• جاستین رولات
  • كبير مراسلي شئون البيئة- بي بي سي

قبل 23 دقيقة

شخص يسبح في المياه

توصل باحثون من جامعة كمبريدج البريطانية إلى أن السباحة في المياه الباردة قد تحمي المخ من الأمراض التنكسية كالخرف.

إذ تم لأول مرة اكتشاف بروتين ناتج عن “صدمة البرودة” في دم معتادي السباحة الشتوية في مسبح بارليامنت هيل ليدو المكشوف في لندن.

وقد أثبت البروتين قدرته على إبطاء ظهور مرض الخرف، وكذلك إصلاح بعض التلف الناجم عنه في الفئران.

وتقول البروفيسورة جيوفانا مالوتشي التي تدير معهد أبحاث الخرف في جامعة كمبريدج إن هذا الكشف قد يقود الباحثين باتجاه التوصل إلى علاجات جديدة ربما تساعد في منع الإصابة بالخرف.

ولا يزال البحث -رغم كونه واعداً- في مرحلة مبكرة، لكنه يركز على قدرة السبات الشتوي التي تتمتع بها جميع الثدييات، والتي يحفزها التعرض للبرودة.

ويعاني من الخرف أكثر من مليون شخص بالمملكة المتحدة، ومن المتوقع أن يتضاعف هذا الرقم بحلول عام 2050. ويحاول الباحثون إيجاد طرق جديدة لعلاج المرض، إذ أن الخيارات المتاحة حالياً ذات أثر محدود.

يعلم الأطباء منذ عقود أن تبريد الأشخاص -في بعض الظروف- يمكن أن يساعد في حماية أدمغتهم.

إذ يجري عادة تبريد درجة حرارة أجسام الأشخاص الذين تعرضوا لإصابات في الرأس وهؤلاء الذين يحتاجون إلى عمليات بالقلب، أثناء خضوعهم للجراحة، مثلما يحدث مع المواليد.

غير أن الأمر الذي لم يُفهم جيداً بعد، هو السبب وراء هذا التأثير الواقي للبرودة.

جهازك لا يدعم تشغيل الفيديو

التعليق على الفيديو،

كيف يمكن تصميم منازل لمرضى الخرف؟

فخلال المراحل الأولى للزهايمر والأمراض العصبية التنكسية الأخرى تتعرض الموصلات العصبية بين خلايا المخ للتلف، مما يودي إلى سلسلة من الأعراض المرتبطة بالخرف، ومن بينها فقدان الذاكرة والارتباك والتقلبات المزاجية، وصولاً لموت خلايا المخ بالكامل.

وما أثار اهتمام البروفيسورة مالوتشي هو حقيقة أن الموصلات العصبية في المخ تختفي أثناء دخول حيوانات كالدببة والقنافذ والخفافيش سباتها الشتوي.

إذ يتم التخلص من 20 إلى 30% من الموصلات العصبية بحيث تحافظ أجسادهم على مواردها الثمينة لفصل الشتاء. لكن حين تخرج هذه الحيوانات من سباتها في الربيع، يتم إصلاح الموصلات العصبية بأعجوبة.

لماذا يمكن أن يكون التعرض للبرودة خطيرا؟

للبرودة تاثير قوي على جسم الإنسان

للبرودة تأثير قوي على جسم الإنسان. فصدمة دخول الماء البارد تسبب ارتفاعاً حاداً في معدل ضربات القلب وضغط الدم، مما قد يؤدي إلى نوبات وسكتات قلبية لدى هؤلاء الذين يعانون من أمراض كامنة. كما أنها تسبب اللهاث اللا إرادي والتنتفس السريع، مما قد يؤدي إلى الغرق في حال حدوث استنشاق للمياه. وكلما زاد الوقت الذي يمضيه الشخص داخل المياه، كلما تباطئت استجاباته. فقد يصاب الناس بالارتباك والاضطراب ويجدون صعوبة في الخروج من المياه.

وتقول الدكتورة هيذر ماسي الباحثة في مختبر البيئات القاسية في جامعة بورتسموث إن ثمة أشياء مهمة ينبغي أن نتذكرها:

  • قبل نزول المياه الباردة، عليك أن تتأكد أنك بصحة جيدة، وإذا كنت غير متأكد، استشر طبيبك.
  • قم بالسباحة مع أشخاص اعتادوا المياه الباردة، وتحقق من المخاطر المحيطة.
  • اخرج من المياه إذا شعرت بالبرد.
  • ابحث عن مأوى، وارفع ملابسك المبللة، ثم ضع أكبر عدد ممكن من طبقات الملابس الجافة والدافئة، بما في ذلك قبعة صوفية وقفازات.
  • استمر في التحرك، وقم بتدريبات رياضية إن استطعت، ولا تقلق بشأن الارتجاف، فهو يساعدك على الشعور بالدفء.

غير أن الدكتورة ماسي تشدد على ضرورة عدم الحصول على حمام ساخن بعد الخروج من المياه. فتغير ضغط الدم أثناء عملية التدفئة قد يسبب الإغماء ويهدد بحدوث لإصابات.

