- ألمى حسون
- بي بي سي نيوز عربي -لندن
قبل 21 دقيقة
عندما أخبرتُ عددا من زملائي أنني سألتقي باحثا مختصا في علم الأعصاب في لندن للحديث عن أمراض الخرف بمناسبة أسبوع نشر التوعية بهذا المرض؛ حمّلوني استفسارات كثيرة، كما أرسل لي عدد من أقاربي – كبار السن – رسائل على واتساب متضمنة أسئلتهم، أو بالأحرى مخاوفهم.
معظمهم أراد أن يعرف إمكانية حماية الدماغ من الإصابة بالخرف “قبل فوات الأوان”، علما أن نحو خمسين مليون شخص في العالم مصاب بأحد أمراض الخرف.
لكلمة “خرف” وقع مخيف، وكثيرا ما يُستخدم اسم هذا المرض العصبي والنفسي، كغيره من الأمراض الأخرى، كشتيمة في عدد من المجتمعات العربيّة للإشارة لمن فقد عقله. وهذه الكلمة هي الترجمة العربية المعتمدة لمصطلح “Dementia” الإنكليزي.
يقول لبي بي سي نيوز عربي رجل سعوديّ، فضّل التعريف عن نفسه بأنه مقدّم رعاية لمريض الزهايمر، إنه كان يسمع “همهمات” ويرى “نظرات الاستغراب” من حوله عندما كان يشارك مع والده في مناسبات اجتماعية بسبب سلوك والده، لكنه قرر التوقّف عن الشعور بالحرج من تصرفات والده ومن إخبار معارفه باسم مرض والده “فلا شيء يدعو للحرج”.
علميا، ووفقا لمنظمة الصحة العالمية، الخرف لا يعني النسيان فقط، بل هو متلازمة تتسم بتدهور تدريجي للذاكرة والتفكير والقدرة على التوجّه والفهم والحساب والتعلّم والحديث وتقدير الأمور، لكنّه لا يطال الوعي.
وهذه النقطة الأخيرة مهمة جدا.
إذ يشرح الطبيب أحمد الخليفات، الباحث في مجال علم الأعصاب في جامعة كينغز كولدج في لندن (King’s College London)، أن الأبحاث تؤكّد أن الشخص المصاب بالخرف “يحس مثلي ومثلَك. يتألم. لكنه غير قادر على التعبير”.
ذكرني كلامه بأكثر من قصة سمعتها عن التواصل مع مصابين بأمراض الخرف عن طريق العيون فقط.
إحداها، عن أم سبعينية مصابة بأحد أمراض الذاكرة إلى جانب مرض عصبيّ آخر؛ تسأل الابنة أمها إن كانت لا تزال قادرة على تمييزها، فتجيب الأم بعينيها. وكذلك عن الرجل السعودي ذاته الذي يقدم الرعاية لأبيه المصاب بمرض الزهايمر منذ أكثر من اثنتي عشرة سنة، والذي يقول إنه يفهم من عيني والده مدى امتنانه لرعايته له كل هذه السنوات.
لا علاج للخرف
رغم كل التقدم العلمي والتكنولوجي، لم يتمكن الباحثون بعد من إيجاد علاج للخرف، ولا حتى من معرفة وقت بداية المرض، الذي غالبا ما تظهر أعراضه مع سن الخامسة والستين.
وهذه الأعراض تبدأ بالنسيان، وفقدان القدرة على إدراك الوقت، والضياع في الأماكن المألوفة. ثم تبدأ المرحلة الوسطى، التي تتضمن نسيان أحداث جديدة العهد وأسماء الناس، والضياع في البيت، والصعوبة المتزايدة في التواصل مع الغير، والحاجة إلى المساعدة للاعتناء بالذات، وطرح الأسئلة بصورة متكرّرة.
أما في المرحلة المتقدمة فيصبح الاعتماد كليا على الغير وانعدام النشاط تقريباً. وفي هذه المرحلة تصبح اضطرابات الذاكرة كبيرة وتصبح العلامات والأعراض الجسدية أكثر وضوحا، وفقا لمنظمة الصحة.
يوضّح الباحث، أحمد الخليفات، أنه عند ظهور أعراض المرض، “يكون الشخص قد فقد نحو ستين في المئة من حجم الدماغ؛ فالعقل يبقى قادرا على ممارسة وظيفته حتى ولو بدأت الإصابة بالخرف”.
لكن ألا توجد أية طريقة لمعرفة بداية المرض؟
يجيب د.خليفات بأن نتائج البحوث المتعلقة باستخدام الصور الشعاعية وفحوص الدم “مبشّرة”، لكنه يؤكّد أن الاختبارات الجينيّة هي الأسهل للتنبؤ بهذا المرض.
