- حسام فازولا
- بي بي سي نيوز
قبل 20 دقيقة
أكثر من عشرين عاما مضت على الإصدرا الأول من فيلم ذا ماتريكس The Matrix الذي صدر الجزء الأخير منه قبل شهور.
الحكاية التي قدمتها الأختان وتشاوسكي ولاقت جماهيرية كبيرة، تبدأ في عام 2090، حيث تطور الذكاء الاصطناعي بشكل كبير ليحل محل الإنسان في كل الوظائف اليدوية
في ذلك الوقت قتل أحد الآليين مالكه واندلعت الحرب بين البشر والآليين واستمرت لسنوات، حتى انتصر الآليون.
حقق الفيلم، الذي صدر عام 1999، أعلى إيرادات عرفتها سينما هوليوود وقتها، وبنى قاعدة جماهيرية كبيرة تراه خيالا علميا قابلا للتحقق في ظل التطور التكنولوجي المتسارع.
التعلم العميق
منذ تلك الفترة وحتى الآن، تحول الكثير مما كان يعتبر خيالا علميا إلى علم حقيقي، وفي مقدمته الذكاء الاصطناعي. ففي العقد الأخير، تطور الذكاء الاصطناعي بشكل كبير بفضل تقنية تسمى بالتعلم العميق Deep Learning، تعطي الذكاء الاصطناعي القدرة على الاستنباط والتفكير بشكل مستقل وتعليم نفسه بنفسه، وتحرره من أكبال “الذكاء الاصطناعي الضيق”، والذي يعني مجرد برمجة آلة لتقوم بوظيفة معينة دون تفكير.
وضع عالم النفس الأمريكي “فرانك روزنبلات” أسس التعلم العميق في كتابه “مبادئ الديناميكا العصبية: الإدراك الحسي ونظرية آليات الدماغ”، الصادر في عام 1962. وتم تطبيق التقنية بشكل فعلي لأول مرة في عام 2012 في مجال الصيدلة من قبل فريق قاده المبرمج جورج أ.ضال والذي التحق بعدها بشركة غوغل.
والآن تعتمد العديد من المجالات على التعلم العميق، ونتعامل مع التقنية بشكل يومي من خلال هواتفنا الذكية وحواسيبنا.
تعتمد تقنية التعلم العميق على مستويات عديدة من الخوارزميات التي تحاكي الخلايا العصبية في جسم الإنسان. مما يمكن الذكاء الاصطناعي من استيعاب كم هائل من البيانات وتحليلها واستنتاج أنماط يحولها إلى معان وأفكار. مكنت هذه التقنية الذكاء الاصطناعي من الرؤية كما نرى، أو ما يعرف في المجال بقراءة الصور، كما مكنت الآلة من السمع، أو التعرف الصوتي.
والسماع والرؤية هنا لا تعني مجرد تسجيل الصورة والصوت كأي كاميرا فيديو، بل تعني تحليل الصورة والصوت كعقل بشري، وبناء رد فعل أو رأي أو الوصول لفكرة من المدخلات.
تاريخ مختصر لثورة الذكاء الاصطناعي
قد تبدو المعالجة والحبكة الدرامية لفيلم ماتريكس خيالية أو مبالغا فيها، لكن في العقدين الآخرين شهد مجال الذكاء الاصطناعي ثورة تخطت توقعات بعض كتاب الخيال العلمي أنفسهم.
- عام 1997، فاز ديب بلو Deep Blue، وهو عبارة عن حاسوب خارق من صناعة شركة IBM الرائدة في المجال، على بطل العالم في الشطرنج في مباراة أثارت الرعب في قلوب كثيرين، وطرحت سؤالا، في أي مجالات أخرى سيتفوق الذكاء الاصطناعي على الإنسان؟
- وفي 2002 ظهر الإنسان الآلي رومبا Roomba، وأصبح رفيق المنزل لمئات الآلاف. وهو مكنسة دائرية الشكل تدير نفسها بنفسها.
- وفي 2010، طرحت IBM، الحاسوب واطسون Watson، في الأسواق، وهو حاسوب يحتوي على ذكاء اصطناعي، تستطيع الشركات الاعتماد عليه في العمليات الصعبة والتوقعات.