المواد الكيميائية الناجمة عن “صدمة البرودة”

توصل فريق أبحاث الخرف بجامعة كمبريدج عام 2015 إلى “المواد الكيميائية الناجمة عن صدمة البرودة” والتي تحفز حدوث هذه العملية.

فقد قاموا بخفض درجات حرارة أجسام فئران سليمة وأخرى مصابة بالزهايمر ومرض بريون (مرض عصبي تنكسي) إلى ما دون الـ35 درجة مئوية. وحين أعادوا تدفئتها، اكتشفوا أن الفئران السليمة فقط هي التي تمكنت من إعادة بناء موصلاتها العصبية، بينما لم تستطع الفئران المصابة بالزهايمر وبريون القيام بذلك.

وفي الوقت نفسه، وجدوا أن مستويات بروتين “صدمة البرودة” والمسمى بـ RBM3 ارتفعت لدى الفئران السليمة دون الأخرى. وهو الأمر الذي يرجح أن RBM3 قد يكون المفتاح لبناء موصلات جديدة.

مراسل بي بي سي جاستين رولات يختبر السباحة في المياه الباردة
التعليق على الصورة،

مراسل بي بي سي جاستين رولات يختبر السباحة في المياه الباردة

وأثبت الباحثون هذه الصلة في تجربة منفصلة تبين خلالها أن تعزيز مستويات بروتين RBM3 اصطناعياً يمكنه منع موت الخلايا في حالات الإصابة بالزهايمر وبريون.

وقد مثلت هذه النتائج اختراقاً كبيراً في مجال أبحاث الخرف، وتم نشرها في دورية نيتشر العلمية.

سباحو الشتاء

تعتقد البروفيسورة مالوتشي أن عقاراً يحفز انتاج بروتين RBM3 قد يبطئ -وربما يعكس جزئيا- تطور بعض الأمراض العصبية التنكسية.

ولم يكن بروتين RBM3 قد تم اكتشافه في دم الإنسان، لذا فكان واضحاً أن الخطوة التالية هي تحديد ما إذا كان موجوداً لدى البشر.

وأوضحت خلال حديثها في برنامج توداي على بي بي سي راديو فور أنها أرادت اختبار الدور الذي يلعبه RBM3 لدى البشر، لكن الضوابط الأخلاقية جعلت من الصعب للغاية الحصول على إذن لجعل المشاركين في التجربة يعانون من انخفاض في درجة الحرارة.

وفي خطوة للأمام، تطوع مارتن بيت الذي يسبح مع آخرين في فصل الشتاء في مسبح ليدو المكشوف وغير المدفئ في منطقة هامستيد هيث بلندن. وقام السباحون بخفض درجات حرارة أجسامهم طوعاً بشكل اعتيادي، ثم أخبروا مالوتشي في رسالة إلكترونية أنهم مستعدون للمشاركة في الدراسة.

وافقت البروفيسورة مالوتشي، وقام فريقها بالبحث عن البروتين في دم السباحين خلال فصل الشتاء في الفترة بين عامي 2016 و2018.

ولمقارنة النتائج، استخدم الباحثون أعضاء نادى لرياضة التاي تشي يتدربون بجوار المسبح لكنهم لم يسبحوا على الإطلاق.

وخلص فريق كمبريدج إلى أن عدداً كبيراً من السباحين لديهم مستويات مرتفعة من بروتين RBM3. وكانت درجات حرارة أجسامهم قد انخفضت إلى 34 درجة مئوية. بينما لم يسجل أي من أعضاء فريق التاي تشي ارتفاعاً في مستويات بروتين RBM3 ولم تنخفض درجات حرارتهم.

هل يمكن للبرودة أن تبطئ تطور الخرف؟

تم تداول نتائج دراسة كمبريدج لسباحي الشتاء في محاضرات على الانترنت، لكنها لم تنشر بعد في دورية علمية.

وقد اكتشف باحثون آخرون وجود مستويات مرتفعة مماثلة من بروتين RBM3 لدى المواليد ومرضى القلب والسكتات الذين تعرضوا للتبريد.

وتقول البروفيسور مالوتشي إن هذه النتائج تشير إلى أن أجسام البشر تنتج بروتين “صدمة البرودة” مثلما تفعل الثدييات في سباتها الشتوي.

وتضيف أن التحدي الآن هو إيجاد عقار يحفز إنتاج البروتين في البشر وأن يثبت قدرته بالفعل على إبطاء الخرف.

ويعد الخرف مرضاً يصيب كبار السن في الغالب، وبالتالي فإن تأخير ظهوره يمكن أن تكون له فوائد كبيرة بالنسبة للأفراد وللمجتمع.

تقول مالوتشي” إذا أبطئنا تقدم الخرف لدى الجميع حتى بمقدار بضع سنوات، فسيكون لذلك تأثير هائل اقتصادياً وصحياً”.

بي بي سي العربية