- لمى الخاير
- بي بي سي عربي- لندن
قبل ساعة واحدة
بعد أن كان تحديد هوية الأشخاص في التحقيقات الجنائية والطب الشرعي يتم باستخدام بصمات أصابعهم، ثم تحليل الحمض النووي، مرورا بتحليل الصوت، ثم بصمة العين، نشهد اليوم تحديد هوية كاتب نص على المنصات الإلكترونية، ربما بذات الدقة، باستخدام ما يُسمى تحليل “بصمة النص”.
ويسعى مطورون داخل وحدة أبحاث تابعة للمخابرات الأمريكية لاستخدام تقنية تم بناؤها لمكافحة التضليل عبر الإنترنت، من أجل تحديد هُوية شخص ما من خلال طريقة كتابته عبر وسائل التواصل الاجتماعي باستخدام الذكاء الاصطناعي.
ما هي “بصمة النص”؟
بحسب موقع “نيكستغوف” الأميركي المتخصص، يعمل الخبراء في وحدة مشاريع بحوث الذكاء المتقدم” IARPA”، وهي جناح بحثي تابع لأجهزة الاستخبارات الأميركية، على استخدام الذكاء الاصطناعي ضمن برنامج يدعى” HIATUS ” لتحليل البنية الخفية للنصّ عبر الإنترنت، وإسناده لصاحبه،
وسوف تعمل تقنية البصمات النصية الجديدة بشكل مشابه للطريقة التي يحدد من خلالها خبراء الطب الشرعي حالياً هوية شخص ما بناء على خط يده، فمثلما يتميز البشر بوجود اختلافات فردية صغيرة بينهم تحدد خصوصياتهم في الطريقة التي يكتبون بها كلمة ما، فإن المؤلفين عبر الإنترنت لديهم أيضاً نصوصهم وأساليبهم الخاصة عند صياغة الجمل عبر الإنترنت، وما يقوم به البرنامج هو تحديد السمات الكتابية مثل: وضع الكلمات وبناء الجملة، التي يمكن من خلالها تحديد من كتب نصاً معيناً، تماماً مثل بصمة إصبعك.
ويشرح لنا الدكتور زياد صرايرة، الخبير في الذكاء الاصطناعي ، هذه التقنية قائلاً إنها “تعتمد بشكل أساسي على خوارزميات من الجيل الثالث المتعلقة بالشبكات الحديثة والتعلم العميق، وذلك خلافا لخوارزميات الجيل الأول والثاني التي كانت تعتمد على تطابق الكلمات أو ما يدعى chat bot أو حتى التحليل البشري للبيانات المتاحة عند البحث عن شخص محدد أو معلومة محددة”.
ويضيف “بل يبحث هذا البرنامج عن أنماط جملة معينة وليس فقط كلمات، وعلى التكرار في نمط الكلام، والتكرار نقطة أساسية في التوصل إلى نتائج دقيقة. فإذا سألت 100 شخص نفس السؤال أو طلبت منهم وصف شيء ما فستحصل على احتمالات لامتناهية من الإجابات لا يمكن أن تتطابق.”
الإنسان لا يحقق هذه الدقة
فما الذي يميز هذه التقنية الجديدة لتصل إلى هذه الدقة في اعتقاده؟
يقول إن “كمية المعلومات التي تعالجها هذه الخوارزميات وتعمل بنظام عمليات بحث وبرمجة خاصة تخضع لغربلة البيانات حيث تمر بعدة مراحل، ثم يتم تأكيد المعلومات بكل مرحلة منها. أي أن الإمكانات البشرية غير قادرة أن تحقق نفس النتائج”.
ويأمل الباحثون أن تلعب تقنية “بصمة النص” دوراً كبيراً في تحديد هوية أصحاب حملات التضليل والاتجار بالبشر من خلال تحديد السمات الأسلوبية مثل وضع الكلمات وصياغة الجملة والأسلوب.
ونشر تقرير لشركة imperva للأمن السيبراني عام 2020 أن أكثر من ربع مستخدمي الإنترنت ليسوا بشراً وإنما حسابات آلية قد تنشر المعلومات المضللة أو البذاءات وغيرها، هذا غير استخدام بشر لأسماء مستعارة.
مخاوف المستخدمين
وقد استطلعت بي بي سي آراء عدد من الشبان والفتيات بشأن هذه التقنيه فأفاد معظمهم بأنها فكرة جيدة ، يمكن أن تساهم في حفظ الحقوق الفكرية لأي شخص شارك آراءه أو تحليلاته، وفي الحد من نشر معلومات وأخبار زائفة لعدم معرفة المصدر الأصلي.
لكن آخرين أعربوا عن قلقهم من إمكانية أن يؤدي تحليل نصوصهم وتقفيها ، إلى معرفة هوياتهم دون إذن أو مبرر بوجود برنامج “بصمة النص”. وربما أثرت الأوضاع السياسية غير المستقرة ببلدانهم وحرصهم على إخفاء هوياتهم على نظرتهم لتلك التقنية.
مكافحة التزييف أم اختراق للخصوصية؟
وكان لـ د. نادين الحاج، وهي خبيرة في الذكاء الاصطناعي كذلك، رأي مختلف “التكنولوجيا سلاح ذو حدين، فإذا كنا نحب استخدام المساعد الآلي لتنظيم أعمالنا ومواعيدنا واستخدام الإنترنت بشكل دائم وتقديم معلومات عن أنفسنا وأفكارنا واهتماماتنا وغيرها، فيجب أن نعرف أننا عرضة للاختراق. وبالنسبة لهذا البرنامج الجديد الذي يعتمد تحليل النص للوصول إلى أصله ومن وراءه فاعتبره خرقاً واضحاً للخصوصية الشخصية، حتى لو كان الهدف نبيلا”.
وتوضح د. نادين: “رأينا أمثلة عن شركات كبرى مثل آبل ترفض إعطاء بيانات مستخدميها حتى لو كان هناك أمر محكمة في إطار تحقيق جنائي تحت راية أن هذه بيانات شخصية ولا يمكن مشاركتها من قبل مقدم الخدمة التكنولوجية لإنها تعتبره خرقاً لثقة المستخدمين فيها”.
بصرف النظر عن الجدل حول استخدام هذه التقنية، فهي بالتأكيد قفزة نوعية ضمن سلسلة تقنيات تحديد هوية الأشخاص في استخدام التكنولوجيا.
ويتطلع فريق خبراء HIATUS ” تحليل البنية المخفية للنصّ عبر الإنترنت وإسناده لصاحبه أو “بصمة النص” إلى تطوير أنظمة يمكن أن تكون ذات أداء قوي عبر مجالات وأنواع متنوعة من النصوص، مع تضمين العديد من اللغات الأجنبية في البرنامج أثناء تشغيله قبل إرساله إلى الوكالات الأمنية والاستخباراتية لتنفيذه بناء على احتياجاتها الخاصة، ولهذا السبب لا يتكهّن المسؤولون بتفاصيل كبيرة حول حالات الاستخدام التي يمكن أن تزدهر على طول الخط، أكثر مما كان مخططاً.