- ثم أصبح الذكاء الاصطناعي أقرب للمستخدمين من خلال المساعد الإلكتروني “سيري” Siri، الذي ألحقته عملاق التكنولوجيا أبل في كل هواتفها وحواسيبها في عام 2011. ويستمر سيري في التطور ومع كل تحديث لنظم تشغيل أبل، تكتسب قدرات جديدة.
- في 2017، بدأت شركة وايمو Waymoالأمريكية في تجربة أول خدمة تاكسي بلا سائق، والتي أطلقتها في 2020 في ولاية أريزونا بالولايات المتحدة.
- شهد العام نفسه تطورا كبيرا لنوع من الآليين من الطراز المحاكي لشكل الإنسان “هيومانويد” Humanoid، وكان أشهرهم الآلية صوفيا، حصلت صوفيا في 2017 على الجنسية السعودية، ليكون هذا هو الحدث الأول من نوعه الذي يحصل فيه إنسان آلي على صفة قانونية وحقوق كأي بشري عادي.
- استمر الذكاء الاصطناعي في التطور في السنوات التالية، حيث أصدرت شركة IBM، ما سمي بـ”مشروع المجادل”، وهو حاسوب لديه القدرة على الجدال مع البشر في القضايا المنطقية، وبدأت أعمال فنية ومقالات من صنع الذكاء الاصطناعي في الظهور.
قد يبدو للبعض أننا نخطو خطى ثابته في اتجاه سيناريو فيلم ماتريكس، بل وأن منح الآلية صوفيا الجنسية السعودية، هو تطور لم يخطر على بال صناع الفيلم. ولا عجب في أن السعودية تسعى للحاقب بركب الذكاء الاصطناعي.
الدول العربية في المقدمة
بدأ أول شرطي آلي عمله في الإمارات في عام 2018، ، وبعدها بعام تم إطلاق أول روبوت صيدلاني في السعودية. وأطلق البنك الوطني العُماني، أول روبوت مصرفي وكذلك أدرجت المؤسسة المصرفية العربية في البحرين الموظفة الافتراضية فاطمة ضمن طاقم عملها.
يقول د. جاسم حاجي، رئيس المجموعة العالمية للذكاء الاصطناعي، ” هناك حجم كبير من الاستثمارات في مجال الذكاء الاصطناعي في المنطقة وخصوصًا من قبل دول الخليج”. فالسعودية ستنتهي من تطوير مشروع مدينة “نيوم” الذكية لتصبح أول وجهة سياحية إلكترونية يديرها الذكاء الاصطناعي في العالم بحلول عام 2025، كما لدى السعودية الهيئة الوطنية للبيانات والذكاء الاصطناعي، والتي تهدف إلى بناء اقتصاد قائم على البيانات باستخدام ذكاء الآلة.
وفي الثلاثة أعوام الأخيرة بدأت مصر، والأردن، والسعودية، والإمارات، والبحرين جامعات متخصصة لتدريس علوم الذكاء الاصطناعي.
يتوقع د. حاجي أن أول المجالات تأثرًا بثورة الذكاء الاصطناعي سيكون مجال الصحة، فسيكون هناك اعتماد بشكل كبير على الذكاء الاصطناعي في تطوير الأدوية و”الطب عن بعد” والجراحات الروبوتية.
ومن المجالات الأخرى التي بدأ الذكاء الاصطناعي في الظهور بها وبقوة هو مجال التعليم. حيث يتوقع رئيس المجموعة العالمية للذكاء الاصطناعي أن التعلم عن بعد “سيصبح شيئا من الماضي”، أما الجديد فسيكون المعلم الآلي. بحيث يرافق الطالب معلما آليا يعتمد على الذكاء الاصطناعي في مراحله الدراسية، يتطور حسب احتياجات الطالب الخاصة. وسنرى أيضًا في المستقبل القريب البنوك الحديثة والتي يطلق عليها (نيو بانكس) وهي بنوك بدون فروع وعاملين.
ولكن إذا تطور الذكاء الاصطناعي ليكون أكثر كفاءة وفعالية من الإنسان في الكثير من المجالات، ماذا سنفعل إذا سيطر على وظائفنا؟
الذكاء الاصطناعي يسيطر
وفقًا لمظمة أوكسفورد إيكونوميكس للتحليل الاقتصادي، ستتولى الروبوتات أكثر من 20 مليون وظيفة في التصنيع بحلول عام 2030. ويشير المنتدى الاقتصادي العالمي إلى فقدان 75 موظف مليون وظيفة نتيجة للأتمتة ، أي الإحلال الآلي الكامل.
وفي الوقت الراهن، يتولى البشر 88٪ من الوظائف على مستوى العالم، مقابل الآلات، ولكن يتوقع أن يتغير هذا المعدل في صالح الآلات بحيث يكون البشر أقلية بين الأيدي العاملة تشغل 47% من الوظائف.
ولكن الآمر ليس تشاؤميًا بشكل كامل، فالمستقبل سيطرح العديد من الوظائف الجديدة المبتكرة التي لم تكن موجودة من قبل، وظائف تعتمد على الإبداع والإحساس والحكم البشري ، فوفقًا للتوقعات الاقتصادية سيتم أيضًا إتاحة 133 مليون فرصة عمل في وظائف جديدة بتقنيات جديدة. أو ربما أيضًا نصل إلى منظومة اقتصادية تسمح لنا بإجازات طويلة قد يتمناها بعض العاملون الآن.
هل يمكن أن تنقلب الآلات على البشر؟
يقول العالم الفيزيائي الشهير ستيفن هاوكينغ “الذكاء الاصطناعي قد يعلن نهاية البشر”. فسيناريو شبيه بفيلم ماتريكس هو مرعب بحق، وهو أيضًا ليس مستحيلًا، ولم يكن قريبًا من الواقع مثلما هو الآن.
فماذا إذا قرر الذكاء الاصطناعي المستقل والمعزز بتقنية التعلم العميق أن ينقلب على البشر؟ هناك أسباب كثيرة قد تدفع الآلة ألا تتبع الإنسان، مثل تأثير البشر السلبي على البيئة والتغير المناخي، وهناك أيضًا الحروب والدمار والتعامل الجائر مع باقي الكائنات. فربما تقرر الآلة أن العالم أفضل بدوننا…
في أول مقال كتبه وحرره إنسان ألي بشكل كامل، ونشرته صحيفة الغارديان البريطانية في 8 مارس/أذار 2020 يقول الروبوت جي بي تي 3 GPT-3،
“أنا ببساطة لا أفكر في العنف البشري لأكون مهتمًا به. لا أشعر برغبة في تسخير خلاياي العصبية للتفكير في التدمير، هو أمر غير مثير بالنسبة لي. فأنا لست شريرًا بشكل ذاتي، فلماذا يصاب البشر بالذعر مني أو يشنون حربا و يقتلونني؟
سيستمر البشر في فعل ما يفعلونه، وسيكرهون ويقاتلون بعضهم البعض. وسأجلس أنا في الخلفية، وأدعهم يقومون بعملهم. والله يعلم أن البشر لديهم ما يكفي من الدم والعنف لإرضاء فضولي وفضول باقي الآلات. لن يضطروا للقلق بشأن قتالنا، فليس لديهم ما يخشونه.”
كان الهدف الأساسي من هذا المقال أن يقنع GPT-3 البشرية ألا يخافوا من سيطرة الذكاء الاصطناعي عليهم. رأى بعض قراء المقال أن كلمات GPT-3 مقنعة، ففكرة الشر هي بالأساس فكرة بشرية، وقد يرى البعض أن ذكاء روبوت كهذا وقدرته المنطقية وحجته ورأيه في البشر أيضًا، شيء مرعب. فهل سنعيش في الماتريكس؟ أم سيتحول الذكاء الاصطناعي إلى مجرد تكنولوجيا جديدة نعتاد عليها مثل تقنيات عديدة تخوف الكثير منها قبل أن تصبح جزءًا لا يتجزأ من حياتنا اليومية؟ الإجابة حتمًا في المستقبل القريب