حقوق الصورة: Pixabay/CC0 Public Domain
البعوض يحوم على المريخ، والطيور المعدنية تتدفق كأسراب الحمام والذباب الطنان يحوم حولك أثناء تناولك غداءك. هكذا تحاكي الآلات الطبيعة.
الطبيعة في صراع دائمٍ مع نفسها من أجل تلبية حاجاتها الأساسية المتمثلة في الغذاء والجنس والأمان. إذ تقود المهزومين فيها للموت جوعاً أو توقعهم ضحية أنياب المفترسات، وحينها يحظى الناجون بفرص توريث جيناتهم. يسهم الانتخاب الطبيعي في التطور الفعال للعديد من الكائنات الحية ما يعزز طرق تنقلها داخل بيئاتها. يتعلم المهندسون دروس الطبيعة لابتكار آلات جديدة وغريبة.
علاقة حالية
يدرس الخبيران في مجال التقنية الحيوية، الدكتور فانغباو تيان والدكتور بريندان بيرنز من جامعة نيو ساوث ويلز، الطبيعة لفهم آلية حركتي الطيران والسباحة في الحيوانات.
يقول فانغباو: “تعلمنا الطبيعة كيفية صنع روبوتات أكثر كفاءة. مثل تلك الموجودة في ألعاب الأطفال، وطائرات التوصيل بلا طيار، والآلات على الكواكب الأخرى”.
بينما يضيف زميله بريندان: “ندرس الطبيعة محاولين مواكبتها، فلا توجد أمامنا أمثلة أخرى أفضل منها“.
يدرس فانغبو هياكل زعانف الأسماك. تتحرك الأسماك بسرعة لتتجنب الحيوانات المفترسة والعقبات في المياه. إن استجابات الأسماك أسرع من الحاسوب، وقد تطورت أجسامها لمساعدتها على السباحة بطاقة أقل.
تُستخدم آلية الطفو الموجودة في الأسماك في الغواصات الانزلاقية. إذ تتيح تحركها لأسابيع دون التزود بالوقود.
طائرات مرنة
يجري الباحثان أيضاً دراسةً على أجنحة الحشرات والطيور.
يقول بريندان: “تختلف الأجنحة في تركيبها. فمثلاً نرى أن أجنحة اليعسوب جامدة إلى حد ما، بينما جمود أجنحة النحلة ومرونة حوافها الخارجية”.
يسمح اختلاف أجنحة هذه الحشرات لها بإتقان أساليب طيرانٍ فريدة. تركز دراسة بريندان وفانغبو على تناسب الأجنحة مع الآلات ذات الوظائف المختلفة.
على سبيل المثال، قد تعمل الأجنحة الصناعية المشابهة لأجنحة البعوض بشكل رائع على المريخ.
بعوض المريخ
تعتمد معظم أجنحة الحشرات في تركيبها على دوامات الحواف الأمامية. تحدث هذه الدوامات عند ميل الجناح بعكس اتجاه تيار الهواء أثناء الطيران. يؤدي هذا إلى رفع الجناح بمقدار كبير قبل تغير الضغط أسفله.
تتسبب هذه الدوامات بحوادث الطائرات المميتة، لكن الحشرات تستعين بهذه الدوامات أثناء الطيران بإتقانٍ رائع. يقول بريندان: “إذا قلبت جناحك في الاتجاه الآخر، فستأخذ نبضة رفع أخرى. تقوم الحشرات بهذا حوالي 200-1000 مرة في الثانية فهي تستفيد من جميع مزايا هذه الدوامات دون أيّ مشاكل”.
تعتمد الطائرات التقليدية بشكل عام على ضغط الهواء العالي، لكن رقة الغلاف الجوي على سطح المريخ تعرقل هذا الطيران. لا يعتمد طيران الحشرات على ضغط الهواء كثيراً، ما يجعله مناسباً لرحلات المريخ. يعمل المهندسان على دراسة الطائرات المجنحة بلا طيار.
محاكاة الحواسيب الفائقة
لفهم كيفية تحرك الأسماك والطيور والحشرات في الهواء والماء، يأخذ المهندسان تسجيلاتٍ لهذه الحركات، ثم ينشئان محاكاة باستخدام أجهزة الحواسيب الفائقة في مركز باوسي للحوسبة.
بقول بريندان: “بإمكاننا إجراء ذلك من خلال التجارب على الحيوانات، لكن الأخلاقيات تلزمنا ألا نفعل ذلك، إذ يتطلب الأمر منا تعطيل أجزاء من دماغ سمكة أو قطع أجزاء من جناح حشرة”.
قال فانجباو: “عوضاً عن ذلك، استخدمنا الذكاء الصناعي لمتابعة كيفية تفاعل الأسماك مع بيئتها. يمكننا التحكم في البيئة المحاكية لمعرفة ما تراه أو تشعر به الأسماك، حتى نعرف ما هو مهم”.
لم يحن بعد عصر المحاكاة الحيوية، إذ إن الطريق لتمكين الآلات من محاكاة الطبيعة بالكامل بعيد أمام الباحثين.
ولكن يوماً ما سنشهد بعوضاً مصنوعة من الألومنيوم ترفرف بأجنحتها على سطح المريخ، بينما تقدم الطوافات البلاستيكية وجباتنا وسنرى الغواصين يسبحون بجانب الأسماك الآلية.
ربما تصبح الروبوتات انعكاساً معدنياً للطبيعة في المستقبل.