“مع تطور علم الجينات وتطور علم الإحصاء عموما، يمكن أن نستخدم عمليات رياضية للتنبؤ بفرص حدوث المرض. وفي المستقبل، ستجرى فحوص جينيّة كما تجرى اختبارات الدم”.
النساء والزهايمر
إحدى المعلومات المقلقة هي أن أحد أشكال الخرف، وهو الزهايمر، يظهر لدى النساء أكثر من الرجال – وليس جميع النساء بالضرورة، بل “النساء، اللاتي تجاوزن عمر الخامسة والستين، العاملات، ذوات الدخل الأعلى من المتوسط، والمستوى المعيشي والتعليمي الأعلى من المتوسط الأكثر”.
يشرح الطبيب سبب ذلك: “قد تكون هذه ضريبة تشغيل العقل لفترة أكبر، وقد يرجع السبب للتوتر ونمط الحياة الحديثة لدى المرأة العاملة، والنوم غير المنتظم الذي لا يوفر الراحة للدماغ، إلى جانب نوع الأكل”.
شدد د.أحمد الخليفات كثيرا على دور النوم المتقطع في الإصابة بأحد أمراض الخرف.
وشرح سبب ذلك بالتفصيل: “أهم النظريات التي تفّسر حدوث الخرف تتعلق بالخلل البروتيني. إذ يعد تكتل بروتينات (هي أميلويد-بيتا وتاو) أساسا للأبحاث المتعلقة بهذا المرض وبتطوير عقاقير لعلاجه. نرى ترسبات كثيفة وتكتلات ليفية بسبب بروتين تاو خلال الفحص المجهري، هذه الترسبات الكثيفة غير قابلة للذوبان وبالتالي لا يمكن للخلايا العصبية التواصل ولا التخلص من المواد السامة في جسم الخلية”.
“الأبحاث أثبتت أن النوم جزء مهم في التوازن البيولوجي، وتوصلت إلى أن النوم يساعد الدماغ على التخلص من البروتينات والمواد السامة. وهناكعدة أبحاث وطدت العلاقة بين قلة النوم والخرف”.
نظرية الخلل البروتيني هي واحدة من ثلاث نظريات؛ فهناك أيضا الطفرات الجينية، والخلل في عملية الاستقلاب التي قد تسبب أيضا مرض السكري، لذا فإن المصابين بالزهايمر غالبا ما يكونون مصابين أيضا بالسكري.
إلى ذلك، قد تتسبب الجلطات بالخرف الوعائي، كما أن هذا المرض قد يرافق أمراضا عصبية أخرى مثل داء باركنسون.
الخرف في الدول العربية
من المتوقع أن يتضاعف عدد المصابين بالخرف (الذي يقدّر حاليا بخمسين مليون) ثلاث مرات بحلول عام 2050.
وهناك صعوبة في معرفة أعداد المصابين بالخرف في الدول العربية، لكن منظمة الصحة العالمية تقول إن أكثر من نصف المرضى يعيشون في البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل.
ولا يبدو أن هناك جمعيات أو مراكز عربية كثيرة متخصصة بأمراض الخرف.
عثرتُ على الجمعية السعودية الخيرية لمرض الزهايمر، والتي تقدّر عدد المصابين بالزهايمر في المملكة بنحو مئة وثلاثين ألف شخص.
تقول المديرة التنفيذية للجمعية، رنا عبدالله المرعي، إن جمعيتها التي تأسست عام 2009، هي “الوحيدة” التي تقدّم خدمات الرعاية والدعم المتنوّعة (الطبيّة والتوعوية وحتى المادية)، وأن خدماتها المجانية تشمل كل أنحاء المملكة.
وغياب الإحصاءات والمعلومات عن أعداد المصابين في الدول العربية لا يحرمهم فقط من الحصول على حقهم بالرعاية الطبية اللازمة، بل أيضا يعطّل المشاركة العربية في مجال البحث العلمي الذي غالبا ما يبقى مقتصرا على عرق معيّن (غالبا الأشخاص البيض).
أكثر من ثمانين في المئة من البحوث العلمية العالمية التي تحاول إيجاد أدوية لعلاج الخرف باءت بالفشل، وفقا للدكتور أحمد الخليفات الذي درس الطب العام في مصر ثم حصل على دكتوراه في علم الأعصاب من بريطانيا.
لكن الباحث الأردني يبقى متفائلا في اقتراب الوصول إلى علاج لأمراض الخرف بفضل الإمكانيات التي يتيحها الذكاء الصناعي، ويخبرني أنه قبل أيام عقد مؤتمرفي لندن وتشكلت مجموعة من أهم الباحثين لإيجاد حلول مبتكرة للأمراض النفسية العصبية.
“الذكاء الصناعي يعطي فرصة للباحث لتحليل كمية كبيرة من البيانات في وقت سريع جدا، ولإيجاد أشخاص معرضين للأصابة بالخرف حتى قبل تشخيصهم”.