي، يمكنه التجول بين الحجاج والإجابة عن استفساراتهم، والآخر أمني مخصص لمراقبة ومتابعة الالتزام بالتدابير الوقائية.
وانتشرت على مواقع التواصل أشرطة مسجلة لروبوت سمي “السقيا المتحركة” مهمته توزيع مياه زمزم على الحجاج، لتسهيل التباعد الاجتماعي.
اتساع حيّز الرقمنة، قد يضع عقبات أمام اكتمال التجربة الروحانية للفريضة الدينية، والتركيز على الشعائر وما تتطلبه من سكون.
برأي الشريهي، فإن التقنيات المستخدمة مثل “نسك” هدفها “تخفيف العبء عن الحجاج، من منطلق الحرص على صحتهم وسلامتهم، ولا تؤثر على تركيز الحاج وروحانية رحلته”.
هواجس الخصوصية
تطرح الرقمنة تحدياً آخر، حول خصوصية المستخدمين، خصوصاً مع إعلان السلطات السعودية عن استخدام نظام “بنان” للتعرف على الوجوه، خلال الموسم الحالي.
يهدف النظام وفق حساب “سدايا” على تويتر إلى “التحقق من صلاحية تصريح الحج، ومعرفة جثث مجهولي الهوية، وتحديد هوية فاقدي الوعي في المستشفيات”.
تشير سياسة الخصوصية وحماية البيانات المعتمدة في السعودية إلى ضرورة “أن يقتصر جمع البيانات الشخصية على الحد الأدنى من البيانات الذي يمكن من تحقيق الأغراض المحددة في إشعار الخصوصية”.
يقول محمد نجم، المدير التنفيذي لمنظمة “سمكس” المختصة بالحقوق والحريات الرقمية، “إن استخدام تقنيات المراقبة في دول الخليج جزء من الديكتاتوريات الرقمية، إذ تعمل حكومات الخليج بشكل عام، وتحديداً السعودية والإمارات، على بسط سيطرتها على الإنترنت في دولها وفي المنطقة”.
تعمل “سمكس” (social media exchange) وهي منظمة غير حكومية، مقرها لبنان، على إصدار تقارير دورية حول حماية الخصوصية والبيانات الشخصية في المنطقة العربية.
يخشى نجم من استخدام البيانات حول تاريخ الحجاج الصحي، وتقنيات التعرف على وجوههم، في غير محلها. ويشير إلى التراجع عن استخدام تقنيات التعرف على الوجوه لخطورتها على الأمان الرقمي، في دول مثل الولايات المتحدة.
ويضيف نجم لبي بي سي نيوز عربي: “في سجل السعودية خروق كثيرة لحقوق الانسان، وتوسيع سيطرتها على الفضاء الرقمي، قد يؤدي على الأرجح إلى المزيد من الخروق. ليس هناك احترام لبيانات الأفراد الشخصية في السياسات هناك. نخشى أن تؤثر هذه التقنيات على بيانات ملايين الحجاج في السنوات المقبلة”.