- سوزانا قسوس
- بي بي سي نيوز عربي
قبل 32 دقيقة
ربما رأيتم صور مصر القديمة التي مثلتها تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي وانتشرت بشكل واسع على شبكة الإنترنت. هذه الصور تُخمّن كيف ستبدو مصر القديمة لو صُوّرت عبر وسائل التكنولوجيا الحديثة.
لا شك أن آثار مصر والحضارة القديمة فيها تروي قصصاً من التاريخ والنهضة العمرانية للمصريين القدماء، لكن إلى أي مدى يمكننا الاعتماد على تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي كمرجع فيما يتعلق بالمواقع الأثرية والتاريخية؟ وما المعايير التي يعتمدها الذكاء الاصطناعي في تصوير هذه المشاهد؟
صور تخيلية للحضارة المصرية القديمة
تقول الأستاذة المساعدة الجامعية في الذكاء الاصطناعي سارة الشابسوغ: “الذكاء الاصطناعي وتعلم الآلة هما مفهومان متداخلان ويعملان معاً على جعل الحاسوب أو الجهاز يفكر كالإنسان ويأخذ قرارات لبيانات هو لا يمتلك أي خلفية مسبقة عنها. يتم ذلك من خلال تدريب خوارزمية مسبقاً على مجموعة من البيانات الضخمة لتستطيع التدرب عليها لإيجاد الإجابة في المستقبل بشكل صحيح على أي سؤال يُطرح”.
تجري عملية تصنيع الصور التي تحاكي الحضارة الفرعونية بأقرب طريقة من خلال تدريب الخوارزمية على العدد الهائل ما بين الصور القديمة لتماثيل وأهرامات ومعابد ضخمة والوضع في العصر الحالي من مباني وناطحات سحاب، فإنك تقوم بتعريف الذكاء الاصطناعي على هذه الحضارة أو موضوع ما، ليتمكن من استخلاص نمط معين سائر في الحضارة لمحاكاة هذه الصور وتأليف بيانات جديدة من خلال تتبع هذا النمط لسمات هذه الحضارة في الصور المعطاة وتوقع شكل الحضارة لو استمرت، بحسب الخبيرة في الذكاء الاصطناعي.
كيف يرى الذكاء الاصطناعي هذه الصور؟ وكيف يتعرف على المواقع الأثرية بشكل خاص؟ تجيب الشابسوغ: “الذكاء الاصطناعي وجد أنه لو استمرت الحضارة الفرعونية، لكانت استمرت بنياتها بمكوني الطين والطوب الحجري، فنرى من خلال الصور المنتشرة للحضارة المصرية القديمة أن معظم الصور تستخدم الطين والطوب الحجري لاستكمال المباني.
بالإضافة إلى ذلك، وجد الذكاء الاصطناعي أن الحضارة المصرية القديمة كانت تعتمد بشكل كبير على العمدان العالية الموسومة بصور الآلهة والتي وُجدت بشكل واضح في الصور المنتشرة عن الحضارة القديمة في مصر، كما قالت الشابسوغ.
دقة تصوير المواقع الأثرية عبر الذكاء الاصطناعي
تقول الأستاذة الجامعية في الذكاء الاصطناعي: “الدقة تتقدم مع الوقت وهي تعتمد بشكل كبير على كمية ودقة المعلومات والبيانات التي نقدمها للذكاء الاصطناعي. وكل ما كانت المعلومات الموفّرة لهذه التكنولوجيا دقيقة، كانت الأجوبة والنتائج أدق أو أقرب صورة للواقع. كما أن الذكاء الاصطناعي قادر على استرجاع الصور القديمة وكأنها صُورت في وقتنا الحالي”.
وتقول الشابسوغ إن الذكاء الاصطناعي قادر على نقل صورة المواقع ومحاكاة المواقع ذاتها كما لو أنها موجودة ومستمرة كما كانت عليه في العصور القديمة.
وتضيف: “بالنسبة لحضارة قديمة وثرية جداً كالحضارة الفرعونية، فللأسف، لم نتمكن من رؤية صور حقيقية لها على أرض الواقع. لكن وبفضل الذكاء الاصطناعي، استطعنا أن نحافظ على الحضارة ونرى صورا تحاكي الواقع بشكل كبير. الذكاء الاصطناعي يحافظ على الحضارة والتاريخ ويجدد لنا صوراً لم نتمكن من مواكبتها”.
وتضيف، أن العلم حاول عبر وسائط مختلفة تخيّل شكل الحضارات القديمة مثل الحضارة الفرعونية منذ انتهاء عصر الحضارة الفرعونية إلى عصر الذكاء الاصطناعي، قامت تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي بتزويد ميزة لنقل أقرب وأدق صورة لهذه العصور.
يدخل الذكاء الاصطناعي أكثر من مجال في الحياة اليومية. بعد أن نشرت حسابات متعلقة بالذكاء الاصطناعي سلسلة من الصور تظهر مواقع أثرية في مصر للعمارة والآثار، ربما تراودنا أسئلة مثل: كيف تعرفت هذه التكنولوجيا على هذه المواقع؟ وما مدى دقة عملها في تصوير التاريخ والآثار القديمة التي لم يتم توثيقها في العصور القديمة؟ وما دور تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي في الحفاظ على الآثار؟ للغوص أكثر في الموضوع تحدثنا إلى متخصصين في هذا المجال.
صورة الذكاء الاصطناعي بين “النظرة الرومانسية” و”توثيق الحقيقة”
قالت المهندسة المعمارية ليلاس عبدالمولى لـبي بي سي : ” إن إعادة تصوير الماضي ليس مفهوماً جديداً في العمارة، ويمكن العثور على العديد من الأمثلة في المراجع التاريخية في مخطوطات الرحالة، أي المستشرقين بالمفهوم القديم، في القرن السابع عشر والثامن عشر، الذين صوروا المدن التي زاروها بالشرق. هذا التصوير يمكن أن يعتبر مزيجاً من الحقيقة و الرومانسية من خلال المبالغة في السمات الطبيعية للمدينة مثل عدد الاشجار أو المبالغة في إظهار بعض العناصر المعمارية أو حتى تغيير مظهر العمارة الحضرية بحيث يتم تأطير الموقع بطريقة رومانسية تتناسب مع الرؤية الغربية وتكون مبالغ بها في حال لم يزر رسام الذكاء الاصطناعي الموقع مطلقاً”.
تبيّن المعمارية أن هناك فرقاً كبيراً بين “النظرة الرومانسية” للموقع و”غايتها توثيق الحقيقة” ولكن في هذه الصور، تقول إنه لم يستطيع المؤرخ أن يتخلى عن “نظرته الذاتية” و بين ما نراه الآن من صور “لا تحتوي على أي دقة علمية و تأريخ صحيح”.
وتضيف: “من المهم في هذه المعرفة المعمارية أن تأتي من بيانات معمارية حسية تترجم في مخططات معمارية و هذا يختلف تماماً عن طريقة تعامل الذكاء الاصطناعي مع العمارة حيث يترجم النص إلى صورة، إلا أنها لا تفهم اللغة كما يفهمها البشر و لذلك في حالة اختيار بيانات عشوائية أو سمات ثانوية قد تنتج صور غير دقيقة.”
تضيف قائلة: “أنا لا أقول أن الذكاء الاصطناعي لن يكون مفيداً للمجالات العلمية وأعتقد أنني أجهل ماهية استخدامه في المستقبل، الآن نحن على علم أن العمارة الرقمية و التكنولوجية ساعدت بشكل كيبر في تسريع عملية توثيق المباني وتصوير المباني بطريقة ثلاثية الأبعاد أو حتى حديثاً، بتقنية الواقع الافتراضي، التي سمحت للإنسان بتطبيق محاكاة شبه حقيقية بطريقة واضحة وسهلة، و هو موضوع كبير لا أستطيع التشعب فيه الآن، ولكن تبقى التكنولوجيا سلاح ذو حدين”.
وتقول المعمارية إن الصور التخيلية لمصر المنتجة من قبل الذكاء الاصطناعي “ليس لها أي صلة في الحفاظ على التراث المعماري أو الآثار”، إنما هي “صورة وهمية” تخيلها الذكاء الاصطناعي استناداً إلى معلومات محددة. وتعتقد أن الغاية من نشر هذه الصور هي “إظهار قوة الذكاء الاصطناعي” في إنشاء أو تخيل هذه المواقع.
تقول عبدالمولى لبي بي سي: “أستطيع أن أقول أن تقنية الذكاء الاصطناعي تقوم بمحاولة دمج صورة متخيلة عن الماضي وفي هذه الحالة هي مصر القديمة مع صورة مألوفة من الوقت الحاضر و عليه أنتجت صورا تخيلية تدمج بين واقعين، إلا أنها أنتجت “حقيقة فوضوية” و هذا قد يعطي مفهوماً خاطئاً لأهمية التكنولوجيا”.
“مكسب كبير” لعمليات الكشف والتنقيب عن الآثار
يقول الباحث في علم الآثار من القاهرة مختار الكسباني، إن استخدام الذكاء الاصطناعي موجود في مصر منذ سنوات بالمشاركة مع هيئة الأبحاث الجيولوجية للكشف عن مواقع معينة. وبدأ استخدام هذه التقنية كالمسح الجيولوجي ثلاثي الأبعاد لبعض المناطق الأثرية لاكتشاف الأصول لصور المواقع و”ليس استنساخ الشكل الطبيعي لها”.
ويقول الباحث إن استخدام تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي لتسهيل عملية الكشف عن الآثار الفرعونية القديمة سيكون “مكسباً كبيراً” لو نجحت المحاولات في الكشف عن الآثار والحفاظ على قيمتها الأثرية وتكوين أقرب صورة لها عبر الخوارزميات الموجودة.
يُعطي الباحث مثالاً عن استخدام الذكاء الاصطناعي في الكشف عن تماثيل “سقنن رع” في مدينة الأقصر والمحفوظة الآن في متحف الحضارة المصري، حيث تم استخدام تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي للتعرف عليها بشكل خاص واحتمال تكوين شكلها الطبيعي، بالإضافة إلى التعرف على أسباب وفاة الشخصيات أو ما أصابها من أمراض، فتماثيل سقنن رع التي تبيّن تكتيف الأيادي، ظهر أن الإيماءة كانت تمثل طريقة العبادة وأنها من ملحمة كبيرة جداً، ما سمح لإعادة التمثال وإجراء عملية التحنيط اللازمة له كملك، ليدفن بعد ذلك في الأراضي المصرية.
يضيف الكسباني: “لا شك أن هذه التكنولوجيا سوف تكون مهمة جداً في كم المعلومات التى يمكن توافرها في وقت قليل، وتوافر المعلومات في حد ذاتة من أهم الأساليب للحفاظ على الآثار وتوثيقها